المهندس سليم البطاينة
إلى أين نحن ذاهبون؟ لم يعد هو السؤال اليوم! ماذا يجري بات هو السؤال الذي ينتظر إجابة! وليس مضموناً أن نحصل على أجوبة شافية على أي منها ولا على غيرها، خاصة الأسئلة الغامضة مما هو مُثار هنا وهناك. فالروايات كثيرة ومثيرة وبعضها مكتملة الفصول، فهنالك أمور كثيرة تحدث في الاردن ولا يوجد كلام عنها غير إجابات بصيغ نافية، وكأنها في نفيها تؤكد بالإيجاب حقيقة ما تنفيه، وفي النهاية تُركت الساحة للإشاعات.
حيث تتسارع مخططات إنشاء مدينة عمان الجديدة في الخفاء (وعلى قاعدة استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود) وقلةٌ من يعرفون ذلك! وهذا ما أشارت له الكاتبان الكنديان Rachel Ketone و Michael Provost.
الكثير من الناس يتساءلون: كيف لدولة مثل الأردن تعيش على المنح والمساعدات الدولية أن تمتلك تَرف إنشاء عاصمة جديدة وبكلفة باهظة! وفي وقت تواجه الأردن تحديات اقتصادية (عجز في الموازنة، ونسب فقر فاقت المتوقع، وبطالة مُرعبة الخ، فالمال الذي سيُنفق على بناء مدينة جديدة الأولى استخدامه لتحسين الظروف المعيشية القاهرة للأجزاء الفقيرة في الأردن.
لست أدري من أين أبدأ؟ فأمامنا مشروع مُبهم وغامض! وكأن الأردنيين في غيبوبة عدم الفهم لما يدور حولهم، فالقادم من الأيام قد يحمل معه المفاجئات.
وعلى ما يبدو أن هناك قرارات جديدة وجريئة تتماشى مع التغير في الموقف الأردني ومع مصطلح (الأردن الجديد) الذي بشّر به السفير الأمريكي في عمان (Henry T. Wooster) وأن من بين تلك القرارات حسب صحيفة USA Today الأمريكية قبل شهر ستكون إلغاء قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية، وأن الإعلام الأردني سيبدأ بالترويج للمرحلة الجديدة القادمة.
الواضح أن الأردن لم يعد قادرًا على الصمود أكثر في وجه التسارع السياسي والضغوطات الأمريكية والإسرائيلية والإبراهيمية، وما إذا كان قادرًا على الصمود في موضوع الوصاية الاردنية الهاشمية على المقدسات،،،، وإذا رضخ الأردن لقرار فك الارتباط بالضفة الغربية، فإن ذلك يعني استسلام الأردن أمام نهاية حل الدولتين وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم والقبول بالأمر الواقع بتصفية القضية الفلسطينية من أساسها.
ان محاولات تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين لم تتوقف، وكافة الدراسات والمشاريع والخطط المطروحة سابقاً وحالياً تستهدف تفكيك المخيمات الفلسطينية في الأردن وباقي دول الجوار والإقليم ،،،،، والمشاريع والخطط لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين ركزت في شكل أساسي على توطينهم في البلدان التي يقيمون فيها، وإنهاء دور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (UNRWA) الشاهد الأممي الكبير على نكبة الفلسطينيين.
عودةً إلى صحيفة USA Today الأمريكية وعلى لسان الكاتبة Gabriella Miranda بأن لقاءات تمت قبل سنوات قليلة بين مسؤولين أردنيين وآخرين في الادارة الأمريكية عُرض فيها على الأردن لتوطين ما تبقى من اللاجئين الفلسطينيين مع إمكانية استيعاب ولم الشمل للفلسطينيين المقيمين في مخيمات سوريا ولبنان ومنحهم الجنسية الأردنية ودمجهم في هياكل سياسية واقتصادية مقابل تقديم أمريكا حزمة مساعدات ضخمة تنتشل الأردن من أزمته الخانقة.
الكاتبان Wayne Madsen و Seymour Hersh في صحيفة The New Yorker نشرا مقال أيضًا قبل شهر تقريباً وصفا فيه دور الأردن بالمثير للإعجاب في دعم اللاجئين الفلسطينيين، وان الاردن لطالما كان واحداً من أكثر شركاء أمريكا موثوقية في الشرق الأوسط، ويعتبر جزءاً مهماً في تأمين مصالح إسرائيل الأمنية والاستخبارية،،،، وكان من أوائل الدول التي وافقت على ضم إسرائيل لغور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية، شريطة عدم المس بالوضع القائم بالقدس والمسجد الأقصى.
