الرئيسية / أخبار / “الأطلسي” في عامه الـ75

“الأطلسي” في عامه الـ75

احتفى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، أول من أمس الخميس، بذكرى تأسيسه الـ75، على وقع انضمام العضو الـ32 إليه: السويد. ومع أن قائمة الانتظار تتضمّن بلداناً ذات ثقل جيوبوليتيكي، مثل أوكرانيا وجورجيا والبوسنة والهرسك، على سبيل المثال، إلا أن أي توسّع نوعي للمعسكر الغربي لن يقف عند حدود قارّتي أوروبا وأميركا الشمالية. تتجاوز آمال “الأطلسي” القارّة القديمة، فهناك في الشرق الآسيوي كوريا الجنوبية واليابان، وفي الوسط كازاخستان تحديداً، وفي جنوب شرقي آسيا، الهند وماليزيا، وفي أوقيانيا أستراليا ونيوزيلندا، وفي أميركا الجنوبية، تبقى الأرجنتين الأقرب بحكم وجود خافيير ميلي على رأسها، فيما البرازيل تُعدّ الهدف “الأسمى” للحلف.

لن يتوقّف تمدّد تحالف راقب صعود “حلف وارسو” وتفكّكه، وانهيار الاتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا، واستقلال عشرات الدول الأفريقية والآسيوية عن استعمار أوروبي قديم. وإذا كانت روسيا البوتينية على ثقة بأن الحرب الأوكرانية حصلت بفعل تطلّع “الأطلسي” للتمدّد شرقاً، غير أن وقفه لن ينجح. في لعبة الدومينو، دائماً ما يكون دفع أول حجرٍ هو الأصعب، قبل أن تكرّ السبحة. خرجتا، فنلندا والسويد، من المنطقة الرمادية في صراع الأقطاب للانضمام إلى “الأطلسي” بفعل الغزو الروسي لأوكرانيا. عامان كانا كافيين لتحسم كل الأمم الاسكندنافية مصيرها، وأي خسائر جديدة للروس ستدفع دولاً عدّة، أبعد من جورجيا وأوكرانيا، لطلب عضوية “ناتو”.

لماذا تسعى بلدانٌ عدة إلى الانضواء في صفوف معسكر غربي بقيادة الولايات المتحدّة؟ في حالة دول أوروبا الشرقية، قد يكون ذلك بمثابة ردّ فعل سريع على حكم عقود للاتحاد السوفييتي فيها. وفي حالة جمهوريات سوفييتية سابقة، مثل ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا، فإن ذلك يعود إلى وضع حدّ لطموحات روسية غابرة. وإذا كان الاقتصاد هو جوهر حركة تلك الدول، فإنه أيضاً محرّك الطامحين إلى عضوية “الأطلسي”، خصوصاً تلك القابعة في دائرة مغلقة من التضخّم والغلاء. وعلى الرغم من أن اقتصاد معظم الدول الأعضاء في الحلف شهد تعثراً في حقبات عدة في العقود الماضية، إلا أنه لم يشكّل مبرّراً لها للخروج من الحلف أو حتى الابتعاد عنه. حتى أن حالة فرنسا بالانسحاب من القيادة العسكرية الموحّدة للحلف في عام 1966، وانتقال مقرّاته إلى بروكسل البلجيكية، لم تتضمّن انسحاباً كاملاً، بل تعديلاً على المهمّة الفرنسية في “ناتو”، قبل أن يعود الفرنسيون في عام 2009 إلى القيادة.

سيعتمد أي تمدّد مستقبلي للحلف على جملة عوامل، أهمّها أن الطبيعة تكره الفراغ، والبديل عن الحلف الجماعي هو تحالفات عسكرية إقليمية في مواقع جغرافية محدّدة، أو تحالفات عسكرية قارّية. في الحالتين لن ينجح أيٌّ منهما، لأن “ناتو”، وإن انتقده كثيرون، تحديداً الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والأميركي السابق دونالد ترامب، يبقى حاجة ملحّة لأعضائه. وتوسّعه عالمياً يخدم الأسواق المتحرّكة للدول الأعضاء، ويساهم أيضاً في صياغة القرارات في الكوكب. قد تكون بندقية “الأطلسي” هنا أكثر تأثيراً من قرار ما للأمم المتحدة. ولا أحد من أعضائه يرغب في التخلي عن هذه الميزة.

أما خصوم “ناتو”، روسيا بالدرجة الأولى والصين ثانياً، فيدركان أن فكرة توسيع الحلف حتمية في أذهان مؤسّسيه وأركانه، ويبقى عليهما مواجهته. بالنسبة للروسي، فقد أخطأ التقدير في اختيار الوقت لمواجهة التمدّد، وفقاً له. يكفي أن انضمام ثلاثي البلطيق تمّ في أيام بوتين بالذات، ورد فعله اللاحق في جورجيا وأوكرانيا لا يُعدّ مكسباً، بقدر ما أنه ساهم في غرس مطالب شعبيهما بالانضمام إلى “الأطلسي”. وكأن حكاية سوفييتية تتكرّر على أيدي بوتين. وبالنسبة للصيني، فإن تعامله مع توسع “ناتو” منبثق من التعامل الاقتصادي معه: “إذا كان ذلك سيُصرّف البضائع فإنه أمرٌ جيد، وإن لم يكن كذلك، فإن روسيا نموذجٌ خاسر في المواجهة”. يكفي بكين أن بوتين أعاد إيقاظ “الأطلسي” من رقاده مع دخول أول دبابة روسية إلى أراضي أوكرانيا.