حمَّل بيان صادر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الجيش والاستخبارات الإسرائيلية مسؤولية الإخفاق في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، إثر تعرض مناطق “غلاف غزة” لهجوم من جانب مقاتلي حركة “حماس” الفلسطينية، قبل أن يحذف البيان ويعتذر عنه، إثر هجوم حاد من أعضاء في حكومته والمعارضة.
وقال نتنياهو في بيان نشره الأحد، على حساباته بمنصات التواصل الاجتماعي: “لم يتم تحذير رئيس الوزراء نتنياهو تحت أي ظرف من الظروف وفي أي مرحلة، من نوايا الحرب من جانب حماس”.
وأضاف: “بل على العكس، قدر جميع المسؤولين الأمنيين، بمَن فيهم رئيس مجلس الأمن (القومي) ورئيس جهاز الأمن العام “الشاباك”، أن حماس ارتدعت ومعنية بالتسوية”.
وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، نفذت “حماس” هجوما على مناطق في “غلاف غزة”، ردا على “اعتداءات يومية إسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولاسيما المسجد الأقصى في مدينة القدس الشرقية المحتلة”.
وقتلت “حماس” 1400 إسرائيلي وأصابت 5132، وفقا لوزارة الصحة الإسرائيلية.
كما أسرت ما لا يقل عن 229 إسرائيليا، بينهم عسكريون برتب رفيعة، ترغب في مبادلتهم بأكثر من 6 آلاف أسير فلسطيني، بينهم أطفال ونساء، في سجون إسرائيل.
وتابع نتنياهو في بيانه: “هذا هو التقييم الذي تم تقديمه مرارا وتكرارا إلى رئيس الوزراء ومجلس الوزراء المصغر للشؤون الأمنية والسياسية من قبل جميع أفرع الأمن وأجهزة الاستخبارات، حتى اندلاع الحرب”.
ومن المتوقع أن تبدأ لجان رسمية إسرائيلية بالتحقيق في الإخفاق بعد انتهاء الحرب، حسبما أعلن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في جلسة للكنيست (البرلمان) الأسبوع الماضي.
وأمام ذلك، أثارت تصريحات نتنياهو أزمة في حكومة الطوارئ، بالتزامن مع شن سياسيين إسرائيليين هجوما حادا عليه، رافضين تنصله من المسؤولية.
ودعا عضو حكومة الطوارئ الإسرائيلية المصغرة بيني جانتس، رئيس حكومته إلى التراجع عن تصريحاته.
وقال جانتس في تغريدة على موقع “إكس” (تويتر سابقا): “في هذا الصباح على وجه الخصوص، أود أن أدعم جنود الأمن والجيش، بما في ذلك رئيس هيئة الأركان، ورؤساء أجهزة الاستخبارات وجهاز الشين بيت”.
وأضاف: “حين نكون في حرب، فإن القيادة يجب أن تكون مسؤولة، وأن تقرر أن تفعل الأمور الصحيحة، وأن تدعم القوات بطريقة تمكنهم من تنفيذ ما نطالبهم بالقيام به. أي شيء آخر بخلاف ذلك يضر بصمود الناس وقواتهم”.
وطالب جانتس نتنياهو بـ”التراجع عن تصريحاته التي أدلى بها السبت، والتوقف عن التحدث في هذه القضية”.
بدوره، قال زعيم المعارضة يائير لابيد وهو رئيس الوزراء السابق أيضاً، إن تصريحات نتنياهو “تجاوزت خطاً أحمر”، عبر إلقاء اللوم على الأجهزة الأمنية والدفاعية، في “فشل إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول”.
وقال: “فيما يقاتل الجنود والقادة حركة حماس وحزب الله، يريد هو أن يلومهم بدلاً من دعمهم”.
وأضاف: “محاولات كهذه لتفادي المسؤولية، ووضع اللوم على المؤسسة الأمنية، تضعف الجيش فيما يقاتل أعداء إسرائيل”.
وطالب لابيد نتنياهو بالاعتذار عن تصريحاته.
وانضم جانتس إلى نتنياهو في حكومة طوارئ وطنية عقب الهجوم المباغت الذي شنته حركة “حماس”، فيما رفض لابيد الانضمام للحكومة رغم إعلانه الانفتاح مبدئياً على الفكرة، إذ اشترط لابيد استبعاد زعيمي اليمين المتطرف إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش من الحكومة، وهو ما لم يكن نتنياهو مستعداً لفعله.
فيما قالت ميراف ميخائيلي زعيمة حزب “العمل” (معارض): “بينما يخوص أبناؤنا لقتال بقطاع غزة، يقوم ابنه (يائير نتنياهو) بتمارين البطن في ميامي (بالولايات المتحدة)، ويجلس نتنياهو متجهما في مكتبه مع السيجار والشمبانيا، ويحمل قادة الجيش مسؤولية الكارثة”.
وأضافت أن “الجيش الإسرائيلي يقاتل حماس، ونتنياهو يقاتل الجيش الإسرائيلي وشعب إسرائيل.. إسرائيل ستنتصر”.
