عكست تصريحات المستشارة السياسية لرئاسة الجمهورية السورية بثينة شعبان حالة من الغضب ونفاد الصبر تجاه السلوك التركي في ما يتعلق بملف المصالحة، الذي اتسم حتى الآن بعدم الجدية على خلاف الصورة التي تحاول أنقرة تسويقها إعلاميا.
ربطت بثينة شعبان المستشارة السياسية للرئيس السوري بشار الأسد، التفاوض مع تركيا، بإقرارها مبدأ الانسحاب من الأراضي السورية، متهمة أنقرة بالتضليل عند الحديث عن المصالحة.
وجاءت تصريحات شعبان في محاضرة تحت عنوان “أين تتجه منطقتنا والعالم؟ ولماذا؟”، ألقتها بدعوة من الأكاديمية السياسية في وزارة الخارجية العمانية، حيث تقوم المسؤولة السورية منذ أيام بزيارة رسمية إلى مسقط، التقت خلالها بكبار المسؤولين في سلطنة عمان.
وعكست تصريحات مستشارة الأسد نفاد صبر دمشق تجاه أنقرة التي تروج لخلاف ما تبطن، بشأن المصالحة.
واعتبرت شعبان أن الأتراك استخدموا مسألة التقارب مع سوريا إعلاميا لمصلحتهم، وأن الجميع يسأل لماذا لا تتجاوب سوريا مع المطالب التركية؟ مضيفة “تركيا اليوم تحتل أجزاء من أرضنا وهو جزء عزيز وغال وغني من الشمال الغربي السوري، وهم يقومون بعملية تتريك خطيرة ولئيمة“.
وتابعت المسؤولة السورية “عندما أصدر أردوغان (الرئيس التركي) تصريحات تحدّث فيها عن رغبته بالتقارب مع سوريا قبيل الانتخابات الرئاسية التركية كانت لأهداف انتخابية، لكن لا يوجد أي شيء يريدون تقديمه، هم يريدون أن يحافظوا على ما يقومون به على الأرض وأن يحتلوا أرضنا ويعيثوا فيها فسادا وأن يضربوا الأكراد وأن نكون نحن معهم أصدقاء، وهذا لا يستقيم“.
وأضافت “سوريا قالت على لسان الرئيس بشار الأسد: إن على الجانب التركي أن يقر بمبدأ الانسحاب، ولم نقل إن عليهم الانسحاب فورا، وعندما لا يريدون الإقرار بمبدأ الانسحاب فإننا لن نجلس على الطاولة، وهذا حقنا وما يجري طرحه من قبل الأتراك في الإعلام هو تضليل إعلامي يستخدمه أردوغان لكي يحقق مكاسب داخلية أو مكاسب في المنطقة أو مكاسب مع الناتو“.
وحملت تصريحات شعبان الكثير من الغضب تجاه السلوك التركي، ويرى متابعون أن الأمر مفهوم حيث إن أنقرة تريد مصالحة شكلية، لا تعالج جوهر الخلافات مع سوريا وفي مقدمتها الوجود التركي على أراضيها.
ويقول المتابعون إن تركيا تعمد منذ سنوات إلى تتريك شمال غرب سوريا، لضمان حاضنة شعبية تدين لها بالولاء على حدودها، وهي اليوم تكثف من تحركاتها لإعادة الآلاف من السوريين على أراضيها إلى المنطقة.
ويلفت المتابعون إلى أن تركيا تريد ضرب عصفورين بحجر واحد فهي تريد التخلص من عبء النازحين على أراضيها، وأيضا ضمان حاضنة شعبية لها في شمال غرب سوريا.
ووفق المتابعين، فإن تركيا تريد أيضا التحرك بكل أريحية في قصف الأكراد في شمال شرق البلاد، وفي مقابل ذلك ترغب في مصالحة شكلية مع دمشق، وهذا أمر مرفوض كليا من قبل الحكومة السورية.
وقال هادي البحرة رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، الخميس، إن دعوات الرئيس التركي لإجراء محادثات مع نظيره السوري بعيدة المنال، لكن الهدف منها نقل رسالة مصالحة في منطقة يتزايد تشتت الانتباه فيها بسبب الحرب.
