الرئيسية / أخبار / دعوة للتفاؤل !

دعوة للتفاؤل !

 أودّ أن أستعير عبارة قالها وزير الدولة للشؤون الاقتصادية صاحب الفكر الاقتصادي والمالي المُركب والمتعدد المستويات والأبعاد مهند شحادة إذ قال : دعونا نتفائل وننظر للأيام القادمة بأمل ،، وليكن التفاؤل أداتنا للتخلص من الإحباط والغرق في السلبية ! ولنأخذ الأمور وفق النوايا الطيبة البعيدة عن حالات اليأس ،، وان نتجاوز مرحلة خلط الأوراق إلى ترتيب الأولويات !

دعونا نتفاءل ليست دعوة منعزلة عن واقعنا الأردني ! لكن إذا كان لا بد من تفاءل فلتكن له أسبابه ،، وإلا سنحتاج الى جرعات تخدير إضافية …. وانا شخصياً لم تصدر مني منذ اكثر من عشرة سنوات أي نبرة تفاؤل ! والسبب كما قلت في مقالات سابقة هو فقداننا لمشروع وطن ضاعت منا صفحاته منذ زمن طويل ! فنحن نسير نحو المجهول بلا خطة او مشروع وطني يلتف الأردنيون حوله.

لا نريد هنا فتح جروح التنمية المعطلة ، ولا ذِكر ارقام العاطلين عن العمل ! ولا نِسب وأعداد الفقراء في الأردن ! فالخراب لا يحدث إلا في بلد فشل في التنمية وأخفق في بلورة نموذج اقتصادي يقود الى النهوض ! ومقولة الفيلسوف الأمريكي Noam Chomsky ماثلة وحاضرة أمامنا : ( لا يوجد شيء أسمه بلد فقير ، بل توجد دول فاشلة في إدارة مواردها ! )

القصة في ألاردن باتت أكبر من حكومة تستقيل وأخرى تحل محلها ! والمشكلة بالتأكيد ليست في الأشخاص ولا في نسبهم او أصولهم بل في مدى قدرتهم وكفاءتهم في إدارة شؤون البلد.

من الرائع ان تكون لكل دولة قصة نجاح تحتاج إلى فحص ودراسة ! إلا ان قصة سنغافورة هي المعجزة الأغرب والأكبر ، لأنها حولت دولة ضئيلة الحجم لا تمتلك أي موارد او مقومات اقتصادية ، لدولة حفرت نجاحات خارقة بين كبريات دول العالم.

واليكم قصتها ،،،،، في عام ١٩٦٥ قرر رئيس وزراء ماليزيا انذاك ( تونكو عبدالرحمن ) طرد سنغافورة من الاتحاد الماليزي الذي كانت تُسيطر عليه ماليزيا ،،، وبعد طردها من الاتحاد سأل احد الصحفيين الإنجليز رئيس وزراء سنغافورة ( لي كوان يو ) ماذا سيفعل؟ حينها كانت الجزيرة بلا موارد تجارية ولا طبيعية ! فاجاب : سنشكل حكومة نظيفة بأشخاص اكفّاء وسنحرص على اخضاع كل دولار من الإيرادات للمسألة ، والتأكد انه سيذهب إلى مشاريع التنمية والى المستحقين من الفقراء من دون ان ينهب في الطريق ،،،،،، ومرت سنوات وتوفي ( لي كوان يو ) وكانت الأرقام تُشير الى ان سنغافورة حصلت على الدرجة الأولى في اسيا بدخل المواطن الذي وصل إلى ٦٠ آلف دولار أمريكي / سنوياً ،، مع اقتصاد تجاوز ال ٦٠٠ مليار دولار / سنوياً.

بالتأكيد هناك عوامل كثيرة تختبر الحكومة القوية ،، أهمّها :

  • امتلاكها الولاية العامة على إدارة شؤون البلاد ! فالخطأ الكبير الاعتقاد ان الولاية العامة خاضعة للتجزيء ! فغالبية الحكومات في الاردن ان لم تكن جميعها لم تكن معنية بامتلاك الولاية العامة ولا حتى نصفها ! خوفاً من الدخول في صراعات مع مراكز الاستقواء داخل الدولة ،،،، حيث تنصلت من مسؤولية الملف الاقتصادي بحجة تعدد مراجعه !
  • الجدارة السياسية وقدرتها على صياغة برامج ونماذج تنموية ، واستجابتها للتحديات ، والتعامل معها وتوجيه مسارها بالشكل الصحيح.
  • ⁠خلق دورة اقتصادية غير ريعية لإحداث فرص عمل والتقليل من نسب الفقر المطقع والمتعدد الأبعاد.
  • ⁠التخطيط والتقييم والقياس وتحديد الأهداف ،، ورسم الاستراتيجيات ،، والتوقف عن عملية تضخيم ونفخ الأرقام.
  • ⁠كبح جماح التضخم وخفض الانفاق الحكومي والحد من عجز الموازنة والحساب الجاري.
  • ⁠حسن ادارتها للازمات وارتكازها على العنصر البشري، والاستثمار الوطني في التعليم لتحقيق التنمية المستدامة.
  • التوقف عن التدوير توزيع جوائز الترضية والأُعطيات.

لابد ان يكون طرح اليوم خارج الأنماط التقليدية وان يحمل إصلاحات جراحية مفصلية لمنطلقات إصلاحات مستدامة ،،، فـالتغير والإصلاح له ثمن : اما ان ندفع ثمن التغيير او ندفع ثمن ثباتنا في زاوية مغلقة ،،، واختيار سؤال الثقة السياسية وشراء القبول السياسي الشعبي ليس عشوائياً او اعتباطياً ! فالثقة عامل أساسي في تعزيز التنمية الاقتصادية وإرساء الحريات والديموقراطية

المؤشرات تعكس صعوبة الواقع ! وإشكالية التنمية في الاردن تكمن في عشوائية البرامج والخطط والسياسات ! وإذا ما عرفنا ان في ارفف رئاسة الوزراء والديوان الملكي مئات الخطط والحزم والاستراتيجيات والبرامج التنموية التي كُتبت وجُلدت ووزعت وأطلقت ، لكن للاسف غالبيتها كانت تدور في فلك الأحلام والأمنيات ، وتتضارب في مرتكزاتها وفي نسب نموها.

الأردن يعيش أزمات متشابكة، ومن الصعب ان نطمح لنمو اقتصادي حقيقي دون رصد لمستوى الإنتاجية ، وتعديل القوانين المتعلقة بالإنتاج ، وإلا سنستمر باسطوانة البحث عن القروض والمساعدات والهبات.

بالتأكيد التخطيط لا يسعى للتنبؤ بالمستقبل فقط ! بل إلى بلورة أهداف تتصف بالجرأة والحزم والتي باعتقادي وحسب ال Body Languge للرئيس حسان موجودة بشخصيّته، لكن السؤال : هل سيسمح له من قبل فرسان المعبد وسلطات الظل العميقة بحرية الحركة والعمل الجاد بخلق حالة تنموية جديدة والتحرك باتجاه اعادة الهوية للاقتصاد الأردني ؟

لا نملك إلا التمسك بالإصرار لاجتياز المرحلة المقبلة مهما كانت نتائجها ، فقد تعبنا من شدة الركض ولم نعد نعرف كم تبقى من الوقت لنتوقف عن الركض ،،، دعونا نتفاءل مع مهند ولو للحظة وان لا نيأس ! فربما يكون تفاؤل مهند بمحله ،،، فأعلى درجات التفاؤل هي في أوقات الأزمات والشدائد.

المهندس البطاينة نائب سابق في البرلمان الاردني