الرئيسية / أخبار / رؤى متنافسة بشأن غزة: تقييم مقارن لخطتي ترامب وبوتين

رؤى متنافسة بشأن غزة: تقييم مقارن لخطتي ترامب وبوتين

ظهرت مبادرتان متوازيتان للسلام في غزة في مجلس الأمن الدولي في نوفمبر 2025: خطة الرئيس ترامب الشاملة المكونة من 20 نقطة، ومشروع القرار الروسي المنافس. كلاهما يدّعي السعي إلى السلام، لكنهما يختلفان إلى حد بعيد في الهيكل والنية والافتراضات الأساسية. سنقارن بينهما عبر ثلاثة أبعاد حاسمة: الاستدامة، والمصداقية، والكفاءة العملية.

تنص خطة ترامب – وفقًا لمزاعمها – على وقف فوري لإطلاق النار يتبعه نشر قوة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار، تتألف من قوات من دول عربية وإسلامية؛ أعربت مصر وتركيا وإندونيسيا وأذربيجان ودول أخرى عن اهتمامها. ويتمثل العنصر الأساسي في “مجلس السلام” الذي يرأسه ترامب نفسه، ويشرف على إدارة فلسطينية تكنوقراطية حتى ديسمبر 2027. ستقوم قوة الاستقرار الدولية هذه بتأمين الحدود، وتدريب الشرطة الفلسطينية، والإشراف على نزع السلاح الكامل لحماس (غير معروف كيف سيفعلون ذلك!)، بما في ذلك التخلص النهائي من الأسلحة. ومع ذلك، لا تتضمن الخطة سوى عبارات غامضة حول “مسار موثوق” نحو إقامة دولة فلسطينية بمجرد الانتهاء من “إصلاح السلطة الفلسطينية” (كلام غامض أيضًا) وإحراز تقدم في إعادة إعمار غزة.

يطلب الاقتراح الروسي المضاد من الأمين العام للأمم المتحدة تحديد خيارات لقوة استقرار دولية، عوضًا عن السماح بالانتشار الفوري. والأهم من ذلك، أنه يلغي مجلس السلام بالكامل، ويؤكد صراحةً على حل الدولتين كأساس للسلام الدائم. وتصر موسكو على أن الضفة الغربية وغزة يجب أن تظلا متصلتين جغرافيًا تحت سيطرة السلطة الفلسطينية.

لا تضمن أي من الخطتين سلامًا مستدامًا. يفتقر إطار عمل ترامب إلى أفق سياسي محدد يتجاوز الإدارة المؤقتة، مما يترك إسرائيل وحماس “عالقتين في نزاع مستمر بين قوة احتلال وقوة تحرر وطني”. لا يمكن لقوات حفظ السلام تاريخيًا سوى توثيق اندلاع قتال جديد دون أن يكون لديها القدرة على إيقافه. إن تركيز روسيا على مبادئ الدولتين يعالج الأسباب الجذرية بشكل أفضل من الناحية النظرية، لكن إحجامها عن الموافقة على نشر قوات على الفور يقوّض مصداقية التنفيذ. يواجه نشر قوات الأمن الدولية تحديات عميقة: لن تلتزم أي دولة مساهمة دون وجود ضمانات، ويرفض رئيس وزراء الكيان، نتنياهو، صراحةً قيام دولة فلسطينية، ويصر على احتفاظ قوات الاحتلال بالسيطرة الأمنية الدائمة غرب نهر الأردن.

المصداقية: يكشف الرأي العام الفلسطيني (وفقًا لاستطلاع شامل لمؤسسة استطلاعات الرأي والأبحاث المسحية، في شهر أكتوبر) أن 68% في المائة من الفلسطينيين يعارضون نشر قوات عسكرية عربية إسلامية مهمتها نزع سلاح حماس. تهمّش خطة ترامب المؤسسات الفلسطينية بشكل عميق؛ يمارس مجلس السلام “سلطة اتخاذ القرار السيادية” على غزة برئاسة ترامب، بينما يظل دور السلطة الفلسطينية ضئيلاً ما لم تكتمل “الإصلاحات” التي ترضي إسرائيل. وهذا يمثل “دبلوماسية غربية أحادية الجانب تتجاهل تاريخ وتقاليد وهوية وثقافة الشعوب التي تعيش هناك”، كما لاحظ بوتين.

التحيّز الضمني إلى جانب الاحتلال واضح لا لبس فيه: فقد زوّد ترامب إسرائيل بمليارات الدولارات من الأسلحة خلال حرب غزة، وهدد حماس “بالقضاء التام” عليها (وهو لن يقدر على ذلك، لأن المقاومة فكرة أكثر منها تنظيمًا). وفي الوقت نفسه، تسارعت وتيرة توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بشكل كبير، حيث تم الإعلان عن أكثر من 26,000 وحدة استيطانية جديدة في عام 2025 وحده، مع إنشاء 121 مستوطنة غير قانونية منذ أكتوبر 2023. تتعارض هذه الإجراءات بشكل مباشر مع أي دولة فلسطينية قابلة للحياة، ومع ذلك لا تتضمن خطة ترامب أي آليات لوقف الضم.

يتناول مشروع روسيا حقوق الفلسطينيين بشكل أكثر شمولية من خلال المطالبة بسلامة الأراضي، ورفض التغييرات الديموغرافية، وتأكيد حق تقرير المصير. وهو يحافظ على الإطار القانوني الدولي الذي تم تطويره على مدى عقود. ومع ذلك، يفتقر اقتراح روسيا أيضًا إلى آليات ملموسة لحماية الفلسطينيين من ممارسات الاحتلال المستمرة؛ فقد انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار في أكتوبر مرارًا وتكرارًا، ودمرت أكثر من 1500 مبنى وقتلت المئات منذ بدء الهدنة.

