لمياء طارق
في قلب القارة الأفريقية، يتسابق كل من الشركات الغربية والصينية للوصول إلى المعادن النادرة، تلك الثروات التي باتت تشكل جوهر التكنولوجيا الحديثة وتحديدًا الطاقة المتجددة. هذه المعادن تشمل المنغانيز، الكوبالت، النيكل، والليثيوم، التي تمثل الركيزة الأساسية لصناعة البطاريات والأجهزة الإلكترونية والطاقة النظيفة.
منطقة مواندا في الغابون، على سبيل المثال، تحتضن ربع الاحتياطيات العالمية المعروفة من المنغانيز، بينما تسهم جنوب أفريقيا بنسبة 37% من الإنتاج العالمي لهذا المعدن الحيوي. وفيما يتعلق بالكوبالت، تهيمن جمهورية الكونغو الديمقراطية على 70% من الإنتاج العالمي، ما يجعلها لاعبًا أساسيًا في هذه الصناعة. لكن رغم هذا التفوق في الإنتاج، إلا أن الصين تسيطر على 50% من عمليات معالجة الكوبالت عالميًا، مما يعزز نفوذها في هذه الصناعة الحيوية.
لا تقتصر المسألة على مجرد استغلال الثروات الطبيعية، بل تمتد إلى تأثيرات جيوسياسية أوسع. تتأثر أفريقيا اليوم بالتوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، من تايوان إلى قضايا التجارة. واشنطن تحذر من “نفوذ خبيث” تمارسه بكين، بينما تؤكد الأخيرة على رغبتها في تعزيز تعاون “رابح للجانبين”، مشددة على أنها لا تسعى إلى حرب باردة جديدة مع الولايات المتحدة.
لكن، هل هذا التنافس المتزايد سيجعل الدول الأفريقية في وضع يمكنها من الاختيار بين هاتين القوتين العظميين؟ يعتقد بعض المحللين أن الدول الأفريقية تفتقر إلى النفوذ الكافي لتحقيق التوازن بين الصين والولايات المتحدة، ما قد يجعلها مضطرة للاختيار بين مصالح القوى الكبرى على حساب مصلحتها الوطنية.
الصين، من جانبها، تواصل تعزيز مشروع “الحزام والطريق”، الذي يشكل أفريقيا أساسًا له. وقبل انعقاد القمة المرتقبة التي تجمع زعماء الصين والدول الأفريقية في بكين، تعهدت بكين بزيادة استثماراتها في القارة، حيث أبرمت الشركات الصينية عقودًا بقيمة إجمالية تزيد عن 700 مليار دولار بين عامي 2013 و2023.
ومن أبرز المشاريع التي تشهد على الحضور الصيني المتزايد في القارة:
- مشروع سكة حديد “ستاندرد غوج” في كينيا: الذي يربط العاصمة نيروبي بمدينة مومباسا الساحلية، والذي تم تمويله بقرض من بنك التصدير والاستيراد الصيني. وقد أسهم هذا المشروع في تقليص مدة الرحلة بشكل كبير، ليصبح أكبر مشروع بنية تحتية في كينيا منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1963.
- قاعدة وميناء في جيبوتي: حيث أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في أفريقيا وساهمت في توسيع الميناء القريب منها. هذا الوجود العسكري الصيني أثار قلقًا من إمكانية التجسس، خصوصًا لقربها من قاعدة أمريكية.
- أطول جسر معلق في أفريقيا: والذي يربط العاصمة مابوتو بضاحيتها كاتيمبي في موزمبيق. تم تمويل المشروع بشكل كبير من قبل المصارف الصينية، ما يعزز النفوذ الاقتصادي الصيني في المنطقة.
- استثمارات ضخمة في قطاع التعدين: الصين استثمرت مليارات الدولارات في مناجم النحاس والكوبالت والليثيوم عبر أفريقيا الجنوبية، مما يؤكد سعيها لتأمين احتياجاتها من هذه المعادن الاستراتيجية.
إن ما يحدث في أفريقيا ليس مجرد تنافس اقتصادي، بل هو انعكاس لصراع جيوسياسي أوسع بين القوى الكبرى. في هذا السياق، تجد الدول الأفريقية نفسها في موقف معقد بين حاجتها إلى الاستثمارات الأجنبية وبين المحافظة على استقلاليتها وسيادتها. ومع استمرار هذا التنافس، يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن أفريقيا من استغلال هذا الوضع لتعزيز مصالحها الوطنية؟ أم أنها ستجد نفسها مجرد ساحة للصراع بين القوى الكبرى؟