نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا من داخل مركز التنسيق الأمريكي لغزة قالت فيه إن الكل حاضر ومشارك في النقاشات، باستثناء الفلسطينيين.
وأعد التقرير أرون بوكسرمان وأدم راسغون وناتان أودينهايمر وديفيد هالبفنغر.
ففي منطقة صناعية قذرة جنوب إسرائيل، يعج مستودع شحن ضخم أُعيد استخدامه بمئات الجنود الأمريكيين والإسرائيليين وضباط مخابرات عرب وعمال إغاثة دوليين، ودبلوماسيين وعسكريين من جميع أنحاء أوروبا، وحتى من أماكن بعيدة مثل سنغافورة. ومهمتهم الرسمية هي المساعدة في مراقبة وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل وحماس في غزة. ولكنهم كلفوا أيضا بالمساعدة في صياغة خطط طموحة لمستقبل القطاع بعد الحرب، بما يتماشى مع اقتراح الرئيس ترامب للسلام المكون من 20 نقطة – نزع سلاح حماس وإعادة بناء غزة في ظل إدارة فلسطينية جديدة ومستقلة.
وأشارت الصحيفة إلى أن قرار مجلس الأمن الدولي، الصادر يوم الإثنين، أيد خطة ترامب للسلام، كما دعا إلى دخول قوة دولية لتحقيق الاستقرار إلى غزة ونزع السلاح فيها وحكمها. ويعمل بعض المسؤولين العسكريين الأمريكيين في المنشأة على وضع خطط عملياتية لتلك القوة. ومع ذلك، وبعد مرور شهر على عمليات المركز، ليس من الواضح ما إذا كان قد أحرز تقدما كبيرا. ويتحدث المسؤولون في مركز التنسيق المدني العسكري، المعروف اختصارا سي أم سي سي، أن بدايته كانت فوضوية.
والأمر الأكثر إثارة للانتباه هو غياب أي تمثيل فلسطيني رسمي في المبنى، مما أثار انتقادات بعض الدبلوماسيين وعمال الإغاثة الذين يقولون إن أي رؤية خارجية لغزة من غير المرجح أن تنجح ما لم يكن للفلسطينيين صوت مؤثر فيها.
ويقول بعض المشاركين في هذا الجهد إن مشاهد الجنود الأمريكيين وهم يتبادلون الأفكار حول كيفية إعادة بناء قطاع غزة المدمر تثير ذكريات غير مريحة لمحاولات أخرى قادتها الولايات المتحدة لإعادة الإعمار في العراق وأفغانستان.
وفي المبنى الكائن في كريات غات، على بعد حوالي 13 ميلا شمال شرق غزة، تعرض شاشات عملاقة صورا جوية لغزة. وتغطي مجموعات العمل المستديرة المنتظمة بقيادة كبار الضباط الأمريكيين مواضيع تشمل الاستخبارات والمساعدات الإنسانية والحكم المدني، وفقا للكابتن تيم هوكينز، المتحدث باسم القيادة المركزية للجيش الأمريكي.
وقال العديد من الدبلوماسيين والمسؤولين المطلعين على الأمر إن عمل المركز يشرف عليه فريق بقيادة أرييه لايتستون، مستشار إدارة ترامب المقيم حاليا في تل أبيب، والذي يعمل على استراتيجية الصورة الكبيرة لمستقبل غزة. وقد رفض لايتستون التعليق على أسئلة الصحيفة.
وأرسلت دول من كندا إلى الإمارات العربية المتحدة إلى ألمانيا ممثلين لها، وكذلك وكالات الإغاثة والمنظمات غير الربحية، وفقا لمسؤولين ومخطط داخلي شاركه أحدهم مؤخرًا. فيما يجلس بعض المسؤولين ذوي الخبرة الواسعة في الشرق الأوسط جنبا إلى جنب مع آخرين بلا خبرة. في مرحلة ما عقدت دورة تمهيدية للقادمين الجدد حول “ما هي حماس؟” وفقًا لثلاثة مسؤولين.
وهناك العديد من الجلسات على السبورة البيضاء، وأحيانا بأسماء بسيطة لمواضيع مهمة، وفقا لمسؤولين.
كما وقسمت مجموعة عمل معنية بقضايا الحكم المدني الأسبوع إلى موضوعات يومية، بما في ذلك “أربعاء العافية” للرعاية الصحية والتعليم، و”خميس العطش” للبنية التحتية للمياه.
وقد استند تقرير الصحيفة على مقابلات مع أكثر من 20 دبلوماسيا ومسؤولا وعامل إغاثة قضوا وقتا في المنشأة، بالإضافة إلى وثائق تخطيط داخلية حصلت عليها صحيفة “نيويورك تايمز” وقد طلب جميع الأشخاص عدم الكشف عن هويتهم. كما ورفض الجيش الإسرائيلي التعليق.
وتقول الصحيفة إن اتفاقية وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل برعاية أمريكية أدت لتبادل أسرى ووقف القصف، لكنها لم تؤد إلى نهاية الحرب.
