د. شهاب المكاحله
يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى لتحقيق عناصر من خطة يغال ألون، الذي كان نائب رئيس الوزراء ووزيرا في الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية، وهي اقتراح تاريخي شكل إلى حد كبير السياسة الإسرائيلية منذ حرب عام 1967. التصعيد الأخير في العمليات العسكرية، بما في ذلك القمع والاغتيالات التي استهدفت الفلسطينيين في المدن والمخيمات، يشير إلى استراتيجية متعمدة تتماشى مع أهداف الخطة الأصلية.
كان ألون من قادة حركة الكيبوتسات وعضوا بارزا في حزب العمل. انضم إلى تنظيم “الهاغانا” وساهم في تأسيس كيبوتس غينوسار على الضفاف الغربية لبحيرة طبريا. وعند الإعلان عن تأسيس “البالماح”، وهي وحدة النخبة، قاد الفرقة الأولى فيها، وتولى قيادة فرق “المستعربين”، ثم شغل منصب نائب رئيس “البالماح” بين عامي 1943 و1945، ليصبح رئيساً له في عام 1945. خلال حرب 1948، قاد كتيبة “يفتاح” ونفذ عدة عمليات ومهام عسكرية. عُرف بمواقفه المتشددة تجاه العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل، وكان في فترة ما من أنصار فكرة “الترانسفير” للعرب.
لمحة عامة عن خطة ألون
سميت الخطة على اسم يغال ألون وقد تم اقتراحها في يوليو 1967. كانت تهدف إلى رسم الحدود المستقبلية لإسرائيل من خلال ضم أجزاء استراتيجية من الضفة الغربية، وخاصة وادي الأردن، مع ترك المناطق الفلسطينية المكتظة بالسكان تحت السيطرة الأردنية أو الفلسطينية الذاتية. وتسعى الخطة إلى إنشاء حدود دفاعية، والحفاظ على أغلبية يهودية ديموغرافية، ومنع تشكيل دولة فلسطينية مستقلة.
الدفع الاستراتيجي لنتنياهو
تشير سياسات نتنياهو الأخيرة والعمليات العسكرية في الضفة الغربية إلى جهد منسق لتفعيل رؤية خطة ألون. تحت قيادته، كثفت إسرائيل وجودها في وادي الأردن ووسعت المستوطنات في المناطق الاستراتيجية، مما يعكس النوايا الخبيثة للخطة الأصلية. ومؤخرا، شاهدنا عمليات عسكرية واسعة النطاق، ما أدى إلى خسائر كبيرة في أرواح الفلسطينيين وتدمير البنية التحتية. هذه التحركات تسعى لترسيخ السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية وتثبيت ضم الأراضي الرئيسة لخلق واقعين ديموغرافي وجغرافي جديدين يشكلان ضغطا سياسيا على الأردن وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية بانتظار الرئيس الأميركي للأعوام2025- 2029.
القمع والاغتيالات: أداة للسيطرة على الأراضي
يعتبر تزايد القمع العسكري والاغتيالات المستهدفة للقادة والنشطاء الفلسطينيين في الضفة الغربية جزءا أساسيا من استراتيجية نتنياهو. جنين ونابلس وطولكرم والخليل شهدت عمليات عسكرية إسرائيلية كبيرة تهدف إلى تحييد ما تعتبره الحكومة تهديدات أمنية. هذه الإجراءات لا تتعلق فقط بالمسائل الأمنية الفورية؛ بل هي جزء من جهد أوسع لإضعاف المقاومة الفلسطينية وكل من يعارض السيطرة الإسرائيلية على تلك الأراضي لوأد القرارات الدولية.
على سبيل المثال، العمليات الأخيرة في مخيم جنين للاجئين، التي أسفرت عن عدد كبير من الضحايا، تم تبريرها من قبل الحكومة الإسرائيلية باعتبارها ضرورة أمنية. ومع ذلك، تتماشى هذه الإجراءات مع هدف خطة ألون بإنشاء منطقة عازلة أمنية، وخاصة في المناطق مثل وادي الأردن. كما أن استهداف القادة الفلسطينيين يرمي بشكل استراتيجي لزعزعة استقرار الحكم المحلي وقمع أي مقاومة منظمة تمهيدا لتوسع إسرائيل بل تمددها.
التأثير على السكان الفلسطينيين
كانت عواقب هذه الإجراءات على السكان الفلسطينيين شديدة. فقد أدى تدمير المنازل وتشريد الأسر وتعطيل الحياة اليومية إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في الضفة الغربية. هذه التدابير، التي تهدف إلى ضمان الأمن الإسرائيلي، أدت بدلاً من ذلك إلى تأجيج مزيد من الاضطرابات وتعميق الفجوة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
علاوة على ذلك، فإن التوسع المنهجي للمستوطنات في الضفة الغربية، الذي غالبا ما يرافقه طرد السكان الفلسطينيين، يؤكد تنفيذ رؤية خطة ألون المتمثلة في أغلبية يهودية في المناطق الاستراتيجية. هذا التوسع لا يغير فقط المشهد الديموغرافي، بل يجعل احتمال قيام دولة فلسطينية وذات سيادة أمراً غير مرجح بل مستحيلا.
ماذا يعني تعيين حاكم عسكري إسرائيلي لغزة؟
أنشأ جيش الاحتلال الإسرائيلي منصبا جديدا تحت مسمى “رئيس الجهود الإنسانية والمدنية في قطاع غزة”. ووفقًا للتقارير، فإن هذا الدور مصمم لإدارة القضايا الإنسانية وتنسيق الشؤون المدنية في القطاع، كجزء من استراتيجية إسرائيلية أوسع للحفاظ على السيطرة طويلة الأمد على غزة، وضمان الأمن والسيطرة السياسية المستمرة. وقد تم تعيين العميد إيلاد غورين في هذا المنصب، الذي يُعادل دور رئيس الإدارة المدنية التابعة للسلطة الإسرائيلية في الضفة الغربية، وهذا المنصب اشبه بمنصب الحاكم العسكري للعراق في الفترة من -2003 2004.
وفي الختام، تعكس أفعال نتنياهو في الضفة الغربية ترجمة نوعية لبنود خطة ألون، مع استخدام العمليات العسكرية الأخيرة كأداة لتوحيد الأراضي التي باتت تحت السيطرة الاسرائيلية. فالقمع الذي تتعرض له المدن والمخيمات الفلسطينية، إلى جانب توسع المستوطنات الإسرائيلية، يتماشى مع أهداف الخطة الاستراتيجية المتمثلة في تأمين حدود دفاعية والحفاظ على السيطرة الإسرائيلية على المناطق الرئيسة. ومع استمرار تنفيذ هذه السياسات، فإنها تزيد من تعقيد إمكانية التوصل إلى حل سلمي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مما يؤدي إلى استمرار دورة العنف وعدم الاستقرار في المنطقة. وينهي ما اطلق عليه بحل الدولتين.