يقول الفيلسوف البريطاني برتراند رسل “هناك حقيقة يجب أن نعترف بها، وهي أن الأشرار دائماً يتحدون ويقفون صفا واحدا، أما دعاة الخير فهم متفرقون وهذا سر ضعفهم”. هذه المقولة تتسق مع حالة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي يعمل لإقامة دولة الإخوان على سفوح الوعي المتهالك للجماعة التي نصبت نفسها متحدثا مُنتجبا، حيث تعمل على إضعاف المجتمعات وتفكيكها ليسهل استبدالها بالتدين الحركي الذي يستبيح كل شيء من أجل تحقيق النرجسية السياسية لمنظري الإسلام السياسي.
توحدت سهام الإخوان حتى تتمكن من الانتقام من الإمارات عبر حملة إعلامية منظمة والسبب يعود لفشل التنظيم في السيطرة على الإمارات والاستفادة من مواردها المادية والبشرية، بالإضافة إلى أن الإمارات تعمل بجد ووعي على استئصال الإسلام السياسي وتوظف الوعي النوعي الكامن في المجتمعات والأفراد لإحداث تغيير فكري يمثل مصدات لأفكار تدعي الفضيلة وباطنها ينخر الخير والحق والجمال.
يشن تنظيم الإخوان المسلمين في السودان هجوما عنيفا على دولة الإمارات حيث وصفها الرجل الثاني في الجيش السوداني بالمافيا، وجاء هذا الوصف كإسقاط للحالة التي يعيشها الإخوان في السودان الذين يمارسون سلوك المافيا من تخريب للاقتصاد وفساد واستخدام العنف ضد الآخرين. ظل تنظيم الإخوان في العالم عموما وفي السودان على وجه الخصوص يمارس الجريمة ضد السودان بما فيه ومن فيه والتخفي تحت مسميات دينية وأخلاقية عريضة.
جاء في لائحة التنظيم الدولي للإخوان “تحرير الوطن الإسلامي بكل أجزائه من كل سلطان غير إسلامي، ومساعدة الأقليات الإسلامية في كل مكان، والسعي إلى تجميع المسلمين حتى يصيروا أمة واحدة”. وكما هو معلوم فإن الإخوان لا يعترفون بالوطن والمواطنة ولذلك استخدموا عبارة الوطن الإسلامي. ولكن الخطير هنا دعوتهم إلى تحرير هذه المجتمعات من كل “سلطان غير إسلامي”، والسلطان هنا لا يعني الحاكم بل يعني السيطرة والنفوذ. ولكن، ما هو السلطان الإسلامي؟
للإجابة عن هذا السؤال تكفينا تجربة الإسلام الإخواني في السودان التي أفلحت في تمزيق المجتمع والوطن، أما على المستوى النظري فيقول سيد قطب “ليس في وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي”.
يعمل الإخوان بسياسة ناعمة، ويستخدمون تكتيكات متدرجة للوصول إلى المجتمع عبر الجمعيات والروابط والتجمعات المهنية والعمل الصبور على اجتذاب الشخصيات الفاعلة في المجتمع وتقديمها كواجهات للعمل العام، وهذا ما أرادوه في دولة الإمارات، وعندما انكشفت سحابة الزيف التي كانت تظللهم انقلبوا بتوظيف العواطف الدينية وتصوير الإمارات بأنها دولة تعادي الإسلام والمسلمين، كما قال بذلك منظر الإخوان القرضاوي. وعندما احتجت الإمارات على استغلال المنابر وتوجيه التهم من خطبة الجمعة كان رد فعل الجماعة سافرا، وقام المتحدث باسم التنظيم محمود الغزلان بتهديد الإمارات “بتحريك العالم الإسلامي بأسره وليس جماعة الإخوان فحسب ضد الإمارات”.
عمل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين على السيطرة على منطقة الخليج نتيجة للموقع الإستراتيجي ولتوفير المال الخليجي لتمويل نشاط التنظيم في العالم، ولكن لم ينجح المسعى وانقطعت أحلامه بتشييد جسور حسن البنا وسيد قطب في قلب الإمارات، وكانت الضربة التي وُجهت للجماعة قوية وأفقدتها الصواب.
نشأ تنظيم الإخوان المسلمين في الإمارات في العام 1974، وبدأ العمل تحت مظلة العمل الخيري والاجتماعي فنشط باسم جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي. يبدو أن التنظيم الإخواني صنف المجتمع الإماراتي كمجتمع يحتاج إلى إصلاح وتوجيه، وهنا تتضح رؤية الإخوان الاستعلائية التي تضطهد الشعوب وتنظر إليها بدونية بفرضية أن تنظيمهم هو الوحيد الذي يمتلك مفاتيح الإصلاح والتوجيه.
سعى التنظيم إلى تغيير بنية المجتمع الإماراتي بـ“أخونة” الحياة الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية، ولقد وضع المنظر الإخواني سعيد الحوى خطة السيطرة على الإمارات وقسمها إلى مراحل، وعرفت هذه الخطة باسم الأسس العامة للتحرك والتجنيد والتي تهدف، حسب وصفه، إلى التغلغل في رئة المجتمع.
شيد الإخوان قصورا من الرمال ظنوها مانعتهم من وعي الحكومة والشعب الإماراتي والإنسانية جمعاء، بدأوا بحشد الجماعات والأفراد ليصنعوا ثقبا ينفذون من خلاله واعتبروا أن ما يسمى بالربيع العربي ساعة صفرهم، وفقا للتوهم وسوء التقدير، وانتهى حلم التنظيم الدولي ببناء مركز إخواني في الخليج بالضربة التي نالها في يناير 2014؛ وذلك عقب صدور حكم قضائي من المحكمة الاتحادية العليا يقضي بحل التنظيم وإغلاق مكاتبه ومصادرة ممتلكاته وأمواله، وتبعت ذلك ضربة قوية من الإمارات لتنظيم الإخوان بإصدار محكمة أبوظبي الاتحادية الاستئنافية (دائرة أمن الدولة) الأربعاء 10 يوليو 2024 حكما بإدانة 53 متهما من قيادات وأعضاء تنظيم الإخوان المسلمين، كما عاقبت المحكمة ست شركات والمسؤولين عنها بغرامة مالية بلغت عشرين مليون درهم وبحل وإغلاق مقار هذه الشركات ومصادرة أصولها وحقوقها المادية والمعنوية والعقارات والواجهات المملوكة لها.
وبذلك تناثرت أحلام التنظيم الإخواني في السيطرة على الخليج ونتج عن ذلك حراك خليجي منظم لمواجهة التطرف. ولكن السؤال ما زال يطرح نفسه، متى تتحد قوى الخير، في كل العالم، لتوجيه الضربة القاضية لإخوان الشر وفكرهم المتطرف؟