وتحاول الولايات المتحدة الآن دفع الطرفين إلى المضي نحو المرحلة الثانية وهي : نزع سلاح حماس ونشر قوة استقرار دولية في غزة وإعادة بناء أجزاء من الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل الآن على الأقل.
وتضيف الصحيفة أن بعض الاستعدادات على الأقل تجري لتلك المرحلة في مركز التنسيق، الذي تم إنشاؤه بسرعة من قبل 200 جندي من القيادة المركزية للجيش الأمريكي وافتتح في 17 تشرين الأول/أكتوبر.
وكان المبنى بمثابة مركز لمؤسسة غزة الإنسانية، وهي مجموعة مساعدات مدعومة من إسرائيل تعرضت لانتقادات شديدة، والتي علقت عملياتها في الشهر الماضي، وفقا لشخصين مطلعين على الأمر.
وقالت إن الجنرال باتريك د. فرانك، قائد الجيش الأمريكي المركزي، أحد مكونات القيادة المركزية؛ وستيفن فاغين، السفير الأمريكي السابق لدى اليمن، يقودان مركز التنسيق. ويعمل الجنرال يعقوب دولف ككبير مسؤولي الاتصال بالجيش الإسرائيلي. وهناك قضية أخرى تتعلق بمركز التنسيق العسكري المركزي، حيث تراقب إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وهي عملية تنظمها إسرائيل. وقال الكابتن هوكينز، المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية، بأن حوالي 800 شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية تدخل غزة يوميا.
وتقول الصحيفة إن المسؤولين الأمريكيين ضغطوا لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة تحت إشراف المركز بالكامل، لكنهم لم يروا إلا نتائج متباينة حتى الآن، وفقا لخمسة مشاركين في مركز التنسيق.
وقال مسؤولان أمنيان إسرائيليان بأن منسق أنشطة الحكومة في المناطق، منسق الجيش الإسرائيلي، لم يتنازل عن سلطته لمركز التنسيق العسكري، على الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين كانوا يقودون الحوار مع المجتمع الدولي. وضعت السلطة الفلسطينية المدعومة دوليا خططها الخاصة للإغاثة الإنسانية في غزة وإعادة الإعمار بعد الحرب. لكن لم يدرج المسؤولون الفلسطينيون في مركز التنسيق، وفقا لعدد من المسؤولين المطلعين على عمليات المركز.
وتعلق الصحيفة أن إصرار إسرائيل على منع السلطة الفلسطينية من حكم غزة بعد الحرب، يعكس تصميم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على عرقلة قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة. وفي المستودع بكريات غات، تحتل القوات الأمريكية الطابق العلوي. أما الطابق الأرضي فهو ملك لإسرائيل. يوجد بينهما طابق مشترك تتشاركه أيضا منظمات دولية وممثلون عن حكومات أخرى. وسرعان ما أصبح مركز التنسيق خلفيةً لزيارات رفيعة المستوى لمسؤولي إدارة ترامب، بمن فيهم نائب الرئيس جيه دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو.
وفي زيارة للمركز يوم الاثنين، أُتيحت للصحافيين جولة تحت إشراف دقيق في الطابق الأوسط من المبنى، وشوهد جنود أمريكيون يقدمون عرضا لضباط إسرائيليين يرتدون الزي الأخضر حول قوة شرطة فلسطينية في غزة. وأظهرت خريطة غزة في وسط الغرفة الواسعة “منطقة حمراء” لا تزال تسيطر عليها حماس و”منطقة خضراء” تسيطر عليها إسرائيل، يفصل بينهما الخط الأصفر الذي انسحبت إليه القوات الإسرائيلية كجزء من وقف إطلاق النار.
وشبه أحد الدبلوماسيين الغربيين الذين زاروا المركز تصميمه المفتوح بمقر غوغل منخفض التكلفة. وفي كل صباح، يقود ضابط عسكري كبير عادة إحاطة مشتركة لجميع الموظفين، مما يزيد بشعورهم أنهم في واحدة من الشركات الناشئة، وفقا لعدة مسؤولين.
وتشمل جهود المركز الآن بعض التخطيط لـ”مجتمعات آمنة بديلة”، وفقا لأكثر من ثمانية دبلوماسيين ومسؤولين – وهي مجمعات سكنية جديدة تدرس إدارة ترامب بناءها للفلسطينيين في أجزاء من غزة لا تزال تسيطر عليها إسرائيل. ويأمل المسؤولون الإسرائيليون والأمريكيون أن تجذب المجمعات السكنية الجديدة سكان غزة الباحثين عن المأوى والأمن للانتقال إليها من المنطقة التي تسيطر عليها حماس، مما يضعف الحركة، حسبما أفاد المسؤولون. ولم يتضح بعد ما إذا كانت هذه المجمعات ستبنى ولا متى سيتم بناؤها. لكن العديد من الدبلوماسيين المطلعين على المبادرة انتقدوا الاقتراح، متسائلين عما إذا كان سكان غزة سيرغبون في العيش هناك، وما إذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل ستفرضان شروطا على سكان غزة للعيش هناك، وما إذا كان ذلك سيهيئ الظروف لتقسيم دائم للقطاع.
جيوستراتيجيك ميديا ما وراء الخبر
