لافروف أكد أنه يتحدث إلى الإسرائيليين بهذا الأمر غير أنه من الواضح أنهم لا يصغون إليه كما هم العرب كشعوب أيضا الذين قد يكونون للمرة الأولى يستمعون للرأي الروسي بهذا المنطق الذي فيه رؤية لطالما لم تكن واضحة، الرئيس بوتين هو خليفة للقادة السوفييت وهم الذين كان لهم دور في أن تكون إسرائيل باقية رغم عقود الصراع مع العرب، بوتين ولافروف لديهما مقاربة تحتاج إلى استيعابها من المجتمع الإسرائيلي الذي يذهب به بنيامين نتنياهو وإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش إلى أقصى ما يعرّض الدولة الإسرائيلية لمخاطر قد لا تكون محاكمات الجنائية الدولية هي نهايتها بل بداياتها.
روسيا لديها تعريفاتها الخاصة للنظام الدولي، كما تمتلك تعريفًا واضحًا لسيادة الدول وعلاقاتها معها. وعلى النقيض من الانتقاد الذي وجهه لافروف إلى إسرائيل، كانت مقاربته لإيران مبنية على مفهوم العلاقة الندّية مع طهران. في هذا الملف غيّب لافروف الأيديولوجيا الدينية الإيرانية، فلم تكن حاضرة كما كانت مع إسرائيل. لغة المصالح المتبادلة واضحة، ليس فقط المتعلقة بالاستفادة التي تحصل عليها موسكو من طهران في تكنولوجيا الصواريخ والطائرات المسيّرة، بل لأن الإيرانيين يستنزفون الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ويشغلونها هناك.
العلاقة بين إيران وروسيا معقدة، ويمكن ملاحظة تعقيدها في سوريا كما في أوكرانيا. وهنا تظهر لقطة أخرى يجب على العقل السياسي العربي استيعابها والتعامل معها بواقعية، وهي المصالح المشتركة مع الحقبة البوتينية، التي تختلف عن تلك السوفييتية.
مقابلة سيرجي لافروف مع سكاي نيوز عربية هي أيضا سياق مهم في المحتوى الإخباري العربي؛ فهي تمثل انتقالاً كاملاً في مفهوم تقديم محتوى معلوماتي وإخباري غير تقليدي للمشاهد العربي، اعتدنا في هذه المنطقة على قوالب معدة سلفا في تقديم حوارات مع الشخصيات الفاعلة في المشهد الدولي غير أن السياق المختلف أن يأتي بهذا القدر من التناول العميق في المناقشة الفكرية والسياسية للملفات المعقدة في العالم.
من المؤكد أن هناك مشهديّة يمكن أن توصف بأنها ثورية في صناعة المحتوى الإخباري ترتكز على المعرفة والتحليل السياسي غير المستند على الأيديولوجيا الدينية، هذا ما يقوده فعليّا مدير سكاي نيوز عربية نديم قطيش في كافة الملفات التي يتم تداولها عبر المنصات التابعة للقناة، ومن اللافت في هذه الثورة الإخبارية أن تكون الزميلة اللامعة ميشيلا حداد هي المحاورة لوزير خارجية روسيا الاتحادية، فهذا تحدّ حقيقي في تقديم وجوه صحفية عربية جديرة بأن تتاح لها الفرصة لتأكيد أن العالم العربي منتج لإعلاميين مهرة قادرين على إنتاج محتوى يتخطى منطقتهم العربية ليصل إلى العالم.
تحدٍ يتطلب مستوى عاليا من الاحترافية والرؤية الشمولية، حيث تعتمد المقابلات على إستراتيجيات تحريرية مميزة تمكنها من تقديم المعلومات بشكل دقيق وموضوعي. ومع تزايد الاهتمام العالمي بالعالم العربي وأحداثه، يبرز دور الإعلام العربي في تشكيل الرأي العام الدولي وإيصال صوت المنطقة بشكل واضح ومؤثر. إن التجارب الإخبارية مثل تلك التي تقوم بها سكاي نيوز عربية تعكس تحولاً جذريا في كيفية تناول القضايا السياسية والاقتصادية، ما يسمح للمشاهدين بالوصول إلى تحليلات عميقة وموثوقة.
إذًا، أصبح الإعلام العربي بحاجة ماسة إلى تطوير مهارات الصحافيين والارتقاء بمستوى المحتوى إلى مصاف العالمية. إن هذا التوجه لا يغني فقط عن النمط التقليدي السائد، بل يعزز مكانة الإعلام العربي كمنافس جاد على الساحة الدولية، ويعمق الفهم المشترك للقضايا العالمية التي تؤثر على الجميع. في نهاية المطاف، يبقى الأمل معقودا على جيل جديد من الصحافيين الذين يسعون إلى إرساء محتوى يمكن أن يحدث الفارق ويعزز الحوار بين الثقافات والشعوب.