يعطي كلام القيادي الحمساوي موسى أبومرزوق عن رغبة قيادة “حماس” في الانتقال إلى الأردن فكرة عن مدى جهل الحركة، التي هي جزء من تنظيم الإخوان المسلمين، بطبيعة المملكة الهاشميّة وتاريخها. كذلك، يعطي فكرة عن رغبة في إلحاق الأذى بالفلسطينيين والأردنيين في الوقت ذاته، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار هذا العدد الكبير من الفلسطينيين المقيمين في المملكة الهاشميّة بكلّ أمان.
قبل كلّ شيء، الأردن ليس أرضا سائبة كي يسمح لأبومرزوق وغيره من قياديي “حماس” بالذهاب بعيدا في الاستخفاف بهذا البلد الذي عمل كلّ ما يستطيع من أجل بقاء القضيّة الفلسطينيّة حيّة ترزق. الأكيد، أن القيادي الحمساوي يعيش في عالم آخر يجعله يعتقد أن في الإمكان انتقال “حماس” إلى الأردن بسهولة، من دون حسيب أو رقيب، كما لو أنّ الأردن هو لبنان المستباح إيرانيا إلى أبعد حدود. المملكة الأردنيّة ليست مستباحة ولديها جيشها ومؤسساتها الأمنيّة القادرة على حمايتها. الأهم من ذلك كلّه، أن الأردن دولة مؤسسات تعرف كيف تدافع عن نفسها بوجود أكثرية ساحقة من المواطنين تسعى إلى الاستقرار بعيدا عن الرغبة في التخريب والتدمير ليس إلّا…
أخطر ما في كلام أبومرزوق، الذي يمتلك دورا مهمّا داخل “حماس”، رفض تعلّم شيء من تجربة غزّة. هل انتهت “حماس” من تخريب غزّة وتريد الآن الانتقال إلى تخريب الأردن؟
الواضح أنّ القيادي الحمساوي الذي كان يتحدّث إلى فضائية إيرانيّة عاجز عن استيعاب ما حلّ بغزّة في ضوء شنّ “حماس” لهجوم “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي من جهة والردّ الوحشي الإسرائيلي من جهة أخرى. قضت إسرائيل على غزّة وجعلت القطاع أرضا طاردة لأهلها. من حسن الحظّ أنّه لا تزال توجد دول عاقلة مثل المملكة الأردنيّة الهاشمية تعمل بجهد، مع غيرها من العرب الشرفاء، من أجل وضع حدّ للحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة بغية إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعدما ارتكبت “حماس” جريمة “طوفان الأقصى” التي مهّدت لسلسلة لا تنتهي من الجرائم الإسرائيلية.
بدل أن تساهم “حماس” في وضع حدّ للعدوان الإسرائيلي، عبر استيعاب ما حصل على الأرض، إذا بها تريد نقل تجربتها الفاشلة إلى الأردن. هذه مدرسة الإخوان المسلمين الذين يزدادون سوءا بعدما صاروا على تماس مع الفكر السائد في إيران، وهو فكر يقوم على متابعة مشروع توسّعي على حساب كلّ ما هو عربي في المنطقة.
ليس سرّا أن الأردن مستهدف إيرانيا. ليس سرّا أيضا أنّ الحملة التي تشنّها “حماس” على المملكة الهاشميّة جزء لا يتجزّأ من الحملة الإيرانيّة التي من بين مظاهرها ممارسة ضغوط عبر أدوات مختلفة تستهدف الاستقرار في هذا البلد. من بين هذه الأدوات الإيرانيّة “حزب الله” في لبنان الموجود في الجنوب السوري، وميليشيات عراقيّة يجمع بينها اللون المذهبي من جهة والولاء الأعمى لـ“الجمهوريّة الإسلاميّة”، وليس للعراق، من جهة أخرى.
كلّ ما على أبومرزوق عمله هو العودة بالذاكرة إلى الخلف قليلا من جهة والسعي إلى فهم الواقع على أرض الأردن من جهة أخرى. بالنسبة إلى العودة إلى الذاكرة، يمكنه التوقف عند حدثين. أولهما أحداث أيلول – سبتمبر في العام السبعين من القرن الماضي. ما الذي كان حلّ بالفلسطينيين وقضيتهم لو لم ينقذهم الملك حسين وقتذاك من أنفسهم ومن مشروع الوطن البديل الذي أرادوا تنفيذه على أرض الأردن؟
مصيبة بنيامين نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين، الذين ينتمون إلى اليمين المتطرّف، في أنّهم ما زالوا يتوهمون بأن مشروع الوطن البديل للفلسطينيين في الأردن ما زال حيّا يرزق. دفن الملك حسين الوطن البديل وتكفّل الملك عبدالله الثاني بدفنه نهائيا عبر جهود دؤوبة استهدفت بقاء خيار الدولتين مشروعا قابلا للحياة وفي بال كلّ بلد مهمّ في هذا العالم.
لا حاجة إلى التذكير بالحدث الثاني وكيف استطاع الملك حسين إنقاذ حياة خالد مشعل عندما تعرّض لمحاولة اغتيال وقف خلفها عملاء إسرائيليون في عمان. ذهب العاهل الأردني الراحل إلى حد التهديد بإلغاء اتفاق السلام الأردني – الإسرائيلي في حال لا تسلم إسرائيل الأردن جرعة من الدواء المضاد للسمّ الذي حقن به عملاء جهاز “الموساد” خالد مشعل في أحد شوارع عمّان.
بالنسبة إلى فهم الواقع الأردني، ترفض “حماس” فهم أن أكثرية ساحقة من الأردنيين، خصوصا من ذوي الأصول الفلسطينيّة، ترفض توجهات الإخوان المسلمين. تقف الأكثرية الساحقة في الأردن مع الملك عبدالله الثاني وخلفه، لا لشيء سوى لأنّه عنوان للاستقرار والعقل السياسي الراجح الذي يصبّ في مصلحة كلّ مقيم على الأرض الأردنيّة. مَن مِن الأردنيين، سواء أكان من أصول شرق أردنية أو فلسطينية، لا يعرف أن المكان الوحيد الذي يستطيع أن يشعر فيه بالأمان هو الأردن…
ينطبق على “حماس” وموقفها من الأردن المثل القائل: اتق شرّ من أحسنت إليه. لو كان هناك خير من “حماس” لما كانت تسببت بما تسببت به لغزّة. كيف لمجموعة فلسطينية أن يكون فيها خير للأردن ما دام ليس فيها خير لفلسطين. يكفي للتأكد من ذلك مراجعة تجربة “الإمارة الإسلاميّة” التي أقامتها “حماس” في غزّة. منذ اليوم الأوّل لقيام “الإمارة الإسلاميّة” في غزة، قبل سبعة عشر عاما، لم تعمل “حماس” سوى على مشاركة إسرائيل في حصار القطاع وأهله. كان هدفها خنق غزّة قبل أن تقضي عليها. لا تزال تتابع هدفا واحدا هو هدف إسرائيلي. ليست حملتها على الأردن سوى في إطار هذا الهدف الذي بات الجميع على علم به، خصوصا في عالمنا العربي الذي لم يعد فيه مكان للمراهقين السياسيين الذين يرفضون الاستفادة من تجارب الماضي القريب ويصرّون على ممارسة الجهل في شأن كلّ ما له علاقة بالأردن من قريب أو بعيد.