د. شهاب المكاحله
قبل أيام، عرض مختصون رؤيتهم عن الوضع الاقتصادي العالمي والتأثيرات الجيوسياسية على القرارات الدولية والتي تحدد مصير الكثير من الشعوب التي تتطلع للعيش بأمان واستقرار. وهذه خلاصة إحدى الأوراق التي قدمتها عن الدين العالمي ومصير العجلة الاقتصادية والسيناريوهات المتوقعة للسنوات الخمس القادمة عالمياً.
فمع اقتراب مستوى الديون الحكومية العالمية من %100 من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول نهاية العقد، لم يعد كافياً إصدار التحذيرات، بل بات ضرورياً تخيل المسارات الممكنة لهذه الديناميات المالية، وكيف يمكن أن تؤثر على الاقتصادات والأسواق والأفراد. فهنالك خمسة سيناريوهات محتملة للسنوات 0262–2031، مع تقديرات لحصة الفرد من الديون ونسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.
السيناريو الأول: استقرار معتدل
في هذا السيناريو، تستمر الديون العامة للحكومات في الارتفاع بوتيرة معتدلة، لتصل بحلول 2030 إلى حوالي 100%من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يقارب 120 تريليون دولار. ومع تعداد سكاني عالمي يبلغ نحو 8.1 مليار نسمة، فإن حصة الفرد من الدين تبلغ حوالي 14,800 دولار. وفي هذا السيناريو ستتمكن الحكومات من إعادة تمويل ديونها دون ارتفاع مفاجئ في أسعار الفائدة لكن يظل عبء خدمة الديون يحد من الاستثمارات في قطاعات حيوية مثل التعليم والبنية التحتية والمناخ.
السيناريو الثاني: استثمار بعوائد
في هذا المسار، تُحوّل الحكومات جزءاً كبيراً من الإنفاق نحو البنية التحتية والتعليم والطاقة الخضراء، ما يعزز الإنتاجية والنمو. قد يرتفع إجمالي الديون إلى 130 تريليون دولار، لكن الناتج المحلي الإجمالي ينمو بسرعة أكبر، فتظل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي عند حوالي 100%. عندها ترتفع حصة الفرد من الدين لتبلغ 16,000 دولار تقريباً. ووفق هذا السيناريو فهناك إمكانية لتحسين استدامة الدين وتقليل مخاطر التخلف عن السداد لكن ارتفاع أسعار الفائدة قد يزيد من كلفة خدمة الديون، رغم النمو.
السيناريو الثالث: ارتفاع أسعار الفائدة
يكون الاقتصاد العالمي في حالة صدمة بفعل زيادة أسعار الفائدة عالمياً. فقد ترتفع الديون إلى 140 تريليون دولار بحلول 2030، أي نسبة 110% من الناتج المحلي الإجمالي. وعندها تكون حصة الفرد من الدين العالمي حوالي 17,300 دولار ما يترتب عليه ارتفاع كبير في كلفة خدمة الدين بما يضغط على الموازنات. هنا ستكون الحكومات أمام خيارات صعبة للغاية: التقشف، رفع الضرائب، أو التمويل عبر التضخم.
السيناريو الرابع: إعادة الهيكلة
يمكن لمسارات أكثر تفاؤلاً أن تتحقق عبر برامج إعادة هيكلة الديون، خصوصاً في الأسواق الناشئة والدول منخفضة الدخل. قد يظل إجمالي الدين عند 120 تريليون دولار، لكن الانخفاض الفعلي في كلفة خدمة الديون يقلل المخاطر. عندها تكون حصة الفرد من الدين 14,800 دولار، لكن العبء المالي الفعلي أقل. وهناك أمر إيجابي في هذا السيناريو وهو الحد من أزمات الديون، خاصة للدول الهشة، وتحفيز التعافي الاقتصادي. لكن يبقى التحدي الأساسي هو توافر إرادة سياسية قوية وإطار مؤسسي موثوق.
السيناريو الخامس: الانزلاق في دوامة الدين
في أسوأ الحالات، يستمر العجز الحكومي المرتفع، مع صدمات جيوسياسية أو كوارث مناخية، لتصل الديون إلى 160تريليون دولار، أي نسبة %120 من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030. عندها قد تصل حصة الفرد من الدين العالمي إلى 19,700 دولار بحيث يشهد العالم ارتفاع مخاطر التخلف عن السداد، ما يؤدي إلى أزمات سيادية متزامنة وتذبذبات مالية عالمية.
وفي الختام، وفي أحسن الأحوال وهو السيناريو المعتدل، فإن كل شخص على وجه الأرض يتحمل عبئاً فعلياً من الدين العالمي الحكومي بنحو 15 ألف دولار، وهو ما يحدد خيارات الحكومات، من الضرائب والإنفاق إلى أسعار الفائدة والاستثمارات المستقبلية. وحتى يتجنب العالم ما هو أسوأ، يجب: توجيه الإنفاق نحو مشاريع عالية العائد مثل البنية التحتية والتعليم والطاقة المتجددة. وتحسين آليات إعادة هيكلة الديون، خصوصاً للدول النامية وبناء احتياطات وقائية، وإصدار ديون طويلة الأجل، وزيادة الشفافية المالية. كما أن إدارة الدين ليست مسألة تقنية فحسب، بل اختبار لقدرة الحكومات على الموازنة بين الضغط الاقتصادي الحالي والفرص المستقبلية. العالم اليوم على مفترق طرق، والخيارات التي تتخذها الدول الآن ستحدد استدامة الاقتصاد العالمي لعقود قادمة.
جيوستراتيجيك ميديا ما وراء الخبر
