برز على هامش النزاع الدامي في السودان بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، طرف ثالث عائد من الماضي: نظام عمر البشير الذي كان كل من البرهان ودقلو جزءاً منه قبل أنّ يشاركا في الإطاحة به في العام 2019.
ففي تسجيل نشر مساء أمس الثلاثاء، أعلن أحمد هارون، أحد مساعدي عمر البشير المطلوب مثله بمذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية “بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية”، فراره من سجن كوبر في الخرطوم، مع مسؤولين آخرين من النظام السابق.
وقال مخاطباً السودانيين: “نؤكد وقوفنا معكم في خندق الوطن لمنع اختطافه لصالح مشروع أسري مدعوم دولياً وإقليمياً متجاوزين كل ما حدث منذ انقلاب 11 إبريل/ نيسان من عام 2019”.
وتابع: “نقول ذلك بأقوى العبارات رغم ظلم سلطة انقلاب 11 إبريل/ نيسان، بما في ذلك حبسنا كرهائن لديها لإرضاء قوى سياسية وأخرى إقليمية ودولية، ثبت الآن أنّها العدو الأول للشعب السوداني وللسلطة القائمة، وهي من تسببت في الحرب الدائرة الآن”.
وسارع “ائتلاف قوى الحرية والتغيير” الذي نظّم الاحتجاجات العارمة التي أدّت الى إسقاط البشير وشارك في وقت لاحق في السلطة مع العسكر، إلى الردّ معتبراً أنّ بيان هارون “أكدّ الحقائق التي ظللنا نرددها في الآونة الأخيرة، أنّ النظام المباد وحزبه المحلول ومن خلال عناصرهم الموجودة داخل القوات المسلحة والقوات النظامية هم من يقفون خلف الحرب الدائرة الآن”.
وطالب التحالف القوات العسكرية المتناحرة بوقف الحرب “فوراً”، داعياً الشعب السوداني إلى أن “يرصّ الصفوف للتصدي لمخططات الفلول الشريرة التي تكشفت الآن أكثر من أي وقت مضى”.
فهل سيغير فرار مسؤولين في نظام البشير من السجن شيئاً في ميزان القوى بالسودان؟
يرى المحلّل السياسي السوداني مجدي الجزولي، من معهد “ريفت فالي”، أنّ ظهور عناصر من نظام البشير على الساحة “لا يعد تطوراً هاماً” في الحرب الدائرة.
ويستبعد المحلّل في الشأن السوداني جونز هورنر أنّ يكون عناصر النظام السابق “في ظل الظروف الحالية، قادرين على البقاء أو مؤهلين لتولي مناصب في الحكومة”.
لكنه يشير إلى أنّ الظروف “قد تسمح لهم بالتفكير ربما في إعادة تعبئة الحركة الإسلامية”.
وكان البشير الذي حكم السودان بقبضة من حديد بين 1989 و2019، يحظى بدعم الإسلاميين.
ويؤكد الجزولي من جهته أنّ ظهور عناصر النظام السابق “سيؤجج الجدل حول العلاقة بين الجيش والحركة الإسلامية، وهو ما يمكن لقوات الدعم السريع استخدامه” في خطابها السياسي.
وأطاح الجيش بعمر البشير تحت وطأة احتجاجات شعبية ضخمة ضده في العام 2019، وأوقفه مع مساعديه وأبرز أركان نظامه.
ووجهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات إلى البشير ومساعديه على خلفية حرب دارفور التي تخللتها انتهاكات واسعة وتسبّبت بمقتل قرابة 300 ألف شخص ونزوح 2.5 مليون. وشاركت فيها قوات الدعم السريع (الجنجويد) آنذاك بقيادة دقلو المعروف بحميدتي، إلى جانب قوات البشير، وضد الأقليات الإتنية غير العربية.
أما البرهان، فقد كان أيضاً من أبرز جنرالات جيش البشير خلال حرب دارفور.
ونفّذ البرهان ودقلو في أكتوبر/ تشرين الأول منذ عام 2021 انقلاباً أطاحا خلاله بالمدنيين من الحكم، وما لبث أنّ برز الصراع على السلطة بينهما، وصولاً إلى المعارك الدامية التي اندلعت قبل 12 يوماً.
وتسود فوضى عارمة في البلاد منذ ذلك الوقت تجسّدت خلال الساعات الماضية في فرار مسؤولي النظام السابق من سجن كوبر في الخرطوم، بينما أكد الجيش أنّ البشير نفسه محتجز في مستشفى نُقل إليه قبل بدء القتال، لأسباب صحية.
ويقول هورنر إنّ “مجرد الخروج من السجن يعدّ مكسباً” لأركان النظام السابق، متوقعاً أنّ “يبقوا بعيدين عن الأضواء لأنهم يعرفون أنهم يثيرون انقساماً كبيراً” في السودان، و”في المجتمع الدولي”.
ويبنما تحاول دول العالم فتح حوار مع كل من دقلو والبرهان في محاولة للتوصل إلى مخرج للحرب الدائرة، لا يبدو أنّ هناك مصلحة لأركان نظام البشير في الوقوف وراء هذا أو ذاك.
ويقول آلان بوزويل من “مجموعة الأزمات الدولية”، إنّ عودة البشير إلى السياسة “قد تكون خياراً غريباً للغاية”.
ويتابع: “قد يبدو أنّ خياره سيكون الجيش إذا كان سيختار طرفاً (…) لكن يمكنه أيضاً أنّ يختار نفسه”.