كل المؤشرات تقول إن أسعار الذهب ذاهبة إلى ارتفاع، وربما قفزات، وإن بريق المعدن الأصفر لن ينطفئ، بل سيزداد لمعاناً وتألقاً في العام الجاري 2024، وربما في السنوات المقبلة، وأنه رغم قوة الدولار الحالية لأسباب، منها سعر الفائدة المرتفع وضعف العملات المنافسة، والإقبال المحموم على شراء العملات الرقمية والقفزات القياسية لسعر عملة البيتكوين وغيرها، إلا أنّ من المتوقع زيادة الطلب على الذهب، وبالتالي ارتفاع سعره، لدرجة أن مؤسسة مالية كبرى هي “جي بي مورغان”، أكبر بنك استثماري عالمي، توقعت زيادة سعر أونصة الذهب إلى 2500 دولار هذا العام بزيادة 300 دولار عن السعر الجاري.
ثمة عشرات المحفزات التي تدعم توقعات حدوث قفزات في سعر المعدن النفيس عالمياً خلال الفترة المقبلة، في مقدمتها توجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) نحو خفض سعر الفائدة على الدولار بعد زيادات قياسية بلغت 11 مرة منذ مارس/ آذار 2022، وأوصلت السعر إلى أكثر من 5%.
وهذا التوجه سيفتح الباب أمام خفض عالمي لأسعار الفائدة على العملات الرئيسية من قبل البنوك المركزية الكبرى، وبالتالي عودة المستثمرين نحو المضاربة في الذهب مرة أخرى كأداة استثمار شبه مضمونة تسبق السندات وغيرها.
لكن قرار خفض الفائدة على الدولار بداية من منتصف العام الجاري يتوقف على مدى تحقق هدف الفيدرالي في ترويض التضخم الجامح بشكل نهائي وخفض معدله لنحو 2%، وهذا الأمر بات محل شكوك البعض في ظل توقعات بزيادة موجة التضخم عالمياً لأسباب عدة، منها تداعيات حرب غزة التي قط تطول حتى الانتخابات الأميركية على الاقتصادات العالمية، واضطرابات البحر الأحمر، وتوقعات بزيادة أسعار السلع الرئيسية والمواد الخام والنفط والغاز والمعادن النفيسة.
أيضاً، من المحفزات التي تدعم زيادة سعر الذهب، احتمال عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة وفوزه في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، فهذه العودة سترفع منسوب المخاطر الاقتصادية، وربما التوترات الجيوسياسية حول العالم، واحتمال عودة الحرب التجارية الشرسة بين أميركا والصين التي يمكن أن تتوسع لتشمل حرب عملات واسعة النطاق في حال محاولة بكين تصدير أزمتها الاقتصادية لأسواق العالم وخفض أسعار سلعها للمحافظة على معدلات الصادرات والنمو والتشغيل.
أيضاً فإن احتمالات زيادة المخاطر الجيوسياسية حول العالم قائمة في ظل تزايد قلق الاقتصادات الكبرى والمؤسسات المالية والمستثمرين بشأن الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط وأوروبا، واستمرار الحرب في غزة واحتمال توسع رقعتها، وأيضاً الحرب في أوكرانيا التي لا تزال الولايات المتحدة وأوروبا داعمين بقوة لكييف، وإمكانية نشوب قلاقل واضطرابات سياسية أو عرقية في مناطق أخرى.
ثمة عشرات المحفزات التي تدعم توقعات حدوث قفزات في سعر المعدن النفيس عالمياً خلال الفترة المقبلة
كما أن مواصلة البنوك المركزية شراء الذهب تدعم بقوة الطلب على المعدن الأصفر، فرغم تراجع المخاطر الصحية الناتجة من جائحة كورونا وتراجع معدل التضخم في الاقتصادات الكبرى الذي بلغ أعلى مستوى له في أكثر من 40 سنة، وهدوء سياسات التشدد النقدي، فقد واصلت تلك البنوك شراء الذهب حيث اشترت نحو1037 طناً في العام الماضي.
كذلك زاد الطلب العالمي على الذهب بشراء كميات بلغت 4899 طناً في 2023 مقابل 4448 طناً في عام 2022. وواصلت الصين شراء مزيد من المعدن الأصفر مع حرصها على تقليص نفوذ الدولار في الاحتياطيات الدولية حيث تصدَّر بنك الشعب الصيني قائمة أكثر البنوك المركزية شراءً للذهب في 2023، بحجم بلغ 224.88 طناً.
هناك عوامل أخرى تدعم قوة الذهب وقيمته في الفترة المقبلة ليس لها علاقة بالمخاطر الجيوسياسية وتوجهات البنوك المركزية ومعدل التضخم ومرونة السياسات النقدية، بل تتعلق بالأفراد.
فالملاحظ أن هناك موجة شراء كبيرة للذهب من قبل الأفراد العاديين في الدول التي تشهد تهاوياً للعملات الوطنية مقابل الدولار وتخفيضاً مستمراً في قيمتها عبر التعويم، وتآكلاً متواصلاً في قيمة المدخرات.
هذا الأمر نلحظه في العديد من الدول العربية، ومنها مصر ولبنان والعراق وليبيا وتونس والسودان واليمن وتونس والأردن وسورية والمغرب. ونلحظه أيضاً في دول أخرى، منها الهند وباكستان وإيران وتركيا.
كل الطرق تؤدي إلى الذهب الذي يتعاظم دوره يوم بعد يوم مع تأكد الجميع، دول وبنوك مركزية، مستثمرين ومضاربين، أفراد ومؤسسات، أن بريقه لا يتعب العيون، بل يطمئن القلوب والجيوب ويزغلل العيون.