حماس سعت منذ عملية 7 أكتوبر وما تلاها من اجتياح إسرائيلي لقطاع غزة إلى توظيف تعاطف الأردنيين مع القضية الفلسطينية لخدمة أجندتها السياسية طويلة الأمد. ولا تزال حماس حتى الآن تحاول جر عمان إلى الصراع عبر حملات تضليل متعددة المحامل.
انتشر الغضب والاستياء من الحرب المتواصلة في غزة في جميع أرجاء العالم العربي والإسلامي، وظلت مساندة القضية الفلسطينية محورًا للحشد والتعبئة على مدى عقود. واستغلت حماس ذلك من خلال الدعم المباشر من قبل النظام الإيراني، للتلاعب بمشاعر الجماهير العربية والإسلامية وتزيف وعيها بتصوير التأييد والتعاطف مع الشعب الفلسطيني على أنه دعم وتأييد لها ولمشروعها السياسي، وسعيها إلى ربط الاثنين بشكل لا ينفصم.
ويرى د.سعود الشرفات، وهو مؤسس ومدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب في تقرير نشره معهد واشنطن أن حماس قد نجحت – حتى الآن – بقطف ثمار هذه السردية المُلتوية. فبجانب دعم حقوق الفلسطينيين، تشير استطلاعات الرأي والأدلة المتناقلة على ارتفاع شعبية الحركة في المنطقة بشكل ملحوظ في الوقت الحالي. وفي الوقت نفسه، هناك نقص ملحوظ في التعبير العلني عن الرفض لمواجهة رواية الحركة.
وفي الأردن تحديدًا، تسعى حماس بنشاط لاستغلال الحرب بشكل أكبر لكسب المزيد من الدعم – وقد أبرزت التصريحات الاستفزازية لعضو المكتب السياسي لحماس موسى أبومرزوق مدى الشعور بالراحة الذي تشعر به الحركة، حيث أدعى في مقابلة مع قناة العالم الإيرانية في 29 أبريل 2024، أن “الأردن سيكون الوجهة المقبلة لقيادات الحركة في حال غادرت قطر. والأردن شعب مضياف وكريم ومؤيد للمقاومة الفلسطينية. ولنا علاقة جيدة مع النظام الأردني. مضيفاً؛ على الأردن ومصر قطع العلاقات مع إسرائيل وطرد السفير. مواقف بهذه الحجم ستوقف العملية في رفح”.
وجزء كبير من حركة الشارع الأردني هي عاطفية، وتعبير إنساني عفوي عن حالة الغضب الشعبي على ممارسات إسرائيل ضد المدنيين في غزة والضفة الغربية التي تحمل الكثير من المعاني والذكريات للأردنيين خاصة لدى كبار السن من العسكريين الذين يتذكرون كيف كانت الضفة الغربية جزءا من “المملكة الأردنية الهاشمية ” قبل أن تحتلها إسرائيل من الأردن في حرب 1967. إضافة إلى أن الدولة تساهلت عن قصد مع مظاهر الاحتجاج الشعبية وتشجيعها في بداية الحرب لاحتواء الغضب الجماهيري خاصة في أوساط الأردنيين من أصول فلسطينية، والحيلولة دون انفجار الأوضاع الداخلية واستخدامها من قبل النظام الإيراني والميليشيات التابعة له على الحدود مع سوريا والعراق .
ومن جانبه، أدان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عمليات قتل وخطف المدنيين الأبرياء والنساء والأطفال التي حدثت في السابع من أكتوبر، وفي حديثه إلى جانب الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض في 12 فبراير 2024، أكد أن “جميع الهجمات ضد المدنيين الأبرياء والنساء والأطفال، بما في ذلك تلك التي وقعت في 7 أكتوبر، لا يمكن أن يقبلها أي مسلم… يجب علينا التأكد من أن فظائع الأشهر الماضية منذ 7 أكتوبر لن تتكرر أبدا، ولن يقبلها أي إنسان”.
وتجنب العاهل الأٍردني استخدام المصطلح المعياري للإرهاب لأنه يعرف كم هو مصطلح خلافي ومراوغ؛ لكن حديث الملك كان من المفروض أن يشكل دعامة إنسانية وأخلاقية لكافة الأردنيين والعرب والمسلمين في الجرأة لرفض ممارسات حماس باعتبارها غير مقبولة دينياً ما يبني ضرورة أخلاقية لرفض التطرف الديني أو القومي والإرهاب من كلا الجانبين العربي والإسرائيلي.
