الرئيسية / أخبار / ما التحديات الداخلية والخارجية التي تنتظر عبد المجيد تبون في ولايته الثانية؟

ما التحديات الداخلية والخارجية التي تنتظر عبد المجيد تبون في ولايته الثانية؟

ثبتت المحكمة الدستورية في الجزائر فوز الرئيس عبد المجيد تبون بولاية رئاسية جديدة، حتى وإن خفضت نسبة الأصوات التي حصل عليها بـ10%، وهو ما يعطي إشارة انطلاق جليس قصر المرادية في مهمته لـ5 سنوات جديدة، يواجه فيها تحديات اقتصادية وسياسية وخارجية عديدة مطالب بكسبها، لجعل البلاد تأخذ المكانة التي تستحقها وتتلاءم مع عوامل النجاح التي تتوفر بها، وهي الغاية التي لم تتحقق كما يجب رغم مرور أكثر من 60 سنة على استقلالها.

وبفوزه في رئاسيات 7 سبتمبر/أيلول الجاري الذي كان منتظرًا، يجد تبون نفسه مطالبًا بتحقيق الوعود التي أطلقها المتمثلة في  جعل “الجزائر منتصرة” في كل القطاعات، وبالخصوص الاقتصادية والسياسية، بالنظر لارتباط المجالين ببعضهما البعض ومساهمتهما في استقلالية المؤسسات الرسمية عن أي ضغوط داخلية أو خارجية.

إصلاح

جاء في إعلان المحكمة الدستورية أن تبون حصل على 84.30% من أصوات الناخبين، وهي نسبة منخفضة بأكثر من 10% عن تلك المقدمة من طرف السلطة المستقلة للانتخابات الأحد الماضي، التي كانت 94.65%.

وإن كان فوز تبون بولاية جديدة وبأغلبية ساحقة حقيقة لا يمكن لأحد من المتابعين الطعن فيها، إلا أن الفارق في الأرقام التي نتجت عن التصحيحات التي قامت بها المحكمة الدستورية فيما وصلها من محاضر فرز من السلطة المستقلة في الانتخابات، يشير إلى أن الرجل الأول في الجزائر مطالب في العهدة الجديدة بالقيام بإصلاحات واسعة.

وتخص هذه الإصلاحات تنظيم العملية الانتخابية وآليات عمل السلطة المستقلة للانتخابات، التي أساء الشكل الذي ظهرت به والتضارب والتناقض في الأرقام المقدمة منها، للعملية السياسية التي تحدث بالبلاد، والمطالبة بأن تكون مختلفة كل الاختلاف عما كان قبل حراك 22 فبراير/شباط 2019 الذي كان وما زال الرئيس تبون من الداعمين له وحرص على تضمينه في الدستور الذي عدله في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

ويتفق المهتمون بالسياسة في الجزائر  على أن البلاد في حاجة إلى إعادة النظر في أسس العملية السياسية بعد 34 سنة من التعددية الحزبية، بالنظر إلى أن الأطياف السياسية النشطة اليوم أصبحت غير قادرة على مواكبة التغيرات التي حدثت في المجتمع الجزائري، لذلك تعدت نسبة الذين لم يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع أكثر من 13 مليون جزائري، وهو ما يمثل أكثر بقليل من نصف الكتلة الناخبة التي تتعدى 24 مليون ناخب، وذلك على الرغم من ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات إلى 46.1%، بعدما كانت في الانتخابات الرئاسية لسنة 2019 عند 38.9% فقط.

تبون يفوز بولاية ثانية لرئاسة الجزائر.. تحديات داخلية وخارجية في الانتظار - دائرة الشرق

ولتحقيق هذه الإصلاحات السياسية، سيكون على الحكومة الجديدة التي سيعينها تبون بعد أدائه القسم الدستورية هذا الأسبوع، الإسراع في إكمال الورشات التي فتحت في الولاية الرئاسية الأولى، والمتعلقة بقوانين الأحزاب والجمعيات والولاية والبلدية، والعلاقة بين السلطات، إضافة إلى ضرورة القيام بإصلاحات تتعلق بعمل البرلمان والمجالس المحلية المنتخبة ليكون دورها فعالًا أكثر وتعطي للحياة السياسية في البلاد زخمًا، بجعل المعارضة عنصرًا فعالًا ومساهمًا لا مجرد متفرج أو منتقد لا يظهر إلا في المواعيد الانتخابية.

ويقرّ تبون بحد ذاته بأن قانون الأحزاب على سبيل المثال يحتاج إلى مراجعة، فقد قال في لقاء تلفزيوني له في أغسطس/آب 2023 إن قانون الأحزاب السياسية يحتاج إلى تعديل، مؤكدًا: “الأحزاب حرة في تسطير برنامجها السياسي الخاص بها، غير أن القاسم المشترك الذي يجب أن يكون حاضرًا هو الوحدة الوطنية وبيان أول نوفمبر الذي يدعو إلى بناء دولة ديمقراطية اجتماعية”.

