بقيت الساحة اللبنانية تحت وطأة الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية التي استهدفت القائد العسكري الكبير في «حزب الله» هيثم الطبطبائي (أبو علي) و4 من رفاقه، وقد شكّلت هذه الغارة نذيراً على نية تل أبيب توسيع ضرباتها العسكرية وتكثيف غاراتها متجاوزة كل الاعتبارات من دون أن ترتدع أو تلتزم بأي اتفاقات على عتبة يومين من مرور عام على توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
وإذا كانت إسرائيل أبلغت لجنة «الميكانيزم» بأن عملية الاغتيال لن تشكل تصعيدًا إلا إذا ردّ عليها «حزب الله»، فإن السؤال المطروح هو هل سيرد «الحزب» على هذا الاغتيال بعدما أكد أمينه العام في آخر اطلالة بأن «كل شيء له حد» أم سيمتنع عن الرد لعدم إعطاء إسرائيل الذريعة لشن ضربات أقسى غير متناسبة مع رده؟
وفي هذا الإطار، نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مصدر مقرب من «حزب الله»، «أن داخل «حزب الله» رأيين حالياً، بين من يفضل الرد على اغتيال أبو علي الطبطبائي ومن يريد الامتناع عنه، إلا أن قيادة الحزب تميل الى اعتماد أقصى أشكال الدبلوماسية في المرحلة الراهنة»، وهو ما عكسه بيان النعي الذي أصدره الحزب الأحد والذي لم يلمّح لا من قريب ولا من بعيد إلى أي رد فعل محتمل. وحسب محللين عسكريين، فإن «حزب الله» يدرك أن المسألة معقدة، فعدم الرد على هذا الاستهداف سيضعه في حال إحراج أمام بيئته خصوصاً بعد خطاب الشيخ نعيم، وفي حال الرد سيوفّر الذريعة لإسرائيل لشن حرب هوجاء.
دعموش: خطأ كبير
وخلال مراسم تشييع الشهداء الخمسة في الضاحية الجنوبية، توجّه رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» الشيخ علي دعموش إلى العدو الإسرائيلي بالقول «الإسرائيليون قلقون من رد «حزب الله» المحتمل على اغتيال أبو علي الطبطبائي وعلى الصهاينة أن يبقوا قلقين لأنهم ارتكبوا خطأً كبيرًا»، معاهدًا الشهداء «باستكمال الطريق الدي بدأوه والبقاء في الميدان». ورأى «أن كل التنازلات التي قدمتها الحكومة إلى الآن لم تثمر ولم تؤد إلى أي نتيجة ولسنا معنيين بأي طروحات طالما أن العدو لا يلتزم باتفاق وقف إطلاق النار ويستبيح كل لبنان».
وأضاف دعموش «إن الشهيد أبو علي كان قائدًا شجاعًا عاشقًا للجهاد والمقاومة، تنقّل من ميدان إلى آخر، ولم يغادر ساحات القتال منذ أكثر من 35 عامًا»، مشيرًا إلى أنه «أدار العديد من المحاور القتالية في مواجهة الاحتلال، وكان من صنّاع التحرير عام 2000، ومن أبطال عملية الغجر عام 2006، ومن صُنّاع الانتصار الإلهي في تموز/يوليو 2006. وكان يتواجد في أي مكان يُطلب منه أن يكون فيه، لأنه نذر حياته للمقاومة. كان يقتحم الموت بالموت، ولم يتعب يومًا من حمل السلاح في مواجهة العدوان، وكان من أبرز القادة الجهاديين الذين أداروا معركة أولي البأس بكل شجاعة واقتدار»، معتبراً «أن العدو الإسرائيلي اغتال أبو علي لينال من عزيمة المقاومة وإرادتها، لكن هذا الهدف لن يتحقق»، موضحًا «أن المقاومة جماعة تنتمي إلى عقيدة إيمانية وهوية وطنية وتاريخ عريق في النضال، ولن تتراجع أمام التضحيات». وأضاف «أن الشهيد الطبطبائي لطالما تحسّر شوقًا للحاق بالشهداء الذين سبقوه، وأن دماءه ودماء رفاقه ستزيد المقاومة صلابة وثباتًا في مواجهة العدوان، واستشهاد القائد أبو علي لن يعيد المقاومة إلى الوراء أو يثنيها عن استكمال ما بدأه الشهيد القائد ولن يدفعنا للاستسلام أبدًا، بل إن دم الشهداء سيزيدنا عزمًا وإرادة وتمسكًا بصوابية القرار لأننا من أتباع الإمام الحسين». وختم أنه «من واجب الدولة حماية مواطنيها وسيادتها، وعلى الحكومة وضع خطط لذلك ورفض الإملاءات والضغوط الخارجية».