واستدعت إسرائيل أكثر من 360 ألفا من جنود الاحتياط للحرب؛ ما دفع صحيفة “معاريف” الإسرائيلية إلى التساؤل السبت عن عدم عودة يائير نتنياهو للالتحاق بالجيش.
وأمام هذا الهجوم، حذف نتنياهو البيان من منصات التواصل الاجتماعي.
وقال موقع “تايمز أوف إسرائيل” الإخباري إنه “مع تزايد الغضب بسبب تصريحاته التي ألقت باللوم على أجهزة الأمن والاستخبارات في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول المدمر، قام نتنياهو بحذف البيان”.
وأضاف الموقع: “تعرض رئيس الوزراء للهجوم من قبل عضو مجلس الوزراء الحربي زعيم حزب “الوحدة الوطنية” بيني غانتس، وكذلك زعيم المعارضة يائير لابيد، بسبب بيانه الذي يصر فيه على أنه لم يتلق أي تحذيرات بشأن نوايا حماس في أي مرحلة”.
ومع حذف نتنياهو بيانه بعد الانتقادات، حاول وزراء مقربين منه الدفاع عنه، وقال وزير الأمن القومي وزعيم حزب “القوة اليهودية” اليميني المتطرف إيتمار بن غفير: “المشكلة ليست في التحذير من نقطة واحدة، بل في الفهم الخاطئ برمته”.
وأضاف: “سياسة الاحتواء والردع المتخيل وشراء السلام المؤقت بثمن باهظ هي أب كل الخطايا”.
واستدرك بن غفير: “ولكن كل هذا ليس الآن. سيكون هناك متسع من الوقت لاحقًا لحساب مؤثر. الآن يقاتل جنودنا جميعا جنبا إلى جنب.. لن ننتصر إلا بالوحدة”.
أما وزير المالية وزعيم حزب “الصهيونية الدينية” اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، فكتب: “نحن لا نضعف قادة الجيش، ولا نضعف رئيس الوزراء، ولا نضعف الجمهور، إنهم يظهرون المسؤولية”.
وأردف: “إنهم يدعمون ويساندون بعضهم البعض، حتى عندما يكونون مخطئين. فقط بالوحدة ننتصر”.
ولاحقا، أقر نتنياهو، بأنه أخطأ في هذه التصريحات، وقال في تغريدة على منصة “إكس” (تيوتر سابقا): ” أخطأت.. ما قلته بعد المؤتمر الصحفي لم يكن ينبغي أن يُقال وأعتذر عن ذلك”.
وأضاف: “أعطي الدعم الكامل لجميع رؤساء الأذرع الأمنية. أقوم بتعزيز رئيس الأركان وقادة وجنود الجيش الموجودين على الجبهة ويقاتلون من أجل الوطن. معا سوف نفوز”.
ويرفض نتنياهو منذ الهجوم، الاعتراف بالمسؤولية، وقال سياسيون إسرائيليون إن نتنياهو فشل في تحمّل مسؤولية صد الهجوم، وأنه عمل على إعادة تشكيل صورته السياسية من خلال إلقاء خطابات نارية والتقاط صور مع القوات الإسرائيلية، كما التقى أقارب بعض الرهائن، بعد أكثر من أسبوع من أسرهم.
وقال الصحفي أنشيل فيفر، مؤلف السيرة الذاتية لرئيس الوزراء الإسرائيلي: “نتنياهو وقح للغاية، يدرك تماماً أن هذه هي أكبر مأساة في تاريخ إسرائيل ومسيرته السياسية، ولكنه يرى أن الاعتذار هو الخطوة الأولى نحو الاستقالة، وهو لا ينوي الاستقالة”.
ورأى مسؤولون إسرائيليون، أن الحكومة تواجه صعوبة في التوصل إلى قرارات متفق عليها بشأن حرب إسرائيل على غزة، أبرزها الاجتياح البري ومواجهة معضلة الرهائن المحتجزين لدى حركة “حماس”، ما أدى لتشكل حالة من “عدم الثقة”.
ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية عن مسؤولين عسكريين لم تسمهم، قولهم إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو “غاضب” من كبار مسؤولي الجيش الذين يتحملون المسؤولية عما حدث من نتائج إثر الهجوم واسع النطاق الذي شنته “حماس” في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ويتفاعل مع الآراء والتقديرات التي يعبر عنها الجنرالات، و”ليس في عجلة من أمره لتبني خططهم”.
وأشارت إلى أن عمل نتنياهو مع وزير الدفاع يوآف جالانت “يبدو صعباً” وسط قلق من العاصفة المتوقعة بعد انتهاء الحرب، إذ يتعين على حكومة الطوارئ المشكلة حديثاً اتخاذ قرار بالغ الأهمية في الأيام المقبلة، وربما في الساعات المقبلة.
ويتولى نتنياهو رئاسة الحكومة منذ 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهي توصف في الإعلام العبري بأنها “أكثر حكومة يمنية متطرفة في تاريخ إسرائيل”.