الرئيسية / أخبار / إسرائيل بين الانقسام الأيديولوجي وانقسام المؤسسة العسكرية

إسرائيل بين الانقسام الأيديولوجي وانقسام المؤسسة العسكرية

التعريف المبسط للجيوش هو حماية الدولة من الاعتداء الخارجي والمحافظة على الحدود البرية والمياه الإقليمية والمجال الجوي، وقد يتدخل الجيش أحيانا في حالة فشل أجهزة الأمن المدنية في السيطرة على الأوضاع الأمنية داخل الدولة. وفي أغلب جيوش العالم يتلقى الجيش دعما من أجهزة عسكرية أخرى، فمثلا الجيش الأميركي في العراق يتلقى دعما من البحرية الأميركية (مشاة البحرية) ومن سلاح الجو (الطيران الحربي). كما يتدخل أيضا في حالة وقوع كوارث طبيعية (زلازل – فيضانات) كالمساعدة على إخلاء السكان في حالة توقع نشاط بركاني.

تشتهر إسرائيل بامتلاكها واحدا من أقوى الجيوش وأقوى الأجهزة الاستخباراتية في العالم، وخصصت على مدار تاريخها ميزانيات ضخمة للأغراض العسكرية، غير أن عملية طوفان الأقصى زادت من التساؤل عن جدوى كل تلك النفقات وعن مدى كفاءة أجهزة أخفقت في توقع هجمات المقاومة الفلسطينية وصدها.

لقد تراجع تصنيف قوة الاحتلال الإسرائيلي 5 مراكز خلال الفترة من 2017 حتى 2021 ليصبح في المرتبة الـ20 عالميا بعدما كان يصنف ضمن أقوى 15 جيشا في العالم، وفقا للإحصائيات العالمية. كان الجيش قبل ذلك يمتلك سمعة عسكرية كأحد أقوى الجيوش في الشرق الأوسط، ويحتل غالبا واحدة من المرتبات العشر الأوائل في تصنيفات جيوش العالم التي تنشر سنويا وتعتمد على معايير كثيرة، من بينها العتاد والآليات العسكرية وأنواع الأسلحة وتطورها التقني والتنظيم الإداري والجاهزية القتالية، وغيرها كثير من الشروط التي يجب توافرها في الجيش القادر على الانتصار في حروبه التي يخوضها أو في الدفاع ورد الهجوم.

قوة الدولة من قوة جيشها، وحالات التمرد التي تصيب أي جيش في العالم سبيل نحو ضعضعة قوتها وتآكل بنيتها. فتصنيف جيش الاحتلال من الجيوش الأكثر قوة في العالم، لا يعني الحفاظ على ترتيبه إلى ما لا نهاية فالأيام دول، وقد شاهدنا ما جرى لمؤسسته بعد الثورة الدستورية، وتعديل القانون بما يتناسب وأهواء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فكانت هناك الكثير من حالات التمرد في بعض الفرق وإعلان العصيان العسكري لفرق سلاح الجو، لكن جاءت أحداث 7 أكتوبر لتغير مجرى التاريخ وتوحد الصف في “مواجهة الخطر المحدق بإسرائيل” على حد تعبير الإسرائيليين.

لو استرجعنا التاريخ العسكري الإسرائيلي القريب، نرى أن الصراع الدائر اليوم في الداخل ليس صدفة. فبعيدا عن الصراع السياسي بين كبرى الكتل البرلمانية في الساحة الإسرائيلية وانقسام المجتمع بين يمين ديني وعلماني إلى يسار، لا يوجد خيار وسط. هذه الصورة أيضا اتضحت معالمها بعد السابع من أكتوبر، مما زاد في وتيرة الشقاق والخلاف الأيديولوجيين حتى في صفوف القوات المحاربة.

في العلم العسكري يجب ألا تكون في صفوف الجيش بؤر شقاق وخلاف كنتيجة حتمية للوضع السياسي القائم في البلاد. فالتمرد يحدث نتيجة أسباب عديدة، منها شح الموارد وقلة الرواتب وتضعضع الدعم اللوجيستي، وهذا مهم. لكن سرعان ما يتم التغلب على هذه الأمور في حال تمت تسويتها، وهذا يعتمد أيضا على حجم الانتماء للدولة ومشروعها السياسي والمحافظة عليه، وفي حال كان الخلاف في الرؤى السياسية هنا تكمن المشكلة.

في إسرائيل على سبيل المثال هناك تباين فكري في صفوف الجيش وهذا يعود إلى الحشد السياسي على الساحة، وما يجري اليوم هو خلاف على الرؤية اليمينية المتشددة التي تنادي بسحق الغزيين والقضاء عليهم، وهذا ما شاهدناه عبر فيديو مسرب لجندي يطالب فيه بالقضاء الكامل على سكان غزة واحتلالها، وحسب المعلومات التي رشحت فإن هذا الجندي يخدم في قوة الاحتياط، ولم يتضح بعد هل هو يميني متطرف أو غير ذلك.

مهما تكن الظروف والأسباب التي دفعت هذا الجندي ليحرض زملاءه على القتل، فإن هذا يعني أن هناك أصواتا أكثر تطرفا تصدر عن الجيش، والخوف أن تعم هذه الظاهرة وتنتشر، وفي هذه الحالة يكون قتل الفلسطيني في بيته وفي الطريق سهلا جدا. بمعنى آخر تغيب اللوائح الداخلية وتركن على الرف وتختفي لجان التحقيق الشكلية التي كانت تشكل عقب أي جريمة ترتكب ضد المدنيين الفلسطينيين العزل.

رغم أن وجود الرادع لم يكن يرتقي إلى المستوى المطلوب في محاسبة طغيان جنود الاحتلال، إلا أن سطوة جيش الاحتلال بعد السابع من أكتوبر زادت وحشية، وهناك قصص كثيرة نقلا عن شهود عيان سمعناها وشاهدناها تصل إلى حد التنكيل بالأسرى الفلسطينيين وخلال اقتحام البيوت للبحث عن مطلوبين. الشعب الفلسطيني بعد 7 أكتوبر بات قلقا وخائفا أكثر من أي وقت مضى، ومرد ذلك المعركة الشرسة التي يتعرض لها لأكثر من سبعة شهور.

نستخلص مما سبق أمورا عدة، أهمها حين تصاب المؤسسة العسكرية بالعُقم، وتعجز ماكينتها عن الدوران بالشكل الأخلاقي التي تأسست عليه وهذا نذير شؤم يهددها بالانهيار. مشاهد كثيرة في جيش الاحتلال توحي بذلك، ومنها الفيديو المسرب كما ذكرت، إضافة إلى ما حدث من عصيان بعد الثورة الدستورية وغيره.

في قادم الأيام سنشهد حالات عصيان أكثر في حال بقيت الفجوة موجودة بين وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان من جهة ورئيس الوزراء وحكومته الحالية من جهة أخرى.