تعيش منطقة الشرق الأوسط على وقع انفلات كامل للصراع الإقليمي بعد أن تمكنت إسرائيل من توجيه ضربتين مؤلمتين للحلف الإيراني في المنطقة باستهدافها وقتلها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران وقائد عمليات حزب الله فؤاد شكر في الضاحية جنوب بيروت.
وبينما كانت الأنظار متجهة نحو إسرائيل لإشعال شرارة حرب شاملة في المنطقة بعد أن توعدت بالرد على هجوم مجدل شمس بالجولان، تسود حالة من الترقب بشأن رد الفعل الإيراني على اغتيال هنية بعد مرور أقل من 24 ساعة على استهداف شكر الذي قالت تل أبيب إنه المسؤول عن هجوم مجدل شمس.
وأكّد مصدر مقرّب من حزب الله الأربعاء العثور على جثّة شكر، بعد مقتله في غارة إسرائيلية استهدفت مساء الثلاثاء مبنى في الضاحية الجنوبية لبيروت.
واجتمع أكبر جهاز أمني في إيران لتقرير إستراتيجية في الرد على مقتل هنية، الحليف الوثيق لطهران، حسب قول مصدر مطلع على الاجتماع.
وقال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خليل الحية في مؤتمر صحفي بطهران الأربعاء إن حماس وإيران لا تريدان حربا إقليمية لكن هناك جريمة يجب معاقبة مرتكبها.
وقالت كتائب عزالدين القسام الجناح العسكري لحماس في بيان “عملية الاغتيال الإجرامية بحق القائد هنية وفي قلب العاصمة الإيرانية هي حدث فارق وخطير، ينقل المعركة إلى أبعاد جديدة وستكون له تداعيات كبيرة على المنطقة بأسرها”، فيما أعلنت إيران الحداد لمدة ثلاثة أيام وتوعدت بالرد.
وقال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الأربعاء إن “الكيان الصهيوني قد أعد لنفسه عقابا شديدا وإن الثأر لدماء الشهيد هنية من واجب إيران لأنه استشهد على أرضها”.
وشنت إيران هجمات مباشرة على إسرائيل في وقت سابق خلال الحرب في قطاع غزة، ردا على استهداف تل أبيب قنصليتها في دمشق ما أدى إلى مقتل ثمانية دبلوماسيين.
وتسلط الضربتان الضوء على قدرات إسرائيل الاستخباراتية إذ أن الهدفين من المفترض أنهما محاطان بكل الحماية الإيرانية سواء في طهران أو في الضاحية، كما تبرزان حجم الاختراق الإسرائيلي لإيران وحلفائها خاصة أن طهران وحزب الله كثيرا ما هددا بأن إسرائيل أقرب إليهما مما تتخيل، لكن تل أبيب عكست الموقف وتمكنت باستخباراتها وإمكانياتها العسكرية من توجيه ضربتين متواليتين بفاصل زمني قصير.
ورفض المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية ديفيد مينسر التعليق على مقتل هنية، لكنه قال إن إسرائيل في حالة تأهب قصوى تحسبا لأي رد انتقامي من إيران. ومن المرجح أن يقوض مقتل هنية مساعي التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في الحرب المستمرة منذ عشرة شهور في قطاع غزة.
لكن مينسر أكد في إفادة صحفية أن إسرائيل ملتزمة بمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة وضمان تحرير الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس في غزة.
ونددت قطر، التي تسهم بالوساطة في المحادثات الرامية إلى وقف الصراع في قطاع غزة بجانب مصر، بمقتل هنية. وقالت وزارة الخارجية في بيان إن مقتله “جريمة شنيعة وتصعيد خطير”.
وكتب رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني على منصة إكس “إن نهج الاغتيالات السياسية والتصعيد المقصود ضد المدنيين في غزة في كل مرحلة من مراحل التفاوض، يدفع إلى التساؤل كيف يمكن أن تجري مفاوضات يقوم فيها طرف بقتل من يفاوضه في الوقت ذاته؟”.
واعتبرت مصر أن “تزامن هذا التصعيد الإقليمي، مع عدم تحقيق تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، يزيد من تعقيد الموقف ويؤشر على غياب الإرادة السياسية الإسرائيلية للتهدئة”.
واستنكرت الصين وروسيا وتركيا والعراق مقتل هنية.
وأدان الرئيس الفلسطيني محمود عباس مقتل هنية، ودعت الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية إلى إضراب عام ومظاهرات حاشدة. وفيما تتركز الأنظار على اغتيال هنية، يبدو الأمر أكثر تعقيدا في مسألة ردود الأفعال على اغتيال شكر.
ويرى المحلّل في مجموعة الأزمات الدولية هايكو فيمن أن إسرائيل باستهداف الضاحية “صعّدت على مستوى الموقع، وكذلك على مستوى رتبة الشخص المستهدف”. ويضيف “هذا يعدّ تصعيدا لافتا، لكنه ليس بالضرورة دراماتيكيا إلى درجة تعني أن حزب الله سيقوم بردّ دراماتيكي أيضا”.
ويشير إلى أنه استنادا إلى “الأنماط السابقة، يتوقع أن يكون ردّ حزب الله تصعيديا من حيث النوع، كأن يطال هدفا عسكريا أعمق وأهمّ داخل إسرائيل”. وسبق أن هدد حزب الله بشنّ هجمات في عمق إسرائيل، إذا استهدفت بيروت.
ويخاف الجندي اللبناني المتقاعد إيلي موسى أن “يجرنا ما حصل إلى حرب”، معتبرا أن “إسرائيل لا تبالي وبإمكانها أن تقصف لبنان ساعة تشاء. وسبق أن هددت مرارا باستهداف البنى التحتية”.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الأربعاء إن إسرائيل لا تسعى لتوسيع رقعة الحرب لكنها جاهزة للتعامل مع جميع الاحتمالات، وأشاد بالقوات التي نفذت الهجوم على الضاحية جنوب بيروت.