بعد توجه أنظار العالم خلال الأسابيع الأخيرة نحو التصعيد الإيراني – الإسرائيلي، وفي الوقت الذي كان فيه العالم يناقش “المسرحية” الإقليمية الدولية، تعود التصريحات مجددا بشأن “غزة” ومصيرها المجهول، وتعود معها التساؤلات حول رفح والبحث عن نهاية قريبة أو بعيدة لحرب استنزاف بشري طال أمدها ونكلت بأمن الشرق الأوسط وعكرت صفو السلم العالمي.
فتصريحات لقادة إسرائيليين تقول إن الجيش الإسرائيلي أتم استعداداته لعملية رفح بانتظار قرار المستوى السياسي.
أي، يبدو أن إسرائيل مستعدة لبدء عملية عسكرية في رفح في أي وقت، ويبدو أنها عازمة على القضاء “بشكل كامل” على آخر عنصر في حماس، كما تقول. وتحرص على تأكيد تمسكها بأهداف حربها منذ أول يوم، بالرغم من العثرات، متبنية لفلسفة ميكافيلي “الغاية تبرر الوسيلة”، حتى وإن تم التنكيل بالقيم الإنسانية والبشرية بأكملها.
إسرائيل تحاول منذ أكثر من 6 أشهر تلقين الجميع دروسا آنية ومستقبلية بأفعالها وتصريحاتها وفرض معادلتها الخاصة على الجميع، بعدم تعرض أي جهة لها وعدم التفكير في رفض كيانها أو التفكير في محاربتها، بعد اليوم.
يقول البعض إن إسرائيل تستخدم رفح ورقة ضغط على حماس للوصول إلى اتفاق جديد على تبادل الأسرى وتحرير رهائنها.
تحرير الرهائن.. المهمة التي يبدو أن إسرائيل تفشل في تحقيقها بشكل سلس حتى اليوم، وتبدو أنها مهمة صعبة جدا في ظل الواقع الجغرافي المعقد لغزة، وبوجود حوالي 2 مليون فلسطيني في رفح إضافة إلى عناصر حماس المختبئة في شبكة أنفاق لم تدمر بشكل كامل بعد.
إذا، هل ما زلنا في وسط الطريق المظلم؟ وهل الحرب طويلة الأمد؟
يبدو كذلك، وكأن إسرائيل وحماس لا نية لأي طرف منهما في إيجاد مخرج لمأساة العصر.. قريبا.
بالرغم من كل مشاهد الدمار الإنساني المادي الهيكلي المعنوي العاطفي الشامل بغزة.. ووقف عجلة الحياة في الضفة، وتأثر حياة المواطن الإسرائيلي بشكل كبير بسبب الأوضاع الحالية، من تأثر الاقتصاد إلى تمدد التظاهرات وتصاعد الانقسامات الداخلية وتعاظم السخط الإسرائيلي الشعبي والسياسي.
إذا، على ماذا يراهن كل طرف منهما؟ ولماذا يبدو أن كل طرف متعنت برأيه ومتمسك بـ“لاءاته” بالرغم من قبح المشهد؟
لا تزال الأخبار والتصريحات تعصف بمحاولات يائسة في الكواليس لإعادة إحياء المفاوضات بين الطرفين، فيخرج بايدن و16 من قادة الدول الأخرى التي تحتجز حماس مواطنيها في غزة ببيان يدعون فيه حماس إلى قبول صفقة الرهائن المطروحة.
أما إسرائيل التي تهدد بورقة رفح، فتشير التسريبات إلى رغبة كامنة لديها بالعودة إلى الطاولة في محاولة للوصول إلى اتفاق بين الطرفين لإعادة الرهائن، لكسب ثقة الشارع الإسرائيلي من جديد ومحاولة تخفيف الضغوط الداخلية، وتخفيف الشرخ بين الحكومة والمعارضة وبين المستوى السياسي والعسكري.
حماس أيضا لا تملك الكثير، خاصة بعد خسارتها لرهانها على ورقة الضفة وغزة، وبالرغم من محاولاتها في الاستعانة بساحات أبعد.
لكن المشهد يقول: كل المحاولات فشلت، ولا وجود تطبيقيا واقعيا حقيقيا لسياسة توحيد الساحات في هذا العالم. الضفة والقدس منهكتان إلى حد الموت ولا يبدو أن هناك أي قدرة حقيقية لهما بنجدة أي كان.
إيران الداعم الرئيسي لحماس، شاهد العالم المسرحيات الهزلية وحلبات مصارعة هشة بينها وبين تل أبيب دون تحقيق أي نتائج ملموسة. ويبدو أنها ما زالت مصرة على النأي بنفسها عن أي مواجهة مباشرة مع من تقول إنها تعتبرهم “أعداء”.
حتى ميليشياتها في العراق وسوريا، أخذت خطوة إلى الوراء منذ زمن، في محاولة للملمة شتات العراق المتشظي والحفاظ على بقايا سوريا المنهكة.
بقي لبنان وحزب الله وحرب مسيراته وصواريخه مع إسرائيل التي لا أثر حقيقيا سياسيا عسكريا أمنيا لها ولا تغير أيا من معادلات الحرب.
حزب الله تبرأ منذ اليوم الأول من قيادة أي حرب علنية ضد إسرائيل من أجل غزة مكتفيا بحلبة تصعيد محدودة.
ثم الحوثي في اليمن يعاني من انقسامات وفقر وتهالك في بنيته التحتية والثقافية والاجتماعية، إلى جانب الكوليرا والفيضانات ومآس إنسانية تحتاج إلى قرن وأكثر لاحتوائها!
إذا، غزة تُركت لوحدها تصارع مصيرها، وبعض الأطراف الأخرى تحاول فقط أن تكون “وسيطا” في محاولة للوصول إلى اتفاق يُخرج المنطقة من النفق المظلم.
لذا، قد يرى البعض أن هذه فرصة ذهبية أخيرة لحماس لمحاولة الوصول إلى اتفاق يوقف إطلاق النار ويُعطي لمليوني فلسطيني مُنهك ومدمر أملا في الحياة.. إن بقي أمل.
هذه فرصة ذهبية للطرفين لمنع استمرار كوارث إنسانية ونزيف بشري لا يتوقف.
على الطرفين تركيز الجهود وإحياء مفاوضات حقيقية، والتوصل بشكل مبدئي إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وإيجاد حلول بشكل تدريجي وإنقاذ ما تبقى من ركام وشبه حياة، بدلا من جر المنطقة إلى المزيد من الهلاك والدمار من أجل تحقيق مكاسب سياسية لا تعمر منزلا، ولا تعيد أمواتا، ولا تشفي قلوبا مهشمة، ولا تحيي أحلاما مبددة وغير قادرة على الحفاظ على كرامة الإنسان بعد الآن.
يجب البدء بخطوات جديدة واتخاذ مسار جديد في محاولة لإنقاذ المشهد من المزيد من الهلاك، وإلا.. وإلا ماذا؟
قد تطول الحرب، وتزداد الخسائر، وتتوسع دائرة الصراعات والمعاناة، وتضيع كل الفرص لإيجاد مخرج من هذا النفق الأسود.