الرئيسية / أخبار / موقف إدارة بايدن من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة… خلفيات الانحياز وحساباته

موقف إدارة بايدن من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة… خلفيات الانحياز وحساباته

اتخذت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، موقفًا متشدّدًا من عملية طوفان الأقصى، التي نفّذتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، صباح 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فأعربت عن إدانتها العملية التي وصفتها بـ “الإرهابية”، وعن وقوفها التام مع إسرائيل، ودعمها “حقّها في الدفاع عن النفس”، وتقديم كل العوْن الذي تحتاج إليه. وفي خطابٍ ألقاه بايدن، في العاشر من الشهر الجاري، وضع الحركة على قدم المساواة مع تنظيمَي القاعدة والدولة الإسلامية، ووصفها بـ “الشرّ المطلق”. في المقابل، أشاد بإسرائيل وبعلاقته الوطيدة بها، التي تمتدّ أكثر من خمسين عامًا، في حين لم تنَل معاناة الفلسطينيين جرّاء العدوان الإسرائيلي الواسع على قطاع غزّة نصيبًا في خطابه، وأشار إلى أن “حماس لا تدافع عن حق الشعب الفلسطيني في الكرامة وتقرير المصير”.

انحياز مطلق إلى إسرائيل

منذ الساعة الأولى لعملية “حماس” العسكرية التي استهدفت المواقع العسكرية والمستوطنات الإسرائيلية المنتشرة في محيط قطاع غزّة، تبنّى بايدن الرواية الإسرائيلية للحدث، بما في ذلك ادّعاءات ملفقّة حول قطع مقاتلي “حماس” رؤوس أطفال إسرائيليين، وزعم أنه شاهد صورًا تؤكّد ذلك. ورغم أن البيت الأبيض ذاته وبعض وسائل الإعلام الأميركية، التي لا تقلّ تعاطفًا مع إسرائيل، تراجعا عن تلك التقارير الملفقة، فإن بايدن لم يعتذر عنها. وعندما قصفت إسرائيل مستشفى الأهلي (المعمداني) في قطاع غزّة، في 17 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وهي المجزرة التي خلّفت مئات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين والمرضى الفلسطينيين، سارع بايدن وإدارته إلى تبنّي رواية إسرائيل التي تزعم إن المجزرة نتجت من سقوط صاروخ أطلقته حركة الجهاد الإسلامي.

الولايات المتحدة تنظر إلى إسرائيل أنها قاعدة متقدّمة لها في المنطقة، وهي تشكّل حجر الزاوية في مقاربتها الأمنية في الشرق الأوسط

وذهب بايدن إلى أبعد من ذلك في تأييده سياسات إسرائيل؛ فقد قال إنه أخبر نتنياهو في مكالمة هاتفية أنه لو واجهت الولايات المتحدة مثل هذا الهجوم، فإن ردّه سيكون “سريعًا وحاسمًا وساحقًا”، وهو ما يعني إعطاء ضوء أخضر لإسرائيل للاستمرار في الجرائم التي تصل إلى حدّ الإبادة ضد أكثر من 2.3 مليون من سكان قطاع غزّة. وقد أكّدت مذكرة داخلية مسرّبة من وزارة الخارجية الأميركية هذا التوجّه، تضمّنت توجيهًا إلى الدبلوماسيين الأميركيين بأن يتجنّبوا استخدام عبارات مثل “وقف التصعيد/ وقف إطلاق النار”، و”إنهاء العنف/ إراقة الدماء”، و”استعادة الهدوء”. وعوض ذلك، جعلت إدارة بايدن “القضاء” على حماس هدفًا أساسيًا لها، وهو الهدف الذي أعلنته إسرائيل. ويعدّ بايدن أول رئيس أميركي يزور إسرائيل وهي في حالة حرب، ويجتمع مع المجلس الوزاري الإسرائيلي الحربي المصغر، في 18 تشرين الأول/ أكتوبر، ما يجعل الولايات المتحدة شريكًا لإسرائيل في حربها ضد قطاع غزّة. وقد جاء الدعم الذي قدّمته واشنطن لإسرائيل في عدة مجالات.