وبالتالي، فإن كلتا الخطتين تخيبان آمال الفلسطينيين، لكن نهج ترامب أقل مصداقية على نحو ظاهر. ومن خلال تركيز سلطة الرئيس الأميركي كهيئة استعمار جديد دون إنهاء الاحتلال أو إيقاف الاستيطان، فإنه يديم حرمان الفلسطينيين من حقوقهم. أما إطار العمل الروسي، فهو يحترم حقوق الفلسطينيين من الناحية النظرية، لكنه لا يوفر آليات للتنفيذ. والأهم من ذلك، أن دول الخليج التي تشترط “الوضوح السياسي” لتمويل إعادة الإعمار – أي ضمانات ضد الصراع في المستقبل والتقدم نحو إقامة دولة – تكشف عن افتقار تام إلى الخطط التي تعيد الاعتبار للسيادة الفلسطينية المفقودة.

الكفاءة: تدفع خطة ترامب بالتنفيذ بشكل نشط، لكنها تغمض العين عما تفعله إسرائيل. بدأ وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر 2025، مع إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء. يقوم مركز التنسيق المدني-العسكري التابع للقيادة المركزية الأميركية بتنسيق بناء قوة الاستقرار الدولية. أصدرت تسع دول – بما في ذلك قطر ومصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وتركيا وباكستان والأردن وإندونيسيا – بيانًا مشتركًا في 14 نوفمبر يحث على “الاعتماد السريع” للقرار الأميركي. وهذا يدل على زخم دبلوماسي مهم. ومع ذلك، استمر قتل المدنيين من طرف قوات الاحتلال في غزة، وفقًا لعدد هام من التقارير وشهادات العيان. لذلك، وافقت حماس على إطلاق سراح الأسرى ونقل الإدارة إلى التكنوقراط، لكنها ترفض صراحة نزع السلاح ما لم يتم إنشاء دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس.

وبالتالي، تواجه مهمة قوات الأمن الدولية حالة من عدم اليقين العملياتي. تطالب دول الخليج حماس بنزع سلاحها بالكامل قبل تمويل إعادة الإعمار التي تُقدّر قيمتها بـ70 مليار دولار، لكن حماس ترى أن تسليم سلاحها دون إنهاء الاحتلال هو عملية انتحار وتصفية للقضية الفلسطينية. أما إسرائيل، فقد قيّدت دخول المساعدات الإنسانية، واستأنفت الغارات الجوية، ممارسة نشاطها المفضل في الانتقام من المدنيين.

عدا هذا، لا يقدم اقتراح روسيا أي جدول زمني للتنفيذ أو هيكل للقوة، ويطلب فقط من الأمين العام دراسة الخيارات. وهو ما يتعين على روسيا تداركه.

وبالتالي: يظل اقتراح روسيا نظريًا دون آليات للنشر الفوري. وهو نقص فادح.

الاستدامة: تمنح كلتا الخطتين الأولوية للسلام من الناحية النظرية، لكنهما تختلفان حول ما يتطلبه السلام. تركز رؤية ترامب على الوقف الفوري للعنف، وإعادة إعمار غزة، والقضاء على حماس، مع اعتبار إقامة الدولة إمكانية بعيدة مشروطة. وتصر روسيا على أن السلام الحقيقي يتطلب معالجة “السبب الجذري” – حرمان الفلسطينيين من حقوقهم في تقرير المصير من خلال إقامة دولة ذات سيادة.

تكشف الحقائق الراهنة عن عقبات عميقة أمام كلتا الرؤيتين. فقد أدى توسع المستوطنات الإسرائيلية إلى جعل إقامة دولة فلسطينية متصلة أمرًا مستحيلاً عمليًا دون تغيير جذري في السياسات الحالية، وهو ما يبدو أكثر استحالة مع وجود متطرفين في الحكم داخل إسرائيل. ولا تزال الضفة الغربية مجزأة بشدة بسبب المستوطنات الإسرائيلية والمناطق العسكرية والبنية التحتية. وترفض حكومة نتنياهو صراحة السيادة الفلسطينية، في حين أن 69 في المائة من الأراضي الفلسطينية غرب نهر الأردن تخضع بالفعل لسيطرة المستوطنات أو للولاية العسكرية.

وفي الوقت نفسه، لا يزال وقف إطلاق النار هشًا. فقد دمرت إسرائيل أكثر من 1500 مبنى في غزة منذ أكتوبر على الرغم من الاتفاق. وبدون آفاق سياسية محددة يقبلها الطرفان، فإن وقف إطلاق النار يعد “إدارة صراع” مؤقتة وليس سلامًا حقيقيًا.

والنتيجة أن خطة ترامب لا تقدم  مسارًا موثوقًا نحو سلام مستدام وعادل. فهي تمنح الأولوية للتهدئة وإعادة الإعمار بدعم مالي خليجي، في حين يقتضي العدل أن تدفع إسرائيل التعويضات للمدنيين على الأقل. وفي رأينا أن خطة ترامب  تهمش مطالب الفلسطينيين العادلة، وتتجاهل توسع المستوطنات، ولا تلتزم بالقانون الدولي فيما يخص القضية الفلسطينية، مما يجعلها فاقدة للمصداقية والكفاءة والاستدامة في آن معا.  هذا في حين يحترم اقتراح روسيا القانون الدولي وحقوق الفلسطينيين بشكل أكثر شمولية، لكنه لا يوفر آليات للتنفيذ، مما يجعله موثوقًا من حيث المبدأ، لكنه لا يزال غير فعال من الناحية العملية، ويتطلب جهدا أكبر لجعله سياسة عملية.