الرئيسية / أخبار / إيران والحرب على غزّة

إيران والحرب على غزّة

يسترعي الموقف الإيراني من العدوان الإسرائيلي على غزّة اهتماماً كبيراً، ذلك أن الكثير يتوقف عليه، والفارق توسّع الحرب نحو مواجهة إقليمية أشمل، أو بقاؤها ضمن حدود قطاع غزّة، كما تريد الولايات المتحدة، ومرحلياً إسرائيل.

بحسب التجارب السابقة (2008-2009، 2012، 2014، 2019، 2021) لم يستدع أي عدوان إسرائيلي على غزّة تدخّلاً مباشراً أو غير مباشر من إيران، أو من حلفائها في الإقليم (حزب الله خصوصاً) لدعم حركة حماس، أو حركة الجهاد الإسلامي، الأكثر التصاقاً بها. لكن الوضع الآن يبدو مختلفاً، مع تبنّي إسرائيل والولايات المتحدة سياسة تغيير النظام في غزّة (regime change)، فما العوامل التي تحكم سلوك إيران، وما قراءتها لاتجاهات في الحرب على غزّة، وكيف يمكن أن يتطوّر موقفها مع تغيّر الأوضاع على الأرض؟ قبل محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة، تنبغي الإشارة إلى أن إيران فوجئت، كغيرها، بعملية طوفان الأقصى، بحسب أغلب التقديرات المخابراتية الغربية والإسرائيلية، بمعنى أنه لم يكن لها دور فيها، ولم تشارك في اتخاذ القرار بشأنها، وقد شُدهت، كما الآخرون، بمستوى العملية وحجمها والنتائج التي حقّقتها. وهذا يقودنا إلى استنتاج مهم مرتبط بطبيعة علاقة حركة حماس بإيران، وحرص الأولى على تأكيد استقلالية قراراتها القائمة على حسابات واعتبارات محلية بالدرجة الأولى، بعكس الجهاد الإسلامي، التي تبدو أكثر ارتباطاً بالسياسة الإيرانية، مع ضرورة الانتباه، في الوقت نفسه، إلى وجود آراء متباينة داخل “حماس” حول درجة القرب/ البعد عن إيران بين قيادات الداخل والخارج، وبين العسكر والسياسيين.

لفهم السلوك الإيراني في الحرب الإسرائيلية على غزّة، ينبغي العودة قليلاً إلى الوراء، وتحديداً إلى فترة الحرب العراقية الإيرانية، التي تكبّدت فيها إيران خسائر بشرية هائلة (مليون قتيل وجريح)، فضلاً عن تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، التي ما زالت قائمة لدى الجيل الذي عاصر الحرب. صاغت إيران عقيدتها الدفاعية بعد انتهاء تلك الحرب على قاعدة “أبداً لن يحدُث هذا مجدّداً”، بمعنى أن إيران لن تقاتل في حرب أخرى على أرضها. ولأن إيران تعدّ أضعف أيضاً مقارنة بخصومها (إسرائيل والولايات المتحدة)، فهي لن تقاتل مباشرةً أيضاً، بل من طريق وكلاء أو حلفاء، ما يعفيها من تبعات المسؤولية. بناءً عليه، بادرت إيران إلى بناء أدوات إقليمية أو أنشأت تحالفات مع قوى تشاركها المواقف (فصائل المقاومة الفلسطينية) لتعزيز أمنها وتحقيق مصالحها الإقليمية. وجاء الغزو الأميركي للعراق (2003) ثم ثورات الربيع العربي (2011) فرصة لتعميم التجربة، فصار لها وكلاء/ حلفاء في أنحاء المشرق العربي (سورية، العراق، اليمن) إضافة إلى لبنان وفلسطين. وقد دمجت إيران هؤلاء في استراتيجية أمنها القومي، وصاروا جزءاً منها، بحيث صارت ترى في إضعافهم إضعافاً لها.

جاء ردّ فعل إيران على عملية طوفان الأقصى مُرحِّباً في العلن، لينسجم مع موقفها المعروف من القضية الفلسطينية ومن تحالفها مع حركة حماس، وغيرها من الفصائل في غزّة. أما في السر، فقد سادت حالة من الذعر في دوائر السلطة الإيرانية عندما صوّر الإسرائيليون والأميركيون ما حصل باعتباره هجمات سبتمبر جديدة. وخشيت إيران، بناءً عليه، تحميلها المسؤولية، والتصرّف أميركياً وإسرائيلياً وفقاً لذلك، حيث أدّت هجمات 11 سبتمبر (2001) إلى تغيير نظامين في أفغانستان والعراق. من هنا يُفهم خروج المرشد، علي خامنئي، لينفي شخصياً أي علاقة لبلاده بالهجمات. فقط عندما بدأت إدارة بايدن تحذّر من تكرار أخطاء سياسات ما بعد سبتمبر 2001، هدأ روْع إيران، وبدأت تفكّر في الاستفادة من “طوفان الأقصى”، وأيضاً في كيفية حماية “استثماراتها الخارجية”. وبين الخوف والرغبة في إظهار القوة تفاوتت التصريحات الإيرانية، ففيما هدّد وزير الخارجية أمير عبد اللهيان يوم 15 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري بالقول: “أوقفوا الحرب على غزّة أو سنضطرّ إلى اتخاذ إجراء”، جاء ردّ الفعل من القيادات العسكرية ومن البعثة الإيرانية في نيويورك بأنّ إيران لن تتدخّل في الحرب على غزّة ما لم تتعرّض مصالحها أو مواطنيها للهجوم.

في مقالة أخرى لاحقاً، أتناول كيف انعكست “طوفان الأقصى” على وضع إيران الإقليمي، وما الذي خسرته/ ربحته منها، وما خياراتها إذا نفّذت إسرائيل هجومها البرّي في غزة، وماذا لو توسّعت المعركة لتشمل حزب الله؟