الدعم السياسي والدبلوماسي

بعد خمسة أيام من عملية طوفان الأقصى، وصل وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى إسرائيل؛ ليظهر تضامن واشنطن معها. وشملت جولته كلًا من الأردن والسعودية وقطر والإمارات ومصر، وحاول فيها الضغط على الأطراف العربية لإدانة هجوم حماس، وطلب المساعدة في الإفراج عن رهائن أميركيين في قطاع غزة، فضلًا عن مطالبتهم ببذل الجهود لمنع توسع الصراع. وتقول رواية وزارة الخارجية الأميركية إن 29 أميركيًا قُتلوا في عملية “حماس”، ويُعتقد أن عدد الأسرى الأميركيين لدى الحركة يراوح بين 12 و15 أسيرًا.

ولم تشر إدارة بايدن إلى الأزمة الإنسانية في قطاع غزّة، خصوصًا بعد أن قرّرت إسرائيل منع دخول الماء والغذاء والوقود والدواء إليه، وأصدرت تحذيرًا لأكثر من 1.1 مليون فلسطيني (نصف سكان القطاع تقريبًا) مفاده النزوح من شمال القطاع إلى جنوبه، إلا بعد ضغوط مارستها دول عربية ومنظمات إنسانية حذّرت من أن القطاع على حافّة كارثة حقيقية. وأخذت إدارة بايدن تنسّق مع مصر وإسرائيل لفتح معبر رفح وإدخال مساعدات إنسانية، دخلت الدفعة الأولى منها في 21 تشرين الأول/ أكتوبر، بواقع 20 شاحنة، وفي اليوم التالي 14 شاحنة، وهي تغطي أقل من 5% من الاحتياجات الضرورية، علمًا أن إدارة بايدن اشترطت عدم حصول “حماس” على أي من تلك المساعدات. وبدأ بايدن وأركان إدارته، منذ الثالث عشر من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، يشيران إلى ضرورة أن تحترم إسرائيل القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، إلا أن هذه الإدارة لا تزال ترفض الاعتراف بأن عمليات القصف الوحشي التي تشنّها إسرائيل ضد القطاع، والتي أوقعت آلاف الضحايا، أغلبهم من الأطفال والنساء، وهجّرت مئات الآلاف من المدنيين، ودمرت البنى التحتية، تُعدّ جرائم حرب. وتتذرّع بأنه لا يمكن الجزم بحقيقة ما يجري في قطاع غزّة بسبب “ضباب الحرب”.

أعطى بايدن ضوءاً أخضر لإسرائيل للاستمرار في الجرائم التي تصل إلى حدّ الإبادة ضد أكثر من 2.3 مليون من سكان قطاع غزّة

وتعمل إدارة بايدن على تقويض أيّ جهدٍ دوليٍّ يدعو إلى إرساء هدنةٍ إنسانية، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع المحاصرين. وفي هذا السياق، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد مشروعَي قرارين، الأول قدّمته روسيا، والثاني قدّمته البرازيل؛ بذريعة أنهما لا يشيران بوضوح إلى حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وفي الحادي والعشرين من الشهر الجاري، قدّمت واشنطن مشروع قرار في مجلس الأمن ينصّ على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، ويطالب إيران بوقف تصدير الأسلحة إلى “المليشيات والجماعات الإرهابية التي تهدّد السلام والأمن في جميع أنحاء المنطقة”. وتدعو مسوّدة القرار إلى حماية المدنيين، بمن فيهم الذين يحاولون الوصول إلى مناطق آمنة، وتشير إلى أنه يجب على الدول الالتزام بالقانون الدولي عند الرد على “الهجمات الإرهابية”، وتحثّ على “إيصال المساعدات إلى قطاع غزّة من دون عوائق”.