أما صهر الرئيس الأمريكي السابق كوشنير (Kushner) الذي عاد مجدداً للظهور أكد أنه لن يكون هناك حق في العودة أو استيعاب لأي لاجئ فلسطيني في إسرائيل،،، حيث صرح لصحيفة Los Angeles Times أن خطة السلام الأمريكية (صفقة القرن) لا زالت سارية المفعول ويتم الآن تنفيذ بنودها،،، فهي تدعو على حد قوله إلى توطين دائم للاجئين الفلسطينيين في الأماكن التي يقيمون فيها بحيثُ تقام لهم ( مدن جديدة ) في أماكن توطينهم تُدفع تكاليفها من صندوق دولي سيُنشأ لهذه الغاية.
وبرأي المحللين السياسيين في كافة دول العالم أن فلسفة صفقة القرن في مشروعها الخطير تقوم على أساس إلغاء كامل لحَقّ العودة، وإلى إلغاء البعد الدولي والقانوني لقضية اللاجئين الفلسطينيين عبر استهداف الـ UNRWA وإلغائها بشكل كامل كغطاء أممي وقانوني، وبذلك ستتحول القضية من قضية سياسية إلى مسألة اقتصادية خاضعة لصندوق اللاجئ الذي تسيطر عليه أمريكا.
ما قاله كوشنير سابقاً أن صفقة القرن ستقدم للأردن أموالاً على شكل منح وقروض واستثمارات تصل إلى أكثر من ( ٧ مليارات دولار ) ستتوزع على مشاريع عديدة ذكر منها ( باص عمان الزرقاء بكلفة ١٥٠ مليون دولار ،،،، ومعالجة نقص المياه بقيمة ١٥٠ مليون دولار ، ودعم الطاقة البديلة بقيمة ١٥٠ مليون دولار ، وتطوير منطقة نهر الأردن بقيمة ٢٥٠ مليون دولار ، وقروض للشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال برنامج ( أُوبك ) بقيمة ١٢٥ مليون دولار ، وتطوير الحدود في العقبة ومنطقة الأغوار بقيمة ٤٠٠ مليون دولار ، وتطوير المطارات الأردنية بقيمة ٦٥٠ مليون دولار ،،،، وإنشاء ميناء بري في معان لخدمة مجمعات المدينة الحكومية والطريق الدولي بكلفة ٥٠ مليون دولار ،،،،،،، وبناء منتجع في شمال العقبة بالقرب من مشروع مرسى زايد مع تطوير كورنيش مدينة العقبة وبناء مدينة العاب مائية ، وفنادق وشواطئ بقيمة ١،٤ مليار دولار ( ٧٠٠ مليون دولار منها على شكل قروض ) ،،،،، ودعم وبناء خط مباشر (سكة حديد ) بين العقبة وعمان لدعم التجارة ونقل البضائع بقيمة ( مليار و ٨٠٠ مليون دولار) منها ٩١٣ مليون دولار على شكل قروض ولمدة عشر سنوات !
وأختتم حديثه للصحيفة الامريكية أن المسؤولين الأردنيين باتوا على علم بكل شيء،،، وما هو مطلوب من الأردن!
أظن وأنا أمضي لأجل محاولة معرفة الإجابة عن تلك الأسئلة، أني لابد أن أوضح أن العاصفة التي نعيشها نتيجة منطقية لمتواليات معروفة بمساهمة كل الأطراف في المشهد السياسي داخل الإقليم بالهرولة نحو إسرائيل!! وهنا نطرح شيئاً من الاسئلة لعلها قد تكون أحياناً أكثر فائدة من الأجوبة.
لابد من المكاشفة، فالغبار الذي يثيره البعض لإلهاء الناس بأمور جانبية يجب ان يتداركه العقلاء، وهناك إشارات قوية تصدر دون علمنا تدل على أننا مغيبون بفعل فاعل، فالتوقيت له دلالة مهمة، والخوف من ان نقع في فخ الاستدراج وان ينفلت الحاضر من بين أيدينا ونضحي على مستقبل مفتوح على المجهول،،، لذلك ولأسباب عدة ينبغي ان نهتم كثيراً بالتمييز بين ما يقوله البعض وبين ما يفعلونه! كما ينبغي ان نميز بين المصطلحات، ففي اللغة العربية تتشابك المصطلحات لكن معانيها مختلفة لا يفصل بينها إلا خيط رفيع.
وبعلاقة طردية تعلو أسئلة الرأي العام، إذا كان كل ما تقدم صحيحاً! وهو كذلك بامتياز يبرز سؤال: ماذا بعد؟
نائب سابق وكاتب أردني