الرئيسية / أخبار / هجمات البحر الأحمر ومستقبل اقتصادات الخليج

هجمات البحر الأحمر ومستقبل اقتصادات الخليج

مع استمرار الحرب الإجرامية على غزة تدفع جميع الدول العربية تكاليف اقتصادية متصاعدة، خاصة مع استمرار الهجمات على السفن العابرة من البحر الأحمر، ولا يتوقف الأمر عند حدود الدول التي تتضرر بصورة مباشرة نتيجة لتلك الهجمات، بل يمتد الأمر كذلك إلى اقتصادات دول الإقليم كله والتي بدأت مؤشراتها الاقتصادية بالتراجع تحت وطأة تداعيات تلك الحرب.

ومنذ أيام قلائل صرّحت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، بأن الحرب الدائرة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أضرت بالفعل باقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، معربة عن خشيتها من أن تنعكس آثارها غير المباشرة على الاقتصاد العالمي إذا طال أمد القتال.

وتعاني دول الخليج تباطؤاً اقتصادياً كبيراً خلال العام الماضي في ظل الالتزام بتخفيض إنتاج النفط وتباطؤ نشاط القطاع الخاص الذي يعد الرافعة الرئيسية للتنويع الاقتصادي والانعتاق من تقلبات أسعار النفط وتأثراتها على مجمل الأوضاع الاقتصادية المحلية.

وبغض النظر عن عمق التأثيرات الحالية أو المستقبلية للتوتر في البحر الأحمر على الاقتصادات الخليجية من المؤكد أن تلك الاقتصادات تعاني تباطؤاً ملحوظاً، وأنها بحاجة إلى تسريع العمل بالأنشطة الاقتصادية غير النفطية.

تباطؤ نشاط القطاع الخاص في الإمارات

ومما يؤكد امتداد نتائج الحرب إلى النطاق الإقليمي هو ما أظهره مؤشر مدير المشتريات لشهر يناير/كانون الثاني الماضي والتي أبرزت تراجع نشاط القطاع غير النفطي في الإمارات العربية المتحدة إلى أدنى مستوياته في 5 أشهر مع تباطؤ وتيرة نمو الطلبيات الجديدة والتوظيف.

وانخفض مؤشر “ستاندرد آند بورز غلوبال” لمديري المشتريات في الإمارات في ضوء عوامل موسمية إلى 56.6 نقطة في يناير/كانون الثاني من 57.4 نقطة في ديسمبر/كانون الأول، وهي أدنى قراءة له في 5 أشهر، لكنه ظل فوق علامة الخمسين نقطة مما يشير إلى نمو النشاط.

وبينما كان تأثير انقطاع خطوط الإمداد على القطاع غير النفطي في الإمارات نتيجة لهجمات البحر الأحمر “بسيطاً” وفق المؤشر في يناير/كانون الثاني، أشارت “بعض الشركات إلى تأخيرات في التسليم وارتفاع إجمالي الأعمال المتراكمة وتقارير عن ارتفاع تكاليف الشحن من المشاركين في المسح”.

في الأثناء تراجع تفاؤل الشركات بشأن نشاط الإنتاج خلال الشهور الاثني عشر المقبلة، وساهم ضعف معدلات الطلب في تعميق قلق الشركات ودعم توقعاتها بالانخفاض الحاد خلال العام المقبل مع اشتداد المنافسة في السوق، وظروف المبيعات الصعبة.

وفي مطلع العام الحالي أشار البنك الدولي إلى نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 3.4% خلال العام الماضي وتوقع أن يرتفع إلى 3.7% في العام الحالي، وهو ما يعكس عدم تحقق توقعات البنك المركزي الإماراتي بمعدل نمو يفوق 5.5% وتأجّل التعافي المأمول والمنتظر منذ تداعيات فيروس كورونا.

الاقتصاد السعودي والعماني يتباطآن كذلك

تراجع مؤشر مديري المشتريات في السعودية إلى 55.4 نقطة خلال يناير/كانون الثاني الماضي، نزولاً من 57.5 نقطة في ديسمبر/كانون الأول، وهو الأمر الذي يشير إلى الانكماش في القطاع الخاص غير المنتج للنفط، إذ أفاد العديد من الشركات بتباطؤ الطلب بسبب الضغوط التنافسية، في حين انخفضت أعمال التصدير الجديدة للمرة الرابعة خلال ستة أشهر.

