الرئيسية / أخبار / الاردن: محاكمة قانون الانتخاب والأحزاب!

الاردن: محاكمة قانون الانتخاب والأحزاب!

المهندس سليم البطاينه

من لا ينتج أسئلة لا ينتج اجابات، ولا حتى معرفة، هناك أسئلة قابلة للأخذ والرد، لكنها بعيدة عن مراكز القرار! فما من مساحات يسودها اضطراب تختلط وترتبك فيها السياسات والقوانين كما هي في الأردن !

التساهل والتغاضي عن ما حصل في الانتخابات بعث رسائل سلبية للرأي العام! والحديث اليوم عن قوانين متهمة في نظر الكثير من الأردنيين، يجب وضعها في قفص الاتهام لمحاكمتها لأنها شرعت وساهمت في تغلغل المال السياسي بقوة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة! وأثبتت ان السياسة وأخواتها في الاردن لن تكون مجانيّة بعد الآن !

قانون الانتخاب والأحزاب ألقيا ضبابية قانونية وسياسية، وقدّما الفساد مجاناً وأفرزا حمولة متعددة الألوان كعلبة الماكنتوش! جعلت من المنافسة الانتخابية فلكورية، تحوّل بها بعضٌ من مسؤولي الأحزاب ومعهم كثير من مرشحي القوائم الى مافيات تحلّل ولا تحرّم.

دائرة المال السياسي دائرة جهنمية لا تنتهي حتى تبدأ من جديد، وقطعاً لم نسمع عن اسم متبرع لحزب سياسي أردني! لذا لا يمكن لنا القفز عن الوقائع وتجاهل مخرجات الانتخابات الأخيرة وما حصل فيها! فما جرى لا يحتاج الى مقدمات أو دليل، بل يحتاج استدعاء واقع الحال لنتمكن من تقديم الأدلة التي تُثبِت بيع المقاعد ببورصة مغلقة! وتوريثها لعائلات واولغريشيات شكّلت أحزاباً طامعة في بحثها عن التمتع بنفوذ سياسي واقتصادي.

نحن أمام خراب عام لمشروع التحديث السياسي، وفشل مُريع في تنظيم قواعد اللعبة السياسية تحت سقف واحد، الأمرُ الذي أدّى إلى فقدان المسالك الصحيحة لفرض الإصلاح (لم تكن الدولة بعيدة عن المساهمة في إنتاجه)! ناهيك عن لجوء المشرّعين الى تكييف قانوني جعل من استخدام المال السياسي مُشرعاً! لكن بمسميات أخرى.

بالتأكيد أن ما حصل كان عبارة عن جرح عميق انطوى على الكثير من الفشل والخيبة لمنظومة التحديث السياسي، التي ولدت بضجيج محترم وانتهت الى صمت مطبق رغم أن بداياتها كانت واعدة.

في المنطق الشيء هو هو لا غيره، والتقدم الى الأمام يتطلب مواجهة الحقائق كما هي دون مكياج! ودون إنكار، فالإصلاح يرتبط بالتغيير ولابد ان يكون شمولي الطابع، وان يحمل في جنباته صفة الاستمرارية، نظراً لتعلقه بسياسة الدولة، وارتباطه بكافة القطاعات، ونزاهة الانتخابات تعني النزاهة في كل شيء، فالفساد إذا تسرب للأحزاب والقوائم، وهو فعلياً تمكن من بعضها! فهذا معناه استحالة بناء أي مشروع إصلاحي على أرض مُعتلّة تفتقد شروط الملائمة.

لعل أشرس أنواع الفساد وأكثرها سوءاً ودماراً للمجتمع هو: الفساد السياسي! إذاً لمن يوجّه الاتهام؟ الأمر يستدعي أكثر من مجرد إجراءات، بل يتعداه الى مراجعة وتقييم وقياس من أجل وقف تجريف العمل السياسي وتنقيته من الشوائب التي علقت به! فعندما يتفشى الفساد في السياسة يصبح الإعلام رخيصاً، والناس في حالة إحباط وإفلاس معرفي !

فلسفة التنقيح هي آلية قانونية، فلا يوجد قانون لا يتعرض للتعديل أو الحذف، وإذا حصل ذلك بأن (تم تعديل قانون الانتخاب والأحزاب) فهذا معناه تحجيم المال السياسي، وتوقف عملية بيع المقاعد وتوريثها، والتوقّف عن استغلال حاجات الناس المعيشية … وقانون الانتخاب الحالي وضع لأغراض سياسية ليست اصلاحية، وغالبية الأحزاب ليست إلا دكاكين صغيرة تُدار بمنطق الربح والخسارة! والقائمة الحزبية المغلقة أثبتت فشلها! لأن الناخب لن تكون له حرية الاختيار، أما القائمة المفتوحة يمكن اختيار النواب الذين نريدهم بشكل فردي.

المنادون بالإصلاح مصابون بالعمى لأنهم لا يدركون ان التطابق بين النصوص والوقائع هي المحدد الوحيد لنجاح اية انتخابات مهما كان نوعها، فـ الحزب الذي يجثم عليه الفساد هو حزب لا ينبض في الحياة، لأنه حزبٌ مشلولٌ، عالة على الوطن، عقبة أمام الإصلاح.

خلاصة القول أن: لدينا أحزاب في الأردن بينها وبين الوصول الى العبدلي مسافات ضوئية! فلماذا لا يتم حل أي حزب لم يتمكن من تجاوز عتبة معينة (1٪؜ أو 2٪؜ فَرَضاً).

كلكم تعرفون الأخطاء، وقد شخصها كثيرون، فهي معروفة لكم ولغيركم، قد نتحمل خيبات الأمل لكننا لا نستطيع تحمل فقدان الأمل.

المهندس البطاينة نائب سابق في البرلمان الاردني