وتكمن أهمية الإصلاحات السياسية بالنسبة للرئيس الجزائري، كونها تغلق الجانب الذي تنتقده المعارضة به، وبعض المنظمات غير الحكومية سواء كانت داخلية أم خارجية، التي تطالب بتوسيع مجال التعبير والرأي السياسي، لذلك فإن هذا الملف من المنتظر أن يشكل أحد المحاور الذي سيعمل تبون على معالجتها في ولايته الجديدة، وبالخصوص بعد بدء الحديث عن تقسيم إداري جديد وتنظيم انتخابات برلمانية ومحلية مسبقة.

إنهاء التبعية

يقر الرئيس الجزائري أن “الاستقلال في القرار السياسي لا بد أن يدعم بالاستقلال الاقتصاديللتخلص من التبعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في كل الميادين”، لذلك جعل أساس برنامجه الانتخابي “الجزائر تنتصر” التركيز على هذا الجانب، بتقديم وعود بأن تكون ولايته الرئاسية الجديدة “اقتصادية بامتياز”.

ويعد تبون بأن 2027 ستكون سنة الحصاد الاقتصادي للجزائر، ويتوقع أن يصل خلالها الناتج المحلي للبلاد إلى 400 مليار دولار، باستكمال الإصلاحات الاقتصادية التي نفذها في السنوات الـ5 من ولايته الرئاسية الأولى، وهو ما يجعلها تحتل المرتبة الثانية اقتصاديًا في إفريقيا.

وحل اقتصاد الجزائر في المرتبة الثالثة إفريقيًا هذا العام، حسب التصنيف الذي صدر عن صندوق النقد الدولي في أبريل/نيسان الماضي بعدما وصل الناتج المحلي للبلاد إلى نحو 266.78 مليار دولار، بنسبة نمو تقارب 3.8% في 2024.

ويهدف تبون لاقتصاد يتحرر من الريع النفطي الذي جعل عائدات برميل النفط تشكل أكثر من 90% من عائدات البلاد من العملة الصعبة خلال العقود السابقة، وهي الغاية التي حُققت أولى خطواتها بتمكن البلاد من رفع قيمة الصادرات خارج المحروقات في السنوات الأخيرة لتقارب 6 مليارات دولار في 2023، وفق التقرير المقدم من البنك المركزي الجزائري.

وتركز خطة تبون الاقتصادية على بعث عدة قطاعات إنتاجية كالاستثمار في الثروات المعدنية التي تتوفر في البلاد، حيث أطلقت الجزائر مشروعات للتعدين في الحديد بمنجم غارا جبيلات الذي يتوقع أن يحقق للبلاد عائدات تتعدى 10 مليارات دولار، إضافة إلى مشروعين آخرين يتعلقان بالفوسفات والزنك والرصاص بولايتي تبسة وبجاية شرقي البلاد.

وحققت الجزائر في السنوات الأخيرة فائضًا في إنتاج الحديد حيث أصبحت من المصدرين له بمبلغ قارب مليار دولار من خلال دعم المصانع الحكومية باستثمارات مشتركة مع تركيا وقطر.

وسمح قانون الاستثمار الجديد، بفتح مشروعات في المؤسسات الناشئة والقطاع الصيدلاني والبتروكيمياويات والتوربينات، إضافة إلى تحقيق فائض في مجال الأسمنت الذي جعل الجزائر من المصدرين له إلى عدة دول إفريقية، بعدما كانت إلى سنوات قريبة لا تستطيع تغطية الطلب المحلي عليه.

وترتكز الخطة الاقتصادية لتبون أيضًا على دعم القطاع الفلاحي بتطوير الزراعة وتقليص الاستيراد المتعلق بالمواد الغذائية، حيث تهدف البلاد إلى تحقيق 80% من حاجاتها الغذائية محليًا، وذلك بعدما أصبح قطاع الفلاحة يساهم اليوم بأكثر من 25 مليار دولار في الناتج المحلي للجزائر.

وحسب المتابعين للشأن الاقتصادي في الجزائر، فإن الإمكانات الطبيعية والبشرية التي تتوفر بها تسمح لها بتحقيق الإقلاع الاقتصادي المطلوب والتحرر من التبعية لتقلبات برميل النفط، إلا أن ذلك يبقى مرتبطًا بمدى تجاوب الموظفين الحكوميين – المتهم بعضهم بالبيروقراطية – مع هذه النظرة الاقتصادية الجديدة التي تهدف إدارة تبون إلى تحقيقها، وذلك بتثمين العمل ورفع الإنتاجية والتخلص من أساليب الفساد التي ميزت البلاد في العقود الماضية، وجعلت الكثير من رؤساء حكومات ووزراء ومسؤولين ورجال أعمال يجدون أنفسهم وراء القضبان، وفي أحسن الأحوال الإقالة من مناصبهم.