وأشارت الدراسة التي قام بها بنك الرياض كذلك إلى ارتفاع الضغوط التضخمية، فقد أدى الطلب القوي على مستلزمات الإنتاج وارتفاع أسعار المواد وتزايد مخاطر سلاسل التوريد إلى أكبر زيادة في تكاليف المشتريات منذ منتصف عام 2012، لكن أسعار المنتجات لم ترتفع إلا قليلاً، إذ أجبرت المنافسة المتزايدة الشركات في كثير من الأحيان على تجنب زيادة أسعارها.

وحقق الاقتصاد السعودي معدل نمو منخفضاً للغاية بلغ 1% فقط تقريباً خلال العام الماضي، مع توقعات بتحسنه بصورة محدودة خلال العام الجاري في ظل استمرار القيود على زيادة إنتاج النفط في إطار اتفاق مجموعة “أوبك+”.

ولم يكن الاقتصاد العماني أسعد حظاً، حيث سجل معدل نمو أقل من 2.5% العام الفائت، مع توقعات بتراجعه إلى نحو 1.4% فقط خلال 2024، وهو الأمر الذي يعد انكماشاً كبيراً بعد التعافي الملحوظ في عام 2022 وتحقيق معدل نمو بلغ 4.3%.

دول الخليج بحاجة إلى الإنتاج الحقيقي

أشارت تقديرات المنظمات الدولية إلى نمو الاقتصادات الخليجية بنسبة 1% فقط خلال العام الماضي، ويُعزى هذا الأداء الضعيف إلى انخفاض أنشطة قطاع النفط الذي يُتوقع أن ينكمش بنسبة 3.9%، في أعقاب تخفيضات الإنتاج المتتالية لـ”أوبك+”، بالإضافة إلى التباطؤ الاقتصادي العالمي.

ولا شك أن ذلك يشير بوضوح إلى عدم تحقيق خطط التنوع الاقتصادي التي تبنّتها دول المنطقة منذ ما يزيد على عقد كامل نتائجَها المرجوة حتى الآن.

والغريب أن معظم الدول الخليجية حاولت تنمية القطاعات الخدمية وفي مقدمتها السياحة لتشكل روافع اقتصادية مساندة للقطاع النفطي في المستقبل، وذلك على الرغم من عدم توافر مناخ مناسب لتلك الأنشطة في تلك الدول، وفي المقابل يبدو التوجه نحو قطاعات الإنتاج الحقيقي غير النفطي خياراً مؤجلاً حتى الآن.

فعلى سبيل المثال، هناك إهمال كبير للقطاع الزراعي الخليجي بذريعة طبيعة التربة الصحراوية وندرة المياه، لكنه حتى مع تغير المناخ وتساقط كميات كبيرة من الأمطار وصلت إلى حد السيول في بعض الدول الخليجية لم تعلن تلك الدول إجراءات وخططاً واضحة للاستفادة من هذا التحول الهام.

هذا لا يعني إنكار أنّ هناك بعض الخطوات في الاتجاه الصحيح، ولا سيما التوجه نحو مشروعات الطاقة البديلة، ومن أبرز تلك المشروعات مصنع “نيوم” للهيدروجين الأخضر في السعودية، الذي سينتج 600 طن من الهيدروجين الخالي من الكربون، فضلاً عن مشروعات كثيرة مماثلة في الطاقة النظيفة تبنّتها مختلف الدول الخليجية.

تمتلك الدول الخليجية الموارد المالية والبشرية القادرة على بناء نهضة تنموية حقيقية وعلى تجاوز الارتهان إلى تقلبات أسعار النفط العالمية، ومن المهم في هذا الاطار تأكيد احتضان مشاريع الإنتاج السلعية حيث تظل القطاعات الخدمية مساندة وأكثر هشاشة أمام التقلبات العالمية والتوتر المستمر في المنطقة، وفي المقابل يظل الإنتاج الحقيقي الرافعة الأساسية للاستقلال عن عصر الطفرة النفطية الذي أوشك على الزوال.