أشعل رد حزب الله المرتقب على اغتيال رئيس أركانه، الحاج فؤاد شكر “محسن”، الشهر الماضي عاصفة من الآراء. تباينت وجهات النظر بين من اعتبره ردًا سطحيًا شكليًا، ومن رأى فيه ردًا استراتيجيًا. هناك من يعتقد أن إسرائيل أحبطت العملية قبل بدئها، بينما يرى آخرون أن العملية تمت كما أرادها الحزب. كما انقسمت الآراء حول ما إذا كانت العملية تدعم غزة أم تضرها، وما إذا كانت تفتح الباب لحرب إقليمية أم تؤكد ضبط الجبهة الشمالية.
في صباح يوم الأحد، الموافق ذكرى أربعين الإمام الحسين، التي تحمل رمزية خاصة للطائفة الشيعية وحزب الله، أطلق الحزب، حسب روايته، 340 صاروخ كاتيوشا للتمويه وتعطيل القبة الحديدية، لتليها هجمات بطائرات مسيرة استهدفت قاعدة “غليلوت” للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. تحتوي هذه القاعدة على الوحدة 8200، وهي وحدة الاستخبارات المسؤولة عن التجسس الإلكتروني وقيادة الحرب الإلكترونية في الجيش الإسرائيلي. تبعد هذه القاعدة عن تل أبيب كيلومترًا ونصف وعن لبنان 110 كيلومترات. كما استهدفت الهجمات عددًا من المواقع العسكرية والثكنات في الجليل والجولان.
أكد حزب الله أن العملية أصابت أهدافها، إلا أن إسرائيل تتكتم على التفاصيل. من الجدير بالذكر أن العملية سبقها غارات متتالية على لبنان اعتبرتها إسرائيل استباقية، مدعية أنها ضربت منصات الصواريخ التي كانت محضرة للعملية، وهو ما نفاه الحزب تمامًا، مؤكدًا أن العملية تمت كما خُطط لها.
ماذا أراد حزب الله من العملية وهل حقق أهدافه؟
تزعُّم حزب الله لجبهة الإسناد فرض عليه الاستمرار في تصعيد وتيرة عملياته، وهو ما يكلفه خسائر يومية واستنزافًا، ولكنه يعزز مكانته كقوة مقاومة ويزيد من قيمته عالميًا. في ظل الوضع الحالي، كان رد الحزب على اغتيال شكر أمرًا لا مفر منه، واختار تنفيذ عملية ذات رمزية وأهمية عسكرية، دون الانجرار إلى حرب واسعة. على الرغم من صعوبة توجيه ضربة لإسرائيل أثناء استنفارها منذ 7 أكتوبر، وخاصة بعد اغتيال شكر وهنية، ورغم علم إسرائيل بتوقيت العملية واستهدافها بعشرات الغارات المكثفة، نجح الحزب في تنفيذ العملية بشكل مركب . استهدفت العملية “ضاحية تل أبيب” ردًا على ضاحية بيروت، ومركزًا ذا أهمية أمنية وعسكرية كبيرة مرتبطًا باغتيال شكر، دون المساس بالبنية التحتية أو المدنيين. بذلك، حقق الحزب هدفه دون أن يُردَع أو يتعرض لخسائر عسكرية كبيرة، وأبقى سلاحه الاستراتيجي – الصواريخ الباليستية – خارج المعادلة حتى الآن.
تُظهر العملية أيضًا عدم قدرة إسرائيل على تحديد أماكن إطلاق الصواريخ، على الرغم من تفوقها العسكري والاستخباراتي واستنفارها. ومع ذلك، يبقى تأثير العملية أقل مما يُأمل منه من قبل الحلفاء أو المطلوب من غزة، بسبب تفوق إسرائيل العسكري والأمني، استنفارها، تكتمها الشديد على الخسائر، عدم قدرة حزب الله على رصد نتائج العمليات، خوف الحزب من توسع الحرب وعدم قدرته على تصوير تفاصيل العمليات.
هل تفيد العملية غزة؟
بشكل عام، أي تحرك ضد إسرائيل يُعتبر مفيدًا لغزة. حزب الله تعمّد الرد في وقت تعثُّر المفاوضات لتأكيد ارتباط الجبهة بغزة، ويؤكد استمراره في الجبهة حتى إيقاف الحرب في غزة. ومع ذلك، كانت غزة تأمل في “فتح باب خيبر” على إسرائيل، وهو ما لم يحدث ولن يحدث في المستقبل القريب، بناءً على مراقبة تحركات محور المقاومة وأهدافه.
رد حزب الله ورد إسرائيل عليه، بالإضافة إلى التصريحات المصاحبة، تؤكد عدم رغبة الطرفين في توسيع الحرب، مما يتيح لإسرائيل التركيز شبه الكامل على غزة بعد أن تأكدت أن رفع مستوى الضربات ضد حزب الله لا يؤدي إلى حرب شمالية. بذلك، يمكن القول إن العملية تعزز قوة حزب الله وقدراته وقيمته، لكنها تضع المزيد من الضغط على غزة دون تحقيق تغييرات استراتيجية مؤثرة على إسرائيل.
مع مرور الوقت، تم فهم نسق العمليات وتثبيتها، مما جعل الجبهة اللبنانية جبهة مستقلة بذاتها ولها حساباتها الخاصة. حسابات إسرائيل تجاه لبنان وحزب الله باتت مرتبطة بصراعهما المباشر، والذي يتأرجح بين استمرار الاستنزاف المتبادل لفترة طويلة وبين احتمال توجيه إسرائيل ضربة أكبر لحزب الله أو إيران. إذا نظرنا إلى معركة حزب الله وإسرائيل بمعزل عن غزة، نجد أن حزب الله اليوم يستنزف إسرائيل، يعطل شمالها بالكامل، يمنعها من ردعه، ويرفع مستوى عملياته بشكل مستمر على الرغم من غياب رأسه العسكري وعدم استخدامها لكل أسلحته.
لكن دعم غزة اليوم يتطلب مستوى مختلفًا من التضحية والمخاطرة، وهو ما ليس حزب الله مستعداً له في الوقت الراهن.
بالمحصلة، لا يمكن إنكار انغماس حزب الله في حرب غزة وأهمية العملية التي قام بها، ولكن في الوقت نفسه وصلت الأمور في غزة إلى مستوى يتطلب دعمًا أكبر ومخاطرة أعلى، وهو ما لا يبدو أن حزب الله مستعداً للقيام به في الوقت الحالي
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.