اسيا العتروس
من قبضة بايدن الى قبضة ترامب… من التوحش الى مزيد التوحش.. يبدو أن النظام العالمي الجديد الذي لم يكشف بعد عن ملامحه القادمة بصدد يتجه من التطرف الى مزيد التطرف في غياب التوازنات الدولية التي تأبى أن تتحقق مع امتداد الحرب الروسية في اوكرانيا وغياب مؤشرات ظهور تحالفات دولية جديدة قادرة على قلب المعادلة السائدة و الخروج من دائرة سيطرة القطب الواحد او القطب الامريكي الذي يتحكم بادارة قواعد اللعبة مستفيدا من تحديات المرحلة وعدم وضوح الرؤية والاهداف والطموحات لدى كل من الصين و روسيا رغم أنهما من الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي و لكن جهودهما منفردين أو مجتمعين لم تساهما في تغيير او الحد من الازمات و الصراعات و الحروب التي تهدد أمن واستقرارالعالم..
المتأمل في المصافحة التي جمعت الرئيس الامريكي المنتهية ولايته جو بايدن و الرئيس العائد الى البيت الابيض دونالد ترامب لا يمكن أن تفوتهما تلك النظرة المتبادلة بين الرجلين بايدن المنكسر بعد الفشل القاسي الذي مني به معسكر الديموقراطيين و ترامب المتحدي العائد بقوة الى المشهد بعد كسب رهان البيت الابيض و الكونغرس بمجلسيه واشارته في لقطة لا يمكن أن تتجاهلها أعين ملاحظ بسبابته الى الامام وهو يواجه خصمه السابق الذي دفعه للانسحاب قسرا من السباق الانتخابي بعد أن اثار ملفه الصحي وعجزه عن قيادة أمريكا …المصافحة التي نقلتها مختلف وسائل الاعلام العالمية خلال الجلسة البروتوكولية التي جمعت الرجلين طوال نحو ساعتين كانت كفيلة بكشف توجهات الادارة الامريكية الجديدة و فريق ترامب القادم الذي تعجل الرئيس السابع و الاربعين للولايات المتحدة الكشف عنه قبل نحو ثلاثة اشهر من تولي مهامه بكل ما تعنيه الوجوه الجديدة التي سترافق ترامب للسنوات الاربع وهي التي وصفت حتى الان بالصقورالمتشددة حتى أن ترامب بتوجهاته غيرالمتوقعة ومواقفه يبدو من الحمائم بينها …
اللقاءبين بايدن و ترامب استمر نحو الساعتين و غابت عنه السيدة الاولى الجديدة الاستونية الاصل التي يبدو أنها لم تستسغ اللقاء حسب تسريبات الصحف الامريكية , ولكن الاهم من كل التفاصيل البروتوكولية في اللقاء ما يمكن أن تخفيه قبضة الرجلين وهما يجلسان وجها لوجه فيما بدا ترامب منتشيا بانتصاره العريض.و للوهلة الاولى يبدو المشهد موغل في رحاب الديموقراطية الامريكية و التعددية و التنافس الذي ساد بين الديموقراطيين و الجمهوريين طوال الحملة الانتخابية التي سادها العنف بكل ابعاده المادي و المعنوي مع ما تعرض له ترامب من طلق ناري خلال احد حملاته و ما ساد الحملة من الجانبين من خطاب تحريضي و من اتهامات بالفساد و الانحطاط و تهديد للديموقراطية ..
