الرئيسية / أخبار / مؤتمر حوار وطني لمعرفة ما لا يريده السوريون

مؤتمر حوار وطني لمعرفة ما لا يريده السوريون

ما يريده السوريون واضح، سبق أن أعلنوا عنه دون أن يوجه لهم أحد دعوة لحضور مؤتمر حوار وطني، ودفعوا ثمن ذلك غاليا. على رأس ما يريده السوريون التحرر من التبعية الفكرية لحكومة عقائدية أيّا كان لونها ومصدرها، والدليل نزوح وهجرة نصف سكان سوريا باتجاه بلاد لم ولن يكون من ضمن دوافعهم وطموحاتهم أن يشاركوا في صياغة مؤتمر حوار فيها. كل ما يهم الملايين من اللاجئين الذين غامروا بحياتهم وتركوا منازلهم وذكرياتهم خلفهم، أن يتحرّروا من الخوف.

لمعرفة ماذا يريد السوريون، يكفي أن نسأل حكومة تركيا التي استقبلت 3 ملايين لاجئ سوري على أرضها، وأن نسأل حكومات أوروبية، على رأسها الحكومة الألمانية التي استقبلت أكثر من مليون لاجئ، بينهم أطباء ومهندسون ورجال أعمال وحرفيون مهرة، تقول لكم ماذا يريد السوريون.

المآسي التي تعرض لها السوريون وقصص نجاحهم في مصر وتركيا وألمانيا وغيرها من الدول التي استقبلتهم، ستخبركم عن شعب محب للعمل ومقبل على الحياة.

لم يغادر السوريون بلدهم، كما يشاع، لأسباب اقتصادية. الأرقام تقول ذلك. في العام الذي سبق اندلاع الأزمة – نتحدث عن عام 2010 – بلغ الناتج المحلي الإجمالي في سوريا نحو 62 مليار دولار، انكمش بأكثر من النصف، مع خسائر تقدر بنحو 800 مليار دولار بسبب الحرب. سوريا بلد غني يمتلك عناصر ثراء وثروة متعددة، يكفي أن تقول إنك سوري، ليظن مخاطبك أنك تاجر.

لن تكون الأمور مطمئنة بعد أكثر من ستة عقود من حكم البعث وخمسة عقود من حكم عائلة الأسد وبعد 14 عاما من بدء الثورة، إن لم نكن نعلم ماذا يريد السوريون اليوم. بعد سقوط النظام السابق، ودخول السجون المعتمة والكشف عن المقابر الجماعية أصبح واضحا بالنسبة إلى العالم أجمع أن السوريين غادروا بلدهم خوفا من الاعتقالات التعسفية وبحثا عن بلد يحترم حقوق الإنسان وحرية التعبير والحرية الشخصية.

لم تكن اللجنة في حاجة إلى الاستماع وتدوين أكثر من 2200 مداخلة، إضافة إلى مشاركات مكتوبة تزيد عن 700 مشاركة، وعقد أكثر من 30 لقاء في عموم المحافظات السورية، شارك فيها ما يقارب 4000 رجل وامرأة، لمعرفة ماذا يريد السوريون.

ما يريده السوريون لا يختلف عمّا يريده الأتراك والألمان والفرنسيون والبريطانيون، وما اتفق عليه العالم أجمع، وأنشأ من أجله مؤسسات دولية يعود إليها للاحتكام عند حدوث أيّ خروقات.

اللجنة التي كلفت بالإعداد لمؤتمر الحوار الوطني قالت إنها لمست خلال اللقاءات حالة واسعة من التوافق بين السوريين ما سهّل عملها “حيث برزت قضايا العدالة الانتقالية والبناء الدستوري والإصلاح المؤسسي والإصلاح الاقتصادي ووحدة الأراضي السورية وقضايا الحريات العامة والشخصية والحريات السياسية كأولويات أساسية لدى الجميع..”

ونوّهت إلى “ضرورة إعادة هيكلة القطاعات الحكومية وإشراك المواطنين في إدارة المؤسسات وتعزيز الأمن والاستقرار لتسهيل إعادة بناء مؤسسات الدولة.”

الغريب أن يغيب عن هذا القائمة واحد من أهم مطالب السوريين، وهو حكومة تكنوقراط، وليس حكومة عقائد وأيديولوجيات، سواء كانت منقرضة أو حديثة العهد والتكوين، حكومة تضع الشخص المناسب في المكان المناسب. وهو ما عجزت عن فعله كل الحكومات التي رفعت شعارات ضخمة.

عدا ذلك لا يوجد ما هو جديد في القائمة، وتكاد تكون مطابقة لما ذكره الرئيس السوري أحمد الشرع أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة، واضعا عدة أولويات تشمل العمل على استقرار السلطة والحفاظ على السلم الأهلي وتأسيس مؤسسات قوية وفعالة، والعمل على تطوير الاقتصاد وتحقيق التنمية، وإعادة بناء العلاقات الدولية والإقليمية وتحسين صورة سوريا على الساحة العالمية.

لتحقيق ذلك يجب العمل على بناء دولة خالية من الخوف والاعتقالات التعسفية، وتأسيس نظام قانوني يحترم حقوق الإنسان وحرية التعبير، وإصلاح الجيش ليكون وطنيا ومحترفا، وإجراء إصلاحات جذرية في المؤسسات الحكومية للقضاء على ظاهرة الرشاوى والفساد والمحسوبيات، مع التركيز على الكفاءة والخبرة في التعيينات، وتعزيز العدالة والمساواة وفرص التنمية. وإعادة بناء ما دمّرته الحرب على صعيد المجتمع والثقافة والاقتصاد والعلم والحضارة.

بدلا من الحديث عمّا يريده السوريون، كان من الأفضل للجنة أن تستمع إلى ما لا يريده السوريون.

لا يريد السوريون أن يروا في سوريا زعيما مؤلّها، يجلس على كرسي الرئاسة مدى الحياة. ولا يريدون أن يروا أجهزة مخابرات تشعرهم في كل لحظة أنهم متهمون حتى لو ثبتت براءتهم، وتقتحم عليهم ديارهم قبل شروق الشمس، تنتزعهم من أفرشتهم وترمي بهم في زنازين مغلقة لا يدخلها النور، دون أن يكون لهم الحق في الدفاع عن أنفسهم.

لا يريد السوريون مجتمعا تكون فيه الشعارات أهم من حياة الأفراد. أكثر من ستة عقود والفرد السوري يلبس ثيابا باللون العسكري ويردد شعارات جوفاء عن وحدة لم تتحقق، وأحاديث عن انتصارات لم تترجم على أرض الواقع إلا لهزائم.

قد يكون رد أحمد الشرع حول الموقف من إسرائيل، صادما للبعض، لكنه رد واقعي جدا، عندما أكد أن سوريا لن تستخدم أراضيها للهجوم على إسرائيل، وأنها ملتزمة باتفاقية وقف إطلاق النار لعام 1974، مشددا على ضرورة ضبط الأوضاع في المنطقة واحترام السيادة السورية، داعيا المجتمع الدولي إلى التدخل لتحمل مسؤولياته تجاه التصعيد الإسرائيلي.

لقد سقطت جمهورية الكبتاغون والميليشيات وعصابات التهريب التي استنزفت البلد بذريعة حروب وهمية، وكانت حربها الوحيدة التي شنتها هي حرب على السوريين.

ما لا يريده السوريون الآن هو حكومة تكرّر أخطاء الماضي.