تحديات خارجية

لا تكمن صعوبة المهمة التي يواجهها الرئيس الجزائري في عهدته الثانية بالملفات الداخلية كالإصلاح السياسي والاقتصادي وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين فقط، إنما أيضًا في جملة القضايا الخارجية التي تحمل رهانات للدبلوماسية الجزائرية، وترتبط بعضها بالأمن القومي للبلاد.

وأصبحت حماية الحدود الجزائرية على طولها الذي يزيد عن 6 آلاف كيلومتر وتأمينها، ملفًا يزداد صعوبة كل عام رغم الإنفاق الدفاعي للحكومة الذي تعدى 22 مليار دولار في 2023، وذلك بالنظر للأزمات الخارجية المحيطة بالبلاد، فعلى الجانب الغربي تظل العلاقات مع المغرب متوترة، والتي تراها الحكومة قد أصبحت لا تتعلق بالجانب السياسي فقط إنما بالجانب الأمني بعد تحالف الرباط مع الكيان الطهيوني ضمن صفقة التطبيع، وتوقيع البلدين اتفاقات عسكرية لا تزال مستمرة في التعزيز حتى في ظل العدوان على غزة، وهو القلق الذي أضيف للمشكل القديم المتعلق بتهريب المخدرات نحو البلاد، الذي ازداد بعد إقرار الحكومة المغربية قانونًا يسمح بزراعة القنب الهندي في البلاد.

وفي الجنوب، تظل الأزمة في مالي تشكل هاجسًا للحكومة الجزائرية وتضطرها لزيادة الإنفاق الدفاعي، وبالخصوص بعد تخلي الحكام العسكريين في بماكو عن العمل باتفاقية الجزائر 2015، وهو ما جعل الاقتتال يتجدد مع الحركات الأزوادية بشمال مالي غير بعيد عن الحدود الجزائرية، وهو تطور يزيد من حالة عدم الاستقرار الأمني بالمنطقة ويساعد في عودة نشاط التنظيمات الإرهابية كداعش والقاعدة، إضافة إلى نزوح اللاجئين وتنشيط عمل تجار البشر بالساحل، ما يدفع السكان للهجرة نحو الجزائر التي أحصت دخول أكثر من 13 ألف مهاجر سري في النصف الأول من العام الحالي فقط، في حين لم يزد عددهم في 2023 على 14 ألف مهاجر.

وإن كان الوضع في النيجر لا يبعث أيضًا على الارتياح مع عدم العودة للنظام الدستوري، إلا أن عودة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها تبعث على نوع من الاطمئنان، وبالخصوص لتنفيذ المشروعات الاقتصادية المشتركة كأنبوب الغاز العابر للصحراء، واستثمارات سوناطراك النفطية في حقل كفرا الحدودي، وغيرها من المشروعات الكبرى كمنطقة التبادل الحر وخط السكك الحديدية والطريق العابر للصحراء.

أما الوضع شرقًا فيظل يشكل هو الآخر اهتمام السلطات الجزائرية بالنظر لاستمرار الأزمة في ليبيا، وهو ما يجعل إدارة الرئيس تبون مطالبة ببذل جهد أكبر في ولايته الثانية لحل هذه الأزمة المرتبطة بأمن البلاد القومي، وذلك باستغلال عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن لإيجاد حل حقيقي للأزمة في جارتها الشرقية.

ورغم أن العلاقات الجزائرية التونسية هي الأحسن لحدود الجزائر، فإن البلاد تظل تراقب ما يحدث من احتجاجات هذه الأيام، خاصة أن الأمر لا يتعلق فقط بالعلاقات التاريخية والمجتمعية التي تجمع البلدين والشعبين، إنما يشمل أيضًا خطط الجزائر الاقتصادية المتعلقة بتصدير الهيدروجين الأخضر نحو أوروبا كإيطاليا وألمانيا، الذي ستكون إحدى محطات مساره تونس.

وفي الحقيقة، تظل الأجندة الخارجية التي تنتظر تبون في ولايته الرئاسية مثقلة، كونها تتعلق بمراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وتعزيز وجود البلاد في المنظمات الدولية كالاتحاد الإفريقي والجامعة العربية بالوقوف ضد عمل بعض الأطراف على تطبيع هاتين المنظمتين مع الاحتلال الصهيوني، وذلك بتعزيز التحالف الذي تقيمه مع جنوب إفريقيا لدعم حركات التحرر وعلى رأسها القضيتين الفلسطينية والصحراوية، وفق تصريحات مسؤولي الدبلوماسية الخارجية.

من المؤكد أن ما أنجزه تبون خلال ولايته الرئاسية الأولى جعله يحظى بثقة من انتخبوه لإكمال البرامج التي وعد بها في ولايته الثانية، التي تحمل عدة تحديات يسعى الرجل الأول في قصر المرادية لكسبها، ليكون بذلك أول رئيس جزائري يغادر منصبه في 2029 والاكتفاء بالعهدتين التي يسمح بهما الدستور، وبإنجازات يذكره بها المواطنون في السنوات القادمة.