الرئيسية / أخبار / الاردن: القفز في المجهول وحرق المراحل ! والدعوة الى الكونفدرالية من جديد ،، والهدف وَأد ملف القضية الفلسطينية دون مقابل !

الاردن: القفز في المجهول وحرق المراحل ! والدعوة الى الكونفدرالية من جديد ،، والهدف وَأد ملف القضية الفلسطينية دون مقابل !

المهندس سليم البطاينة

يُعرّف العمى السياسي بكونه العجز عن الإدراك ! فـعندما تفسد الكلمات يفسد معها كل شيء ! وقد يكون الشاعر النمساوي ( Rainer Rilke) أفضل من جَسّد الخذلان في عبارة واضحة هي : كل من اقترب مني اغتنى وهجرني ،،، فـ هنالك من يعيش حالة نكران لا تعنيه الحقائق ! يريد تفصيل مشهد جديد يخلط فيه الأوراق بالدعوة مجدداً الى موضوع الخَيَار الأردني في الضفة الغربية كما طُلب منه ،،،، ولما كانت المقالات والتلميحات تحدث احياناً كبالونات اختبار ، وليست وليدة الصدفة العارضة ،،، فَعلّه من اللافت ان يتصادف اللغط والتعبير.

اعتاد الأردنيون على وَصفات ومبادرات من خارج النص غير قابلة للترجمة ! كان آخرها مقال لأحد المسؤولين السابقين طالب فيه مباشرة بعودة مشروع الكونفدرالية من جديد كَوْن الضفة الغربية على حد رأيه أرضاً أردنية ! وهذه الدعوات ليست جديدة علينا ! ولا ينبغي لها ان تكون كذلك ! فهي تشكل عرضاً من أعراض قصر النظر والحمق ! الهدف منها فرض المشروع الصهيوني الكولونيالي على أرض الضفة الغربية وغزة ! وتفكيك المشروع الوطني الفلسطيني ، وتنفيذ ما تبقى من بنود صفقة القرن !

وعلى الرغم من حساسية هذا الموضوع حالياً لدى الرأي العام الأردني ،، إلا ان اللغز كان في الرسالة والتوقيت ! خصوصاً أن المقال جاء بالتزامن مع قرار الكنيست الإسرائيلي بالتصويت على منع قيام دولة فلسطينية بأي شكل من الأشكال ! وجاء قبل أيام من زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن ،،، نعم تجدّد السجال وعاد مقترح الكونفدرالية وانطلق رماده من جديد وتصدر نقاشات الأوساط السياسية والمحللين في الأردن !

كاتب المقال نفسه قال في اكتوبر ٢٠١٧ ان دستور عام ١٩٥٢ يحظر التنازل عن أي أرض أردنية ( المقصود بكلامه الضفة الغربية ! ) ، ولا يمكن تفسير قرار فك الارتباط عام ١٩٨٨ كما يراه إلا أنه تفويض من الأردن لمنظمة التحرير الفلسطينية لإدارة شؤون الضفة الغربية نيابة عنها ! وجادل بأن قرار الأمم المتحدة ٢٤٢ ، ٣٣٨ حدد الضفة الغربية كأرض أردنية ! وهذا ليس صحيحاً.

لا نحتاج كثيراً للتعمق في سرديات مقال المسؤول السابق ، فالسرديات غالباً لا علاقة لها بالحقائق ! وهي أوهام تُسوَّق لغايات سياسية ( معظمها مدفوع الأجر ) ! وهذا الشيء يستدعي وجود فلاتر للكلمات والعبارات التي يستخدمها أي كاتب أو مُحلل.

أيّة مبادرات وطروحات حالية هي طروحات ظالمة للحق الفلسطيني ، وبنفس الوقت تقضُ مضاجع الأردنيين ! كونها تدور كُلها كحل بديل من إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية ،،، وأي حديث عن الكونفدرالية هو قفز في المجهول ومساً مباشراً بأمن الأردن واستقراره لتغيير الجغرافيا والديموغرافيا  وإلغاء الدولة الفلسطينية ، وحل مشكلة اللاجئين والنازحين على حساب الأردن ،،، وهذا كلّه يأتي في سياق المؤامرة على الأردن وفلسطين لتفكيك ما تبقى من المشروع الوطني الفلسطيني.

المقال أحدث بلبلة وقلق وفقد السيطرة على فلاتره وأدواته ومفاتيحه ! وهذا ما حرّضني على نقده ! فمن يدقّق في الكلمات والعبارات المكتوبة سيجد أنها جزء من خلفية لمشهد قادم مرعب لا نعرف عنه شيئاً ،،، لكن ما لم يفطن له كاتب المقال أن الركن الأساسي لقيام أي اتحاد كونفدرالي هو تحقيق الدولة المستقلة ذات السيادة ،،،،، وهنا أريد ان اذكّر كاتب المقال بأن الضفة الغربية هي أرضٌ فلسطينية وليست أردنية ! وضم الضفة الغربية للأردن في خمسينيات القرن الماضي كان قراراً خاطئاً منذ البداية ،، وهو إجراء لم تعترف فيه أي دولة في العالم باستثناء بريطانيا وباكستان ،،،، كما أن محكمة العدل الدولية أشارت في عام ٢٠٠٤ ان الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية هي أراضٍ فلسطينية محتلة ،،،،، وفي عام ٢٠١٢ أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال في دولته على الأراضي الفلسطينية التي احتُلّت عام ١٩٦٧ ، وأصدرت وقتها الجمعية العامة مذكرة قانونية باعتماد اسم فلسطين كإسم لدولة فلسطين.

إن قضية فلسطين والقدس هي قضية كل إنسان شريف متمسك بالإنسانية ،، وهي فكرة لا يتبناها إلا الشرفاء، ولم تكن فلسطين أقرب إلينا مما هي اليوم ،،، والعلاقة بين الأردن وفلسطين يقررها الشعبان بعد قيام دولة فلسطين ، فتلك العلاقة لم تكن في يوم من الأيام كما ادّعَى كاتب المقال بأنها من أعقد الاسئلة ،،، فـ فلسطين تستحق كل الكلمات ،، فـ هي الحلم والمأساة والقهر والفرح، وتَسكُن في قلب كل أردني شريف وحجر زاوية بالنسبة لنا جميعاً ، وأيّ مبادرات وطروحات أياً كان شكلها مع فلسطين مرفوضة ! ما لم تقم دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.

الصمت هنا غير مبرر والكل يدفع فاتورته ! فلدى الأردنيين فوائض كثيرة من الخوف والقلق على مستقبل الأردن وعلى مستقبل فلسطين ،،، وهؤلاء المُصرّون دوماً على الاستعراض والحديث والكتابة دون غيرهم وفي وقت ليس المطلوب منهم إلا الصمت لم يستطيعوا يوماً إنتاج فكر سياسي واقتصادي محلي يستفيد منه الأردنيون.

المهندس البطاينة نائب سابق في البرلمان الاردني