الرئيسية / أخبار / الهجوم الإسرائيلي على إيران: قراءة في البوصلة الأميركية والتحولات الإقليمية

الهجوم الإسرائيلي على إيران: قراءة في البوصلة الأميركية والتحولات الإقليمية

د. شهاب المكاحله

بعد 25 يوما من التهديدات الإسرائيلية المتواصلة، شنّت القوات الإسرائيلية سلسلة من الضربات الجوية فجر يوم السبت، 26 أكتوبر 2024، على أهداف عسكرية إيرانية في مناطق متعددة شملت طهران وخوزستان وعيلام. تأتي هذه الهجمات في سياق تصعيد متبادل، حيث استهدفت إيران العاصمة الإسرائيلية في وقت سابق من هذا الشهر. وتتباين الروايات الرسمية بين طهران وتل أبيب حول الخسائر والأضرار الناجمة عن الهجوم، مما يعكس الصراع المستمر على النفوذ الإقليمي وتبادل الرسائل الاستراتيجية بين الطرفين.

التفاصيل العملية ونقل الرسائل التحذيرية

وفقا للمصادر، صرّح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانييل هاجاري، أن الهجمات بدأت قبل الثانية صباحا بتوقيت طهران وتضمنت ثلاث موجات متتالية، استهدفت في الأساس منظومات الدفاع الجوي الإيرانية ثم القواعد الصاروخية ومنشآت إنتاج الأسلحة والطائرات المسيرة. إسرائيل نقلت رسالة تحذير إلى طهران قبل الهجوم عبر ثلاث قنوات دولية، أحدها وزير الخارجية الهولندي كاسبر فيلدكامب، الذي نشر قبل الهجوم بساعات على منصة “X” تصريحا يدعو فيه إلى ضبط النفس والتهدئة، وأكّد فيه على ضرورة تجنب المزيد من التصعيد.

البوصلة الأميركية ودورها في ضبط إيقاع الصراع

يظهر التزام الطرفين بالبوصلة الأميركية كعامل رئيس في تجنب التصعيد الكامل نحو حرب مفتوحة، رغم استمرار التصريحات العدائية المتبادلة. وقد أوضح شون سافيت، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، أن “الهدف الأمريكي هو تسريع الجهود الدبلوماسية وتخفيف التوترات في الشرق الأوسط.” وتأتي هذه المقاربة الأميركية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، حيث تفضل واشنطن الحفاظ على استقرار الوضع الإقليمي وتجنب توسيع دائرة الصراع بما يهدد مصالحها في المنطقة.

الإطار الأميركي والإيراني للتهدئة

تتماشى المقاربة الأميركية للتهدئة مع استراتيجيات إيران في تفادي الانجرار إلى حرب واسعة، حيث أظهرت إيران انضباطا ملحوظا في ردود أفعالها وتجنّبت التصعيد إلى الحد الأقصى رغم الضغوط السياسية والعسكرية المتزايدة التي تواجهها. ومن ناحية أخرى، أكد الجيش الإيراني أن قواته نجحت في احتواء جزء كبير من الهجمات التي أسفرت عن أضرار محدودة في بعض المواقع، ما يشير إلى أن إيران قد أعدّت دفاعاتها بشكل مسبق وفقًا للرسائل التحذيرية التي وصلتها عبر القنوات الدولية. يأتي ذلك في وقتٍ توجّه فيه واشنطن تحذيراتها المتكررة لإيران لوقف استهدافها المتزايد لإسرائيل، في مسعى لتجنب تفاقم الأزمة.

التحديات التي يواجهها نتنياهو بين التصعيد والضغوط الأميركية

وجد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، نفسه في مأزقٍ سياسيٍ كبير، حيث تأتي العملية الإسرائيلية الأخيرة بمدى محدود يتعارض مع الوعود الكبيرة والتصريحات القوية التي أطلقها سابقا حول استعداده لتوجيه ضربة حاسمة تُحطّم القدرات العسكرية الإيرانية وتشكّل تهديدا وجوديا للنظام الإيراني. وفي المقابل، توضح التقارير أن نتنياهو قد خضع للضغوط الأميركية التي فضّلت الحفاظ على التوازن الاستراتيجي والامتناع عن تصعيدٍ قد يؤثر على الأوضاع الأمنية الإقليمية.

تؤكد التقارير أن نتنياهو، رغم إصراره المبدئي على التصعيد العنيف، اضطر إلى الالتزام بتوجيهات البوصلة الأميركية التي ركّزت على ضربات محدودة ترمي إلى إظهار القوة الإسرائيلية دون تجاوز الخطوط الحمراء، وذلك في ظل المواقف الأميركية التي تشدد على منع الانجرار نحو نزاعٍ شامل مع إيران، خاصة مع تعاظم التحديات السياسية الداخلية لنتنياهو.

التداعيات الإقليمية والتحولات الاستراتيجية المحتملة

مع الأخذ بعين الاعتبار حجم العمليات المحدود من الجانب الإسرائيلي، من المتوقع أن تلجأ إسرائيل إلى تصعيد جرائمها ضد المدنيين في غزة والحدود اللبنانية كإجراء تعويضي يهدف إلى استعادة الردع وتعزيز الصورة العسكرية لإسرائيل في أعين الجمهور الداخلي. من جهة أخرى، يتوقع أن تواصل إيران دعم حلفائها الإقليميين مثل حزب الله، بما يزيد من الضغوط على إسرائيل ويدفعها إلى إعادة تقييم حساباتها في المنطقة.

من المرجح أن تؤدي هذه التحولات إلى تكثيف الضغوط على “إسرائيل”، ما يجعلها أمام تحدٍ استراتيجي مزدوج يتمثل في مواجهة تصاعد الهجمات من حلفاء إيران الإقليميين من جهة، واستيعاب الضغوط الدولية، خاصةً من الولايات المتحدة، للحفاظ على الاستقرار الإقليمي.

ختاما، تظهر العملية الإسرائيلية الأخيرة كمحاولةٍ لاستعراض القوة ضمن حدود مدروسة بعناية، بيد أن آثارها الحقيقية على الأرض محدودة مقارنةً بالتصريحات الرنانة التي أطلقها نتنياهو سابقاً. ويبدو أن تفضيل الولايات المتحدة تهدئة الوضع وتجنب التصعيد يأتي على حساب الرغبة الإسرائيلية في توجيه ضربة قاصمة لإيران، ما يعكس حقيقة توازن القوى الإقليمي الجديد، حيث تلعب واشنطن دورا رئيسيا في توجيه بوصلة الصراع بعيدا عن التصعيد، مع الحفاظ على قواعد الاشتباك الراهنة.

مع احتمال تصاعد ردود الفعل الإسرائيلية تجاه المدنيين في المنطقة، تبقى خيارات إيران متعددة من خلال تحفيز حلفائها الإقليميين للرد، ما يجعل الشرق الأوسط في حالة من التوتر المتزايد الذي قد ينفجر في أي لحظة، خاصةً مع تعقّد المعادلات السياسية والعسكرية في المنطقة.