المهندس سليم البطاينه
غياب النُضج والوعي والسياسي والزعامات ( الدون كيشوتية ) وصراعات الأجنحة ، وظاهرة الهرم المقلوب ستؤدي إلى تفكك الكثير من الأحزاب السياسية الناشئة في الأردن !
نعرف أن الأولوية الديمقراطية تحتم التواجد الحزبي في المشهد السياسي ، لكن للأسف النموذج الأردني الحالي يُنفر الراغب بالعمل السياسي.
فمذُ صدور قانون الأحزاب عام ١٩٩٢ والذي تناسلت فيه مئات الأحزاب إلى درجة الميوعة والعبث وحتى وقتنا هذا تحاول تلك التيارات الحزبية ان تحجز لها موطىء قدم في الحياة السياسية والبرلمانية على الرغم من ضعف حضورها ، والحساسية المُفرطة تجاهها من قبل الأردنيين ، لعدم قناعتهم ببرامجها السياسية والاقتصادية لأن معظمها هشة وضعيفة وبعيدة كل البعد عن قضايا الشارع والناس ! وبنفس الوقت ضعيفة عن ممارسة أي دور مجتمعي السبب عدم كفاءة الشخصيات التي تقود بعضاً من تلك الأحزاب نتيجة غياب الفهم والوعي السياسي لديهم.
الغالبية العظمى من تلك الأحزاب القديمة والجديدة الناشئة غير ناضجة سياسياً وعاجزة عن تأطير المجتمع وهيكلته لأنها تشكلت وفق أهداف لا علاقة لها بالممارسة السياسية ،،، وما تنتظره الآن هو الحصول على جزء كبير من الكعكة المخصصة عبر جوائز ترضية ومقاعد مجانية ،،، والجزء الأكبر من تلك الأحزاب نفعية قائمة على حب السلطة والتشوق لها ! وقائمة أيضًا حسابات الربح والخسارة والتموقع والنفوذ والوصولية.
والكثير منها غير مؤهلة للتعامل مع مناخ ديمقراطي سواء بداخلها أو خارجها مما سيؤدي لاحقاً إلى تفككها و انشقاقات واستقالات وصراعات الأجنحة داخلها بشكل متسارع ! والسبب الرئيس هنا الزعاماتية المُفرطة ( الدون كيشوتية Don Quixote ) ،،، ومن الرغبة الجامحة في الظهور وتصدر المشهد من أجل الأستفادة من الغنيمة السياسية إذا تمكنت من الوصول إلى الكراسي لدى شخصيات تلك الأحزاب.
إن غالبية الأحزاب الناشئة متشابهة في أفكارها وبنائها التنظيمي ، ولا يوجد فارق بينها سوى أسمائها وأسماء مؤسسيها ،،، وهي بأجمعها لا تُمثل مشروع دولة ، فالأردنيون لم يكونوا يؤمنون يومًا بجدوى تلك الأحزاب بدليل ضعف الانتساب إليها ، حيث أن شعاراتها لا تلامس طموحهم و هواجسهم.
لدينا أسئلة تفرض نفسها على عقولنا : ماذا تريد الأحزاب السياسية الأردنية ؟
وللإجابة على ذلك السؤال دعوني أطلعكم على دراسة تحليلية من كتاب أصدره معهد السياسة والمجتمع قبل أشهر بالتعاون مع صندوق الملك عبدالله الثاني بعنوان ( على أعتاب التحول ) والذي قام بتأليفه الباحثون محمد أبو رمان وعبدالله الجبور ووائل الخطيب.
الكتاب اعتمد على دراسة ميدانية لواقع الأحزاب السياسية الأردنية و ٥٠ زيارة لمقرات الأحزاب سلط فيها الضوء على الانتماء الشكلي والنوعي داخل تلك الأحزاب ! وقدم تحليلاً لحملة من المتغيرات فيما يتعلق بالبنية الهيكلية و القيادية للأحزاب ،،، وركز الكتاب بشكل مباشر أن قوة الحزب الحقيقية ليست بالتسابق نحو إعداد الأرقام الوطنية داخل الحزب.
ما أعجبني حقيقة في ذلك الكتاب هي المقدمة والسردية التاريخية ،،، وما تضمنه من رؤيا متقدمة جاءت من خلال خمسة فصول حدد فيها المؤلفون العديد من التحديات التي تواجه عملية التشكيل الحزبي القادم ،،، وأهم ما جاء داخل تلك الفصول الخمسة أن غالبية الأحزاب السياسية الراهنة تعاني من ضعف بنيوي ،،. وأن أحزاباً قليلة هي التي تمتلك كفاءة عالية بينما تعاني أغلب الأحزاب من ظاهرة ( الهرم المقلوب ) ذلك المصطلح الذي استعرته ووضعته في مقدمة مقالي أعلاه ، اذ يعني ذلك تمركز الحزب بالقيادة مع ضعف شديد في الكادر الحزبي وغياب القاعدة الاجتماعية وتحدي التماسك الداخلي وتجاوز الانشقاقات والاعتبارات الشخصية ، وتكدس جميع الأحزاب داخل العاصمة عمان ، وتحدي التمويل ،و البناء الداخلي للحزب.
الفصل الرابع من الكتاب رصد حالة الإعلام والاتصال السياسي للأحزاب وقدراتها في الاعلام التقليدي.
بالتأكيد ان بعضاً من تلك الاحزاب الجديدة تشهد حالة مراهقة حزبية وبحاجة إلى تربية سياسية وستحاول البحث عن شرعية مفقودة ،وهذا ما سنشهده في الأشهر القادمة وقبل موعد الانتخابات البرلمانية القادمة.
وأخشى أن يأتي يوم نترحم فيه على قانون الصوت الواحد.
الأمور بخواتيمها وبكرة بنطلع عل الحيطة وبنسمع الزيطة ، وهذه قراءتي للمشهد القادم ، وإذا كان أحداً غير مقتنع فيما قلت فليحتفظ بمقالي هذا وليذكرني يوماً ما حين ينجلي الغبار عن الحقيقة ،،، وقد لا يكون ذلك بعيداً.
لابد أن أوضح للقارئ الكريم ما المقصود بالزعامة ( الدون كيشوتية ) ، وأحياناً تلفظ ( دون كيخوته ) ،، فقد جاءت تلك العبارة من رواية للكاتب الأسباني Miguel de Cervantes الذي اشتهر بروايته ( دون كيشوت Don Quixote ) عام ١٦٠٥ ،،، ونشرها على جزئين عام ١٦٠٥ وعام ١٦١٥ ،وتم ترجمتها إلى العديد من اللغات الاجنبية ،، وترجمت إلى العربية من الفرنسية من خلال صياح الجهيم ( المترجم والأديب السوري الذي يحمل إجازة في اللغة الفرنسية ).