الخطيب: العدوان رسالة
ووجّه نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب خالص التعازي والتبريك بـ«ارتقاء القائد الجهادي الكبير في المقاومة الإسلامية الشهيد هيثم علي الطبطبائي ورفاقه الأربعة»، وقال: «إن العدوان الإسرائيلي الغادر على الضاحية الجنوبية يترجم بصورة لا يرقى إليها الشك، طبيعة العدو الإسرائيلي وأهدافه السياسية والعسكرية في لبنان والمنطقة، الأمر الذي لم تعد تنفع معه الجهود التقليدية التي تمارسها الدولة اللبنانية، ما يستدعي توحيد الجهود في كل المجالات للقيام بتحرك سياسي ودبلوماسي وعسكري وأمني للجم هذا العدوان المتواصل على لبنان وشعبه».
وأضاف: «لقد أتى هذا العدوان غداة المبادرة التي أطلقها رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزف عون من الجنوب لمناسبة ذكرى الاستقلال، ليشكل رسالة واضحة للبنانيين جميعاً، ومؤكداً مستوى التعاطي الصهيوني وداعميه مع الدولة اللبنانية، ويضع اللبنانيين أمام صورة تخلي المجتمع الدولي عن لبنان على الرغم من الادعاءات الكاذبة بالحرص على أمن لبنان واستقراره».
وختم: «إن الإدانات والاستنكارات لم تعد تجدي، ما يتطلب من السلطة اللبنانية والمقاومة إجراء مراجعة شاملة للواقع الراهن ورسم سياسة مستقبلية جديدة لمواجهة العدوان، بعدما أخفقت الجهود والإستراتيجيات السابقة في وضع حد للصلف الإسرائيلي.
كما يتطلب من اللبنانيين مغادرة حالة الانقسام السياسي وتوحيد الجهود في هذه المواجهة، لأن المستهدف من العدوان هو لبنان بأرضه وشعبه وكيانه الذي بات في دائرة الخطر الشديد».
زامير: جاهزية عملياتية
أعلن الجيش الإسرائيلي أن رئيس الأركان إيال زامير تفقد صباح أمس منطقة الفرقة 210 خلال تمرين مفاجئ في المنطقة للتعامل مع حادث طارئ ومفاجئ. وتابع البيان أن رئيس الأركان «اطلع على الاستعدادات على الحدود اللبنانية وأوعز بالحفاظ على الجاهزية العملياتية المتزايدة في ضوء عملية القضاء على قائد أركان حزب الله».
على مقلب تل أبيب، أعلن الجيش الإسرائيلي بدء مناورات على مستوى قيادة الأركان للتعامل مع حالة حرب. وتحدث عن «تقديرات بأن لدى «حزب الله» عدة خيارات محتملة للرد على إسرائيل رداً على اغتيال رئيس اركانه هيثم الطبطبائي منها إطلاق الصواريخ أو تنفيذ عمليات اقتحام للنقاط الـ 5 جنوب لبنان». وقال «سنواصل جولة إضعاف «حزب الله» والهجمات داخل لبنان ضد جهود الحزب لإعادة بناء قوته والتسلح من جديد».
وأفاد إعلام عبري «أن رئيس الأركان الإسرائيلي اطلع على استعدادات الجيش على الحدود اللبنانية وأمر القوات برفع مستوى تأهبها بعد اغتيال المسؤول العسكري في حزب الله»، واشار إلى «أن المنظومة الأمنية مستعدة لكل السيناريوهات بعد اغتيال الطبطبائي»، لافتاً إلى «أن أحد احتمالات الرد هو أن يطلق تنظيم في لبنان الصواريخ بدلاً من حزب الله». وذكر الاعلام الإسرائيلي «أن الجيش الإسرائيلي يمتلك مسبقاً خططًا غير متناسبة للرد بحال إطلاق نار من لبنان، وبأنه نقل رسالة لـ«حزب الله» وحكومة لبنان مفادها أن إطلاق أي صاروخ سيؤدي لرد غير متناسب».