وجاءت تصريحات شعبان في أعقاب دعوات جديدة أطلقها الرئيس التركي في الحادي والعشرين من سبتمبر الجاري، لدمشق من أجل تطبيع العلاقات، قائلا إنه “ينتظر الرد من الجانب الآخر”، من دون أن يبدي أي موقف حيال المطالب السورية.
وقال أردوغان “نحن مستعدون للتطبيع، باعتبارنا دولتين ذواتي سكان مسلمين، نريد أن نحقق هذه الوحدة والتضامن في أقرب وقت ممكن“، معربا عن أمله في أن يبدأ عهد جديد في العلاقات بين سوريا وتركيا.
وأضاف الرئيس التركي أن الاتصالات مع دمشق مستمرة منذ فترة، وخاصة في الوقت الذي تزايدت به التوترات في المنطقة، مشيرا إلى أن الحوار مع الدول الأخرى أصبح أكثر أهمية.
وفي التاسع عشر من سبتمبر الحالي، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إن بعض المناطق التي تعاني من مشكلات في سوريا تحتاج إلى إدارة قبل تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا.
وتساءل الوزير التركي “لماذا يوجد الملايين من اللاجئين السوريين في الخارج؟ إن الحكومة التي لديها مشكلات مع شعبها ومع المعارضة أنتجت الملايين من اللاجئين، وجاء إلى تركيا أكثر من ثلاثة ملايين، ويعيش خمسة ملايين في مناطق تنشط فيها تركيا وأصدقاء تركيا في سوريا”.
وبرر فيدان بقاء القوات التركية في شمال غربي سوريا بوجود خمسة ملايين شخص في المنطقة، قائلا “لو عاد النظام السوري إلى الشمال السوري لجاء خمسة ملايين شخص إضافي إلى تركيا”.
ولا تخلو تصريحات المسؤولين الأتراك على مدى الأشهر الماضية من مناورات، فهم تارة يلمحون إلى أنهم منفتحون على التوصل إلى توافقات، ومن جهة ثانية يتجنبون تقديم أي تعهدات للطرف السوري.
وفي ضوء ذلك من غير الوارد رؤية اختراق قريب في ملف المصالحة بين تركيا وسوريا. وكان الرئيس السوري صرح في يوليو الماضي أمام نواب مجلس الشعب بأنه “إذا كان اللقاء (مع أردوغان) أو العناق أو العتاب أو تبويس (تقبيل) اللحى يحقق مصلحة البلد سأقوم به. المشكلة تكمن في مضمون اللقاء. لم نسمع ما هو
الهدف من اللقاء؟ طرح المشكلة؟ تحسين العلاقات؟”.
أنقرة تريد مصالحة شكلية، لا تعالج جوهر الخلافات مع دمشق وفي مقدمتها الوجود التركي في شمال غرب سوريا
وقال الرئيس السوري “نحن إيجابيون تجاه أي مبادرة، لكن هذا لا يعني أن نذهب من دون قواعد. اللقاء وسيلة ونحن بحاجة إلى قواعد ومرجعيات عمل. هناك لقاء يترتب مع المستوى الأمني من بعض الوسطاء وكنا إيجابيين”.
وتساءل “ما هي مرجعية اللقاء؟ هل إنهاء أسباب المشكلة التي تتمثل بدعم الإرهاب والانسحاب من سوريا؟ هذا جوهر المشكلة. إذا لم يناقش اللقاء هذا الجوهر فماذا يعني لقاء؟ لسنا ضد أي لقاء والمهم أن نصل إلى نتائج إيجابية تحقق مصلحة سوريا وتركيا بنفس الوقت”.
وتقود روسيا منذ فترة جهود المصالحة بين تركيا وسوريا، وسبق وأن تحدث وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن أن أنقرة منفتحة على مناقشة الانسحاب التركي لكن لم يتم الاتفاق على معايير محددة حتى الآن.
وكشف لافروف في الحادي والثلاثين من أغسطس الماضي عن التحضير لاجتماع جديد بين الطرفين، مؤكدا أنه سيعقد في وقت قريب جدا.