إن التوسعات العسكرية المستمرة لـ”هيئة تحرير الشام”، المدعومة من جماعة الإخوان المسلمين، لا يمكن فصلها عن توازنات المنطقة المتغيرة. فقد باتت سوريا الآن تشبه ليبيا، حيث يجتمع على أرضها ميليشيات متناحرة تواجه جيشًا وطنيًا، بينما تواجه كل منهما تحديات التطرف. منذ سيطرة “هيئة تحرير الشام” على دمشق، كانت المنطقة تحت وطأة الصراعات الكبيرة والتوترات المستمرة، مما جعل من الصعب تحديد مستقبلها.
في ضوء التحولات السريعة والمواقف الدولية المتغيرة، يتساءل الكثيرون في واشنطن والعواصم العالمية: إلى أين يتجه هذا الصراع؟ هل ستستمر “هيئة تحرير الشام” في تقدمها جنوباً وشرقاً، أم أن هناك ستاتيكو جديد سيطرأ؟ تعتبر هذه الأسئلة حاسمة لأنها تؤثر على مصير سوريا ومستقبلها في المنطقة.
في المستقبل القريب، يتطلب الوضع العسكري الميداني والسياسي في سوريا إعادة تقييم شاملة، خاصة بعد عقد من الصراع المستمر. عمليات “تحرير الشام” تطرح تحديات جديدة للمنطقة، حيث يتعين على القوى الأخرى مواجهتها إما بالمهادنة أو بالتصدي لها. ما يثير قلق المجتمع الدولي هو إمكانية تحول سوريا إلى ليبيا جديدة، حيث تجمع ميليشيات طرابلس ويمسك جيش وطني بالأرض ضد التكفيريين.
الحدود التي تفصل بين الميليشيات المتطرفة والقوات الإسرائيلية أصبحت نقطة محورية في المعادلة، حيث تتقدم “هيئة تحرير الشام” جنوباً نحو الحدود اللبنانية – السورية، وتتطلع للوصول إلى المناطق التي عرفت بمعارضتها لنظام الأسد. هنا، ينبغي على القوى الدولية تحديد حدود جديدة، تشمل المناطق التي تحت السيطرة الكردية والسنية، والتي ستصبح نقاط الفصل الرئيسية بين الأطراف المتصارعة.
من الجانب الآخر، نجد الوضع في الوسط السوري وتحديداً تدمر، التي تعتبر نقطة فاصلة بين شرق سوريا وغربها. السيطرة على تدمر ستكون مفتاحاً لتحديد مستقبل السيطرة على المناطق الصحراوية، بما في ذلك التمدد الإيراني والأميركي. إن الممرات المفتوحة في البوكمال والحدود السورية – العراقية ستكون عناصر حاسمة في السياسة الأميركية المتعلقة بسوريا، وبالتالي في مستقبل الصراع العسكري.
الحدود الأردنية – السورية تبقى مفتاح التوازن الجديد في المنطقة، حيث سيكون لها تأثير كبير على سبل السيطرة على تدمر والشمال السوري. المنطقة الوسطى التي تشمل الجولان السوري ستظل تحت مراقبة إسرائيل، حيث ستبقى نقطة الصراع بين القوى المتطرفة والقوات الإسرائيلية المدعومة أميركياً.
لا يمكن تجاهل الدور الروسي في هذه المعادلة، حيث انسحبت القوات الروسية إلى الشمال الغربي، واتخذت من الساحل قاعدة لها تحت اتفاق مع تركيا. مع ذلك، فإن خطوط المواجهة بين حلفاء إسرائيل والعرب والأكراد ستكون على طول الحدود الأردنية – السورية والعراقية – السورية وربما حتى الإسرائيلية – السورية، مهمتها الأساسية هو وضع حد لتقدم المتطرفين.
في النهاية، يبقى مستقبل سوريا معلقاً بالتوازنات الجديدة في المنطقة، ومن غير المستبعد أن نرى تغييرات كبيرة في الأسبوع المقبل. ينبغي على المجتمع الدولي العمل على ضمان عدم تحول سوريا إلى دولة شبيهة بليبيا، وأن يتمكن من وضع خطوط واضحة لتفادي الفوضى المستمرة.