الدعم العسكري

ما إن انتشر خبر عملية طوفان الأقصى حتى أمر بايدن بإرسال مساعدات عسكرية طارئة إلى إسرائيل، شملت ذخيرة وصواريخ اعتراضية خاصة بنظام القبّة الحديدية. وقرّر نشر حاملتَي طائرات نوويتين مع مجموعتيهما القتالية في المنطقة، الأولى، يو إس إس جيرالد ر. فورد، وهي الأكثر تطورًا في الأسطول الأميركي، وتحمل مع مجموعتها المقاتلة أكثر من 5000 من مشاة البحرية، وتضم قوات خاصة أميركية إضافية، ومعدات لجمع المعلومات الاستخبارية، وطائرات هجومية، وهي ترسو شرق البحر الأبيض المتوسط. والثانية، يو إس إس دوايت دي أيزنهاور، التي نُشرت في الخليج العربي، بهدف توجيه رسالة ردع لإيران، بعد أن كانت الأوامر الأولية صدرت بإبحارها نحو شرق البحر الأبيض المتوسط.

وتمنح حاملتا الطائرات الولايات المتحدة “قوة ضاربة” في المنطقة، إذ توفران معًا نحو 80 طائرة ذات قدرات هجومية، فضلًا عن طرّادات ومدمّرات وغوّاصات مجهزة بصواريخ توماهوك. ويمكنهما، أيضًا، مساعدة إسرائيل في صدّ هجمات الصواريخ الباليستية الإيرانية متوسّطة المدى المحتملة. وتقول واشنطن إن وضع تلك الأصول العسكرية في المنطقة يأتي بهدف منع أي طرف آخر من استغلال فرصة خوض إسرائيل صراعًا في قطاع غزّة، ومن ثمَّ فتح جبهات إقليمية جديدة ضدها، في إشارة إلى إيران وحلفائها في المنطقة، وتحديدًا حزب الله اللبناني.

تعمل إدارة بايدن على تقويض أيّ جهد دولي يدعو إلى إرساء هدنةٍ إنسانية، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع المحاصرين

إضافةً إلى ذلك، وُضِع ألفا من وحدة مشاة البحرية السادسة والعشرين في حالة تأهّب قصوى. وتعدّ هذه الوحدة قوة ردّ سريع قادرة على القيام بعمليات خاصة، في حال صدور أوامر لها لدعم عملية إجلاء واسعة النطاق لمواطنين أو أسرى أميركيين لدى الفصائل الفلسطينية. وستنضم مجموعة أخرى من مشاة البحرية يبلغ عدد عناصرها أكثر من 4000 إلى الأسطول الأميركي قبالة سواحل فلسطين المحتلة. وتنفي إدارة بايدن وجود نية لنشر هذه القوات في أرض المعركة.

وفي 19 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، أعلن بايدن أنه سيطلب من الكونغرس مائة مليار دولار مساعدات لأوكرانيا وتايوان وإسرائيل، إضافةً إلى مخصّصات لحماية الحدود الأميركية مع المكسيك. وأفادت الإدارة بأن المبلغ الذي ستحصل عليه إسرائيل هو 14 مليار دولار، إضافةً إلى ما تحصل عليه سنويًا؛ فهي تتلقى ما قيمته 3.8 مليارات دولار من المساعدات العسكرية الأميركية، على الأقل. وعلى مدى عقود، حصلت إسرائيل على أكثر من 154 مليار دولار مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة. وإذا أخذنا في الاعتبار نسب التضخّم، فإن مجموع ما تلقّته إسرائيل من الولايات المتحدة في الفترة 1946–2022، يصل إلى 245 مليار دولار تقريبًا.