توتر على الحدود
وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية أيضًا إلى «أن سلاح الجو الإسرائيلي عزز دفاعاته الجوية ورفع مستوى تأهبه في الشمال تحسبًا لإطلاق «حزب الله» صواريخ من لبنان». وأكدت إذاعة الجيش الإسرائيلي تعزيز مستوى الاستعداد في منظومة الدفاع الجوي شمالاً، مشيرة «إلى احتمال رد حوثي على اغتيال الرجل الثاني في حزب الله». وأضافت «أن الجيش يستعد لجولة جديدة لإضعاف «حزب الله» ويعتزم مواصلة الهجمات على لبنان وان الهجمات ضد «حزب الله» ستستمر». ولم تستبعد وسائل الاعلام «أن يأتي الرد من سوريا أو حدود الأردن أو تنفيذ عملية ضد إسرائيليين في الخارج»، لافتة إلى أنه «لا توجد في هذه المرحلة تعليمات خاصة لسكان الشمال».
وأوضح مصدر أمني إسرائيلي، «أن جولة الإضعاف لـ«حزب الله» يجب أن تُنجز قبل نهاية العام»، مشيراً إلى «أن حكومة لبنان لن تقوم بهذه المهمة، ولن ننتظر. وإذا لم نضعف «حزب الله» قبل نهاية العام فسيفاجئنا في التوقيت»، معتبراً أنه «يمكن إضعاف الحزب دراماتيكيًّا لسنوات طويلة بقتال لأيام فقط». وفي سياق متصل، أفادت «يديعوت أحرونوت» عن مصادر «بأن الجيش الإسرائيلي اختار إبقاء المعلومات بشأن المداهمات البرية في لبنان سرية لتجنب الاستفزاز، والمداهمات كانت في نطاق 3 إلى 5 كلم من الحدود وأحياناً في الخط الثاني من القرى اللبنانية».
داخلياً، وفيما يستعد لبنان الرسمي والشعبي لاستقبال البابا لاوون الرابع عشر وسط مخاوف من تأجيل الزيارة في حال حصول تصعيد عسكري، فإن «لقاء سيدة الجبل» برئاسة النائب السابق فارس سعيد أكد في بيان أنه «قبل زيارة قداسة البابا لاوون الرابع عشر إلى أرض لبنان التي تنادي معه وإلى جانبه للسلام، نطالب السلطة اللبنانية بكل تراتبيتها الدستورية، بالتعامل مع وجود ما تبقى من سلاح مع «حزب الله» سلاحاً خارجاً عن القانون والدستور والعمل على مصادرته بشكلٍ واضح، حمايةً لجميع اللبنانيين لأي طائفةٍ أو بيئةٍ انتموا». ورأى أن «لا خلاص للبنان إلا بالعودة إلى اتفاق الهدنة مع إسرائيل وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة». وختم «رغم الظروف، ينتظر لبنان بابتهاج زيارة قداسته ويصرّ على استقباله بفرحٍ وأمنٍ واستقرار ورجاء من قبل جميع اللبنانيين».
«من أجل مصالح نتنياهو»
ورأى المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هارئيل، أمس الاثنين، أن التصعيد الأخير في لبنان هو مبادرة إسرائيلية تخدم مصالح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وتحظى بدعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وفي مقال كتبه بصحيفة «هآرتس» العبرية، قال هارئيل: «تبذل واشنطن جهودًا حثيثة لفرض واقع جديد في لبنان، وربما تعتقد أن إظهار إسرائيل جديتها كفيل بإخراج المفاوضات من المأزق. واستدرك: «لكن الهجمات الإسرائيلية مرتبطة أيضا بجبهات أخرى، ويبدو أنها تهدف إلى صرف الانتباه عن إخفاقات نتنياهو».
وأضاف هارئيل أن «وقف إطلاق النار هو مصطلح نسبي، وعمليا، استأنفت إسرائيل هجماتها منذ اليوم الأول (لوقف النار نهاية 2024) تقريبا، مستهدفة بشكل رئيسي عناصر «حزب الله» وأنظمة أسلحته المنتشرة جنوب نهر الليطاني».
وتابع: «على مدار العام الماضي، قُتل ما يقرب من 400 شخص في غارات جوية إسرائيلية على لبنان، معظمهم من عناصر حزب الله»، على حد قوله. وأشار هارئيل إلى أنه «حتى الصيف الماضي، ساد تفاؤل في كل من إسرائيل ولبنان بشأن الوضع في لبنان»، وفق تقييمه.
جيوستراتيجيك ميديا ما وراء الخبر
