الرئيسية / أخبار / الاردن: سلوك الدولة الاقتصادي يُحفّزُ على الجباية ويُكرّسُ الافتراس وشرعية العضلات !

الاردن: سلوك الدولة الاقتصادي يُحفّزُ على الجباية ويُكرّسُ الافتراس وشرعية العضلات !

المهندس سليم البطاينة

 

تقول الأديبة الأمريكية ( Helen Keller 1880-1968 ) ان الشيء الوحيد الأسوأ من كونك أعمى البصر هو وجود النظر دون رؤية !

إن مقولة “القانون حمار”  هي الترجمة العربية للعبارة الإنجليزية The law is an ass ، وهي عبارة شهيرة تنسب الى جورج تشابمان في روايته ( انتقام من اجل الشرف ! ) وهناك من يقول انها للروائي تشارلز ديكنز التي كتبها في روايته ( أوليفر تويست ) .. ما علينا ،،، سواءً كان القانون جحشاً أو كُرّاً ( الكُرُ هو ابن الحمار ! ) ، فإن التوظيف الحقيقي لتلك العبارة ان الدول التي تبحث عن استقرارها هي تلك التي لديها قوانين غير ظالمة وقادرة على مسك الإجراءات ،،، ولا يهم ما إذا كانت دستورية أم غير دستورية.

لن نتوقف عن ما صرخنا به سابقاً ، والحديث عن هذا الموضوع قد يطول ويغضب الحمقى ! لكنه الحقيقة التي يتجنب الكثير الحديث عنها ،،، وقد يُزعج نرجسية البعض أن الاردنيون يعانون من مجموعة من القوانين تخلو من الرحمة والإنسانية ! وان الدولة الاردنية تحولت منذ زمن الى دولة جباية دون تنمية ! لا تسابقنا فيها دولة أخرى في العالم في انتزاع كل ما تبقى من جيب المواطن وتعويض نقص الإيرادات من الغرامات وضرائب المحروقات و الرسوم والمخالفات ،،، الخ.

كثيرةٌ هي القوانين التي تم تداولها على مستوى واسع أمام الرأي العام الأردني ،،، فـ ليس القانون هو الذي يملي ما هو عادل ، بل إن العدالة هي التي تفرض ما هو غير قانوني وغير عادل ،،،، فـ حين يكون الصراع بين القانون والعداله فعلينا ان نختار العداله.

على الحكومات أن تعلم  أن تطبيق القانون بالطرق التي يحلو لها تطبيقها دون مراعاة الوضع الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي السيء للناس يخلق صراعاً غير متكافىء ! حيث تُفسره الحكومة على أنه حق تنظيمي ، بينما يراه الناس تغولاً عليهم.

لهذا يمكننا القول ان اللاّعدل لا شرعية له ولو بالقانون ! ومهما كانت القوة الظالمة التي شرعته ،،، فالعدل وحده من يمنح الناس الرغبة في قبول حق الدولة عليهم.

لا يوجد ما هو أشد وجعًا من الظُلم ، وما يحدث من عبث تخطى حدود المعقول ولا يمكن قبوله بأي شكل من الأشكال ! فـ تسطير مخالفة عن بعد وتكبيد المواطن مخالفة تكفي مصروف بيته لمدة أسبوع هي مزاجية يسودها بطش ، فـ سابقاً كانت الوسيلة الوحيدة لمخالفات السير هي دوريات السير حيث تقوم بمخالفتك وإعطائك الوصل لتذهب وتقوم بالدفع أو الاعتراض لدى القضاء ،،، أما اليوم فقد تعددت الطرق وتطورت من شرطي متخفي الى دورية مباحث بلباس مدني ، ناهيك عن مئات الكاميرات المزروعة هنا وهناك ! والشيء المؤسف ان قانون السير الحالي لم يعطي المواطن الحق في الاعتراض على مخالفته كما كان سابقا.

اليكم هذه القصة … قبل حوالي شهرين تقريباً وبأحد المناسبات تباهى أحد المسؤولين المصاب بمرض “السيكوباثية” ( وهو مرض يعني السلوك ضد المجتمع ) أمام الحضور وبتحدٍ ممزوجٍ بالغطرسة والحمق والاستهتار بأن مخالفات السير في القانون الجديد ستكون خيالية وإلزامية الدفع ! ولا حق للمواطن الاعتراض عليها وبناءً على ذلك قمنا بزرع مئات الكاميرات في كل مكان.

من الطبيعي ان يقارن الاردنيون حالهم الان وحالهم سابقاً ، وهذه المرحلة لم يصلها الاردنيون فجأة إنما كان لها مقدمات ! فـ أكثر من نصف دخلهم بات في قبضة الضرائب المباشرة وغير المباشرة من رسوم ومحروقات وغرامات ومخالفات وفوائد البنوك وأدوية وفواتير شركات الكهرباء والاتصالات.

حقيقة لا زلنا ندور في حلقة مفرغة ! وليس هناك من يريد ان يسمع او يرى حال الناس ! فعندما تستند الدولة الى قوانين جائرة تُكرّسُ الافتراس وتُشرّع شرعية العضلات ! يبرز السؤال التالي ؟ هل يستحق الأردنيون كل هذا ؟

نعم ،،، لقد تغوّلت عقلية الجباية وتوقف عقل صانع القرار ، وبات يختار أسهل الحلول التي لا تحتاج الى مجهود في إدارة شؤون الدولة ! وهذا يؤكد ان خلف كل تلك الممارسات ما هو إلا ضعف هيكلي في النظام الاقتصادي الاردني ! وأنه بات من الصعب الجمع بين الفشل الاقتصادي والجباية !

صدقوني ان كل ما نحتاجه اليوم هو إرادة سياسية فاعلة وسياسيين فاعلين حقيقين ! لكن أين هم وكيف الوصول اليهم ؟

 المهندس البطاينة نائب سابق في البرلمان الاردني