خلفيات الانحياز الأميركي المطلق إلى إسرائيل

تفسر جملةٌ من الأسباب الانحياز المطلق لبايدن وإدارته إلى إسرائيل، وهي:

(1): الشغف الشخصي لبايدن بالصهيونية وبإسرائيل، وهو لا يفتأ يعيد تصريحًا أطلقه منذ عقود يتباهى فيه بصهيونيّته، “لا تحتاج أن تكون يهوديًا حتى تكون صهيونيًا”. وهو يكرر دائمًا أنه “لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان علينا أن نخترع إسرائيل”. وقد أعاد تكرار هذه المواقف، في خطابه في العاشر من الشهر الجاري، الذي كان الأكثر تماهيًا مع إسرائيل، وتبنّى على نحو مطلق موقفها.

(2): الحسابات السياسية؛ فاقتراب الانتخابات الرئاسية، العام المقبل، يمثّل فرصة لبايدن وللديمقراطيين لتقديم أنفسهم باعتبارهم داعمين أقوياء لإسرائيل وأمنها، بعد سنواتٍ من التوتّر مع نتنياهو وحكومته اليمينية، واستغلال الجمهوريين ذلك لاتهامهم بالتخلي عن إسرائيل، خصوصًا في ظلّ مساعي إدارة بايدن لإحياء الاتفاق النووي مع إيران. وتُظهر استطلاعات الرأي تراجع دعم الديمقراطيين لإسرائيل، وتحديدًا في صفوف الجناح التقدّمي في الحزب. وكانت علاقات بايدن قد شابها توتر كبير مع نتنياهو، هذا العام تحديدًا، على خلفية إصرار حكومة الأخير على تمرير حزمة قوانين “الإصلاح القضائي”، التي تسبّبت في انقسام إسرائيلي حاد. ويزعم الجمهوريون أن صفقة تبادل السجناء بين إيران والولايات المتحدة، الشهر الماضي (أيلول/ سبتمبر)، وما تضمنته من إفراج مشروط عن ستة مليارات دولار مجمّدة تعود لإيران، ساهمت في تمويل عملية حماس، رغم أن إيران لم تستلمها حتى الآن. كما أن إدارة بايدن وجدت نفسها في موقع الدفاع عن سياستها الشرق أوسطية؛ فقد حمّلها بعض الخبراء مسؤولية ما جرى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وعدّوه دليلًا على فشل مقاربتها للشرق الأوسط، التي قامت على توسيع الاتفاقات الإبراهيمية، التي بدأتها إدارة دونالد ترامب، للتطبيع بين دول عربية وإسرائيل، في حين تجاهلت الفلسطينيين. ويسوق الناقدون هنا تصريحًا لمستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، في 29 أيلول/ سبتمبر 2023، أشاد فيه بمقاربة الإدارة في الشرق الأوسط قائلًا: إن “منطقة الشرق الأوسط أكثر هدوءًا اليوم مما كانت عليه منذ عقدين”. وكان الافتراض القائم أن تحقيق نوع من السلام بين العرب وإسرائيل سيُرغِم الفلسطينيين على القبول بما تريد إسرائيل فرضه عليهم، بعد أن يجدوا أنفسهم معزولين في ظل تطبيع سياسي واقتصادي عربي – إسرائيلي، في حين أن الأحداث تُثبت أنه لا يمكن التغاضي عن معاناة الفلسطينيين ومطالبهم المشروعة بالحرية والكرامة والاستقلال.

اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، العام المقبل، يمثّل فرصة لبايدن وللديمقراطيين لتقديم أنفسهم باعتبارهم داعمين أقوياء لإسرائيل وأمنها