ومع ذلك، هناك صمت مطبق بخصوص نقد حماس وأيديولوجيتها المتطرفة وما قامت به وعن دورها السلبي في إطالة معاناة المدنيين هذه الحرب، ومما زاد الأمر سوءًا هو أن الأصوات الناقدة – على ندرتها – توصم بالخيانة ويجري إقصاؤها.
وفي الوقت نفسه، تقوم الصفحات المؤيدة لحماس على وسائل التواصل الاجتماعي مثل صفحة “طوفان الأردن لنصرة غزة” على قناة تلغرام، و”التجمع الشبابي الأردني لدعم المقاومة” بالترويج والدعوة إلى تصعيد الاحتجاجات والمطالب المتطرفة في الشوارع بذريعة أن الدولة تفشل في دعم الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية.
وليست الفصائل الإسلامية وحدها هي التي تحاول تقويض الأمن، فهناك أيضا بعض بقايا الأحزاب القومية واليسارية، وبعض الشخصيات السياسية، وعدد من المتقاعدين العسكريين؛ وكلهم معارضون في الأساس للنظام الأردني وبنيته الملكية، هم الذين يروجون ويدعون حالياً لتصعيد حالة الاحتجاج.
ويثير غياب التحدي الشعبي لروايات حماس القلق بشكل خاص، حيث يمكن أن تؤدي هذه الروايات إلى تسهيل التجنيد والضغط الشعبي على الأردن لإضعاف ترتيباته الأمنية، حيث تهدف تلك الجهود التي تركت دون معالجة، إلى الضغط على الحكومة لاتخاذ مواقف أكثر تطرفاً تجاه إسرائيل – مثل إلغاء معاهدة السلام أو المطالبة بتفكيك القواعد الأميركية في الأردن، حيث أتت بعد الشعور بالتمكين نتيجة طرد السفير الإسرائيلي من عمان وتعليق مشروع الماء مقابل الطاقة بين الأردن وإسرائيل.
ورغم كل المعيقات والمشاكل السياسية والأمنية لتي سببتها حماس وسلوك جماعة الإخوان السلبي والخبيث تجاه النظام والدولة في الأردن خلال الشهور الماضية، يبقى الأردن ملتزما بإدارة العلاقات مع الولايات المتحدة ، وباتفاقية السلام مع إسرائيل والمحافظة عليها.
ولم تنقطع خطوط الاتصالات الاستخبارية والتنسيق الأمني بين البلدين رغم حالة العداء الظاهر بين حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والأردن. وتسعى طهران ووكلائها المختلفين في المنطقة لجعل الأردن ساحة من ساحة الحرب بالوكالة ضمن إستراتيجية النظام الإيراني المعروفة بتعدد الساحات، التي تهدف إلى إبعاد الخطر عن حدود إيران والتي يديرها الحرس الثوري من العراق وسوريا ولبنان واليمن ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.
ومع ذلك، تُعد المواقف العامة تجاه حماس قضية تتعلق بالأمن القومي، حيث تبرز الحاجة إلى النقد والمراجعة المستمرة لموقف الأردن من الحركة. ومن ثم، ينبغي التصدي بشكل علني أكثر للسلوك الضار لأولئك الذين يروجون للحركة كأداة سياسية مثل الإسلاميين الذين استغلوا المزاج الشعبي والزخم المؤيد للمقاومة الإسلامية للفوز بـ31 مقعدًا من أصل 138، أي بنسبة 22.4 في المئة من مقاعد البرلمان.
وعلاوة على ذلك، يجب على الأردنيين أن يقارنوا بين غياب النقاش الداخلي وبين التنوع الواسع في الآراء التي يعبّر عنها اليهود والإسرائيليون داخل إسرائيل وخارجها من مفكرين وكتاب ورجال دين إلى سياسيين وعسكريين إلى الأكاديميين إلى رجل الشارع العادي ممن رفعوا ويرفعون الصوت عاليا في الدعوة إلى السلام العادل مع الفلسطينيين ونقد أهوال ورعب الحرب في غزة.
وفي إسرائيل، يمتلك الناخبون القدرة على إقصاء وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش والعناصر اليمينية المتطرفة الأخرى من السلطة من خلال الانتخابات، وهذه حالة معروفة في طبيعة النظام السياسي الإسرائيلي فالحكومات تأتي وتذهب من خلال صناديق الاقتراع. لكن السؤال الأهم هو كيف سيتخلص العالم العربي والشعب الفلسطيني من حركة حماس؟. ومع ذلك، مازالت الدولة الأردنية تمتلك القوة والإرادة والخبرة الكافية للتعامل معها ولجمها إذا تجرأت على كسر الخطوط الحمراء وخرق القانون بمحاولة إشاعة الفوضى في البلاد.