د. صقر قريش الهلول
بالأمس القريب أنعم علي الله ان متع ناظري بمشاهدة تلاطم الامواج على الشواطىء الشرقية للمحيط الهادىء، عجيبة هاته التسمية، اذ انها على نقيض ما عاينته من زمجرة المحيط مدا و جزرا، ربما غلبت على التسمية عادة العرب في التطير اذ يسمون الملدوغ سليما و الاعمى بصيرا الخ… كان الوقت عصرا أصيلا (الزمان ما بين العصر و المغرب) تطل فيه الشمس كالعذراء في خدرها، فها هي الغيوم تسترها تارة و تفضحها تارة اخرى، و هذه هي عادة السماء هنا في هذا الجزء من الشمال الأمريكي المحاصر بسلسة جبال north cascades التي تشكل مصدا للتيارات الهوائية فتحبس الغيوم في سجن ابدّي فوق مدينة سياتل التي اضحت اسيرة لأجواء غائمة على الدوام بتقدير الخالق مبدع الكون. و كان من جميل الأقدار ان سمحت السماء في ذلك اليوم بان تطل علينا الشمس في حلتها و تراءى لي ان الشمس آلفت الغيوم طبعا في رميها للمطر فاخذت هي ترمي بدورها الامواج بأشعتها التي انعكست من على سطح الموج و تكسرت كاسهم سقطت على زرد، و لعمري في تيك اللحظة كأن بنفسي ترحل إلى ضفاف الوادي الكبير في إشبيلية و اشاهد المعتمد بن عباد و هو يناظر جليسه الشاعر بن عمار فيقول: صنع الريح من ماء الزرد فتكمل الرميكية البيت قائلة: اي درع لقتال لو جمد … و كما أقلّتني الأمواج إلى الهناك عادت بي إلى الهنا و ارقبها تروح و تغدو تصعد و تهبط و يقلبها الكون كصفحات في سجِلٍّ تروى فيه الكثير من الحكايات، منها الأسطوري و منها الحقيقي، حكايات من أسفار المهاجرين و ممن مخروا عباب البحر ليستأنسوا نارا هربا من الفرعون هناك… وسط هذا الترامي لصفحات الزمان تلفحني رائحة المحيط، رائحة منعشة، خليط من روائح الأصداف و الأخشاب التي ابتلعها الماء و ارتجعها عند مده، تستوقفني لوهلة و اسال نفسي، اين شممت هذه الرائحة من قبل، نعم، هذه رائحة البحر الأبيض المتوسط على شواطىء المغرب الشمالية في فصل الشتاء، أمواجه عظيمة و هي كاختها على شواطىء المحيط الهادىء تحمل في غدوها و رواحها الكثير من الروايات، قصص من عبروا البحر حارقين ( مصطلح يطلقه اهل ألمغرب عمن يهاجر هجرة غير شرعية إلى أوروبا) إلى الضفة الأخرى بحثا عن لقمة العيش، منهم من أضحت بطون الأسماك مثواه الأخير و منهم من بلغ الضفة الأخرى و ما زال يبحث عن هوية و منهم من نجى و ان كان على قدر يا موسى. وسط هذا الترامي بين صفحات المكان و الزمان، شأني كغيري من بني قومي في سماعهم لولوج المئات من ابناء شرق الأردن الولايات المتحدة كمهاجرين غير شرعيين، اتساءل هل سنطلق على هذا الجيل الجديد “الحراقين” هل يا ترى تولد ثقافة جديدة يصنعها المهاجرون الغير شرعيين، هل يولد معهم فرق غنائية مثل جيل جيلالة و ناس الغيوان في الأردن (فرق كتبت و غنت كل ما يلمس الم الشارع المغربي؟) هل ستستبدل أغاني “حنا جلايبك عند المبيع” ب “فبلادي عايش في غمامة؟” ربما يتطير الشارع بهذا النبأ و لكني مستبشر، فولادة هذا النشأ من الحراقين ربما يغير الواقع الفكري و الثقافي في الشارع الأردني، نعم سنجهز أنفسنا لسماع اخبار عن قوافل الموت و مستقر اخير في بطون الأسماك و لكن قد نسمع في يوم ما عن ولادة مالك بن نبي اردني و شبيهة لنجاة فالو و مزيان بنحمو و امين معلوف ….