(3): علاقة التحالف الأميركي – الإسرائيلي الوثيقة؛ إذ إن الولايات المتحدة تنظر إلى إسرائيل على أنها قاعدة متقدمة لها في المنطقة، وهي تشكّل حجر الزاوية في مقاربتها الأمنية في الشرق الأوسط. إلا أن الهشاشة الأمنية والعسكرية التي بدت عليها إسرائيل صباح يوم السابع من أكتوبر فاجأت واشنطن وصدمتها وزعزعت ثقتها بها. وبهذا المعنى، يهدف التدخل الأميركي المباشر إلى منع حدوث انهيار إسرائيلي محتمل في حال توسّع الصراع، وما قد ينجرّ عن ذلك من تداعيات على الحسابات الاستراتيجية الأميركية. وبما أن إدارة بايدن جاءت إلى البيت الأبيض معلنةً أن الصين هي “التحدّي الجيوسياسي” الأساسي للولايات المتحدة، وبدرجة أقلّ روسيا، فإنها سعت إلى تخفيض الالتزامات الأميركية في الشرق الأوسط. وعمدت هذه الإدارة، لتحقّق ذلك، إلى محاولة البناء على مقاربة إدارة ترامب في توسيع نطاق التطبيع العربي – الإسرائيلي، خصوصًا على مستوى العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وبناء هيكل إقليمي أمني جديد مرتبط بها، وعزّزته بمكون اقتصادي، يتمثل في الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الذي طُرح على هامش قمة العشرين التي عُقدت في نيودلهي، في الشهر الماضي (أيلول/ سبتمبر)، لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية. وافترضت إدارة بايدن في كل ذلك أن إسرائيل ستكون بمنزلة الرافعة لحلفائها العرب لمعادلة النفوذ الإيراني وقدراته في المنطقة، إلا أن ذلك بدا كأنه يتداعى بعد هجوم حماس أخيرا. وهذا ما دفع إدارة بايدن إلى العودة إلى المنطقة لتمكّن إسرائيل من ترميم صورة الردع التي تلقّت ضربة كبيرة، وكي تمنع فتح جبهاتٍ جديدة ضدّها، قد تتسبب في حرب إقليمية ربما لا تتمكّن إسرائيل من مواجهتها.

خاتمة

تهدّد العملية العسكرية التي نفّذتها حركة حماس والمقاربة التي تبنّتها إدارة بايدن في مواجهتها بتقويض الاستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط؛ فالانهيار الإسرائيلي في الساعات الأولى للعملية وزيادة الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، بهدف ردع إيران ووكلائها عن فتح جبهة جديدة مع إسرائيل، إذا استمرّ عدوانها على غزّة، قد يجرّان الولايات المتحدة إلى حربٍ إقليمية لا ترغب فيها، فهي تريد أن تركز على تحدّي الصين لها. أضف إلى ذلك أن غياب رؤية أميركية واضحة في المنطقة وتوتير الأوضاع فيها قد يزعزعان استقرار بعض الدول العربية الحليفة، التي تخشى احتجاجات شعبية، فضلًا عن هواجس مصر والأردن من أن تدفع إسرائيل الفلسطينيين إلى موجات لجوء جديدة نحو حدودهما.

على صعيد الحسابات الانتخابية لبايدن، فإن انحيازه المطلق إلى إسرائيل في عدوانها الوحشي على قطاع غزّة، وإن كان قد يفيده من حيث العلاقة باللوبي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة، قد يكلّفه غاليًا من ناحية دعم التيار التقدّمي له والقاعدة الشبابية في الحزب الديمقراطي، فضلًا عن أصوات العرب والمسلمين في ولايات ترجيحية، من قبيل ميتشغان وفرجينيا وجورجيا وأريزونا، ومن هنا، قد ترتدّ حساباته ضده. وقد ترتب على موقف بايدن وإدارته المفرط في انحيازهما إلى إسرائيل وتغاضيهما عن معاناة الفلسطينيين، استقالاتٌ واستياءٌ واسع في وزارة الخارجية، وتوسّع هذا الاستياء ليشمل موظفين وأعضاء في الكونغرس، وتحديدًا من الجناح التقدّمي في الحزب الديمقراطي، فضلًا عن انقسامات في المجتمع وفي الجامعات، وحتى في شركات التكنولوجيا الأميركية، ووصلت تداعياته إلى هوليوود.