أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خطّة مستقبلية لترتيب الوضع في قطاع غزّة، تنطلق من فرضية القضاء على حركة حماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية المسلّحة. وهذه فرضية مستحيلة، فحركة حماس، وغيرها من فصائل المقاومة، ليست مرتزقة أو مجرّد مليشيات، ولا هي تنظيمات وظيفية تعمل لصالح أطرافٍ أخرى. وإنما هي تنظيماتٌ أيديولوجية قوتها الدافعة هي العقيدة الإسلامية، التي تُعرّف جوهر الصراع بأنه ديني ومطلق وأبدي، وليس مجرّد خلاف سياسي أو نزاع على أرض. وبالتالي، هو “صراع وجود لا صراع حدود”.
ثمّة فرضية أخرى غير واقعية في خطّة نتنياهو، وهي نزع سلاح الفلسطينيين في غزّة. وهو افتراض يتنافى مع الفشل الإسرائيلي الذريع في حرب غزّة بعد خمسة أشهر من القتل الجماعي والإبادة والجرائم ضد الإنسانية. لم تُحقّق إسرائيل خلالها هدفاً واحداً من تلك الحرب، وفي مقدمتها القضاء على حركة حماس وتصفية قادتها، فضلاً عن تحرير الرهائن الإسرائيليين.
تتسم أيضاً خطّة نتنياهو بالغموض في مسائل مفصلية ومهمّة لمستقبل غزّة، فهي لم تشر إلى من تحديداً الذي سيحكم غزة ويدير الحياة داخلها. فقط كلام عام عن توكيل مسؤولية الإدارة المدنية والنظام العام في غزّة، إلى “عناصر محلية ذات خبرة إدارية لا علاقة لها بحماس”. وبالتأكيد، ليس متوقّعاً بالمرّة إيجاد أفرادٍ داخل قطاع غزّة بهذه المواصفات المفصّلة على قياس مطالب إسرائيل، فحتى المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزّة وكذلك في الضفة الغربية، والذين لا ينتمون تنظيمياً إلى “حماس” أو غيرها من فصائل المقاومة، لا يمكن أن يعمل أي منهم لصالح إسرائيل، فضلاً عن أن يكون لأحدهم ولاءٌ أو توجّه موالٍ لإسرائيل، باستثناء قلّة من العملاء.
هناك أيضاً نقاط أخرى غير واضحة في الخطّة، وتحديداً بشأن كيفية التحكّم في التدفقات المالية لقطاع غزّة. حيث أشارت الوثيقة الخاصة بالخطّة إلى ضبط تدفّق الأموال وتوجيه مخصّصاتها، بالتعاون مع دول أخرى لم يحدّدها. بما يعني إلقاء مسؤولية المداخيل المالية التي ترد إلى الفلسطينيين في القطاع، على عاتق دولة أو دول أخرى، لتكون هي المسؤولة أمام إسرائيل وفي مواجهة الفلسطينيين. أي بدلاً من أن تتحمّل دولة الاحتلال مسؤولياتها المقرّرة قانوناً، يسعى نتنياهو إلى توريط دول أخرى. ونتيجة ذلك بالتأكيد تلبية تلك الدولة مطالب إسرائيل وإملاءاتها المجحفة بالضرورة بحق الفلسطينيين، أو اعتبار تلك الدولة معادية لإسرائيل وشريكة للفلسطينيين، وربما تصفها إسرائيل بالإرهاب.
في تلك الخطّة المُلتبسة فرضيات أخرى مثيرة للدهشة، فنتنياهو يفترض أنه سيجد تلك الدولة أو الدول التي ستنوب عن إسرائيل في مسؤولياتها، وتحقّق رغباتها ولو على حساب المدنيين الأبرياء في فلسطين. ويفترض أيضاً أن العالم سيقف صامتاً، بينما تباشر إسرائيل تصفية منظمّة دولية تابعة للأمم المتحدة هي “أونروا”، وتختار بدائل لها. بينما إلغاء “أونروا” وتصفيتها واختيار بدائل لها يتطلب أن تكون تلك البدائل متوافقة مع التوجّهات الإسرائيلية، وإلا ستعتبرها تل أبيب “مُنحازة” للفلسطينيين.
تبدو كل هذه الفرضيات خيالية، كما لو كان نتنياهو يطرح أفكاراً رومانسية لتسويقها داخلياً بغرض استهلاك الوقت. وخطّته تلك ليست سوى هروب إلى الأمام، ومغامرة غير مدروسة، هدفها الوحيد إبقاؤه رئيساً للحكومة الإسرائيلية وإطالة عمره السياسي. أما استناد الخطّة إلى أسس غير واقعية وافتراضات غير منطقية، فقد يجعلها سبباً في تعجيل نهاية حياة نتنياهو السياسية، فيكون سقوط حكومته المتطرّفة هو ثمن التعنّت وعدم تقبل الواقع الجديد الذي فرضه الفلسطينيون بعد 7 أكتوبر، ويرسّخونه يوماً بعد آخر.