و اذا كان لقاء بايدن ترامب استمر محو الساعتين فان قراءة و تأويل لحظة المصافحة و ما تختزله من معاني و رسائل و اشارات في المشهد السياسي الامريكي استمرت ساعات و لايزال المحللون داخل و خارج امريكا يبحثون أبعاد ما تم تسريبه عن اللقاء و لكن الاهم يبحثون كيف سيكون أداء فريق ترامب و توجهاته و هل سيذهب ابعد مما ذهب اليه خلال فترة رئاسته الاولى و هل سينساق ترامب الذي يفترض ان يدشن مهامه في العشرين من جانفي القادم الى مجاراة أهواء صديقه ناتنياهو و يستمر في تعزيز الدعم العسكري له لاعادة ضم الضفة الغربية و استعادة غزة و المضي قدما في تطبيق خطة ابراهام و الوصول الى دفع المملكة العربية السعودية الى الدخول في مربع التطبيع و هل يمكن للمخاوف من تداعيات و انعكاسات جر ايران الى حرب واسعة في المنطقة أن تفرمل خطوات ترامب و تغير نظرته للسياسة بعد تجربته السابقة ؟
نقاط استفهام كثيرة تفرض نفسها و لا تجد لها أجوبة مقنعة في ظل مخاوف اوروبا و انشغالها من مفاجات ترامب و في ظل الترقب السائد في الحلف الاطلسي تحسبا لما يمكن لترامب اعلانه خلال المرحلة القادمة سواء في علاقة بالحرب الروسية في أوكرانيا أو بحرب الابادة المفتوحة في غزة أو كذلك بتنامي وتوسع قوة العملاق الصيني وكذلك توجهات كوريا الشمالية نحو تعزيز قدراتها النووية ..
ان كل ما حرص ترامب على كشفه خلال اللقاء توجيه رسالة طمأنة الى الرأي العام الامريكي بان انتقال السلطة سيكون سلسا في محاولة لطي صفحة غزة الكونغرس التي اعتبرت ضربة قاسمة للمجتمع الامريكي و لمصداقية و صورة أمريكا في العالم بما تجاوز وقعها هجمات الحادي عشر من سبتمبر ..
عودة ترامب الى المشهد بعد اعادة انتخابه للسنوات الاربع القادمة لن تخلو من المفاجات غير المسبوقة و سيكون من الصعب استباق الاحداث أوالتكهن بما يمكن أن يذهب اليه و لاشك أن في اختياره رجل المال و الاعلام و الاعمال اليون ماسك الذي قاد و مول حملته الانتخابية ما يوحي بتحولات جذرية و من يدري فقد يكون اليون ماسك بصدد استكشاف عالم السياسة و لعله يستعد بدوره لخوض المعركة بعد نهاية ولاية ترامب و تدشين البيت الابيض ..
ايلون ماسك الذي لم يتضح دوره بعد في ادارة ترامب لن يكون المفاجأة أو الصدمة الوحيدة في فريق ترامب الذي يبدو أنه اختار المذيع بقناة سي أن ان و المحارب السابق في الجيش الامريكي بيت هيغسيث Pete Hegseth لمنصب وزير الدفاع في إدارته المقبلة, في خطوة غير متوقعة خاصة و أن الاسم لم يكن ضمن الأسماء البارزة المطروحة للمنصب.و يبدو ان العلاقات الشخصية و الولاء بين ترامب و بين اعضاء فريقه المرتقب وراء هذه الخيارات ..
لا خلاف أن الرهان على ادارة بايدن لاخراج العالم من أزماته و ايقاف الحروب و الصراعات الدموية و انهاء ارهاب الاحتلال في الشرق الاوسط أشبه بالرهان على السراب ..قد لا يكون بايدن و ترامب وجهان لعملة واحدة بل الاكيد ان القادم ليس بالافضل ممن ذهب و لكن محنة العرب و الفلسطينيين الذين مازالوا يعولون على دور أمريكي لاهو بالعادل ولا هو بالشفاف ولا هو صاحب مصداقية و يتجاهلون انه سيتعين عليهم اعادة تحديد البوصلة و البحث عما يمكن أن يحقق الصدمة الخلاقة ويحدث التغيير المطلوب و يدفع الى اعادة ترتيب البيت و رتق ما بقي من الصفوف لعل الوافد الجديد على البيت الابيض يغير نظرته الى أصحاب القضية و يدرك أن خلف الشعب الفلسطيني الاستثنائي قيادة ملتزمة تشترك معه في التمسك بالحق المشروع في الحرية والكرامة بما يمكن أن يدفع صاحب البيت الابيض الى مراجعة و تغيير مواقفه و خياراته الغارقة في الظلم و الانحياز