خالد الجيوسي
لا يُمكن بأيّ حال من الأحوال، القول بأن العلاقات السعوديّة- الأمريكيّة قد وصلت إلى الباب المسدود المُوصِل لقطع العلاقات جرّاء خفض إنتاج النفط السعودي، فلا القواعد الأمريكيّة غادرت المملكة، والعمليّات المُشتركة العسكريّة التدريبيّة بين البلدين على حالها وفق جداولها المُعلنة، ولا بيع السلاح الأمريكي قد توقّف بمعناه الحرفي، فيما إدارة الرئيس الأمريكي بايدن لا تزال تدرس إعادة تقييم العلاقات مع السعوديّة، وتتوعّد بعواقب، لم يجر تنفيذ أي منها أو جرى تأجيلها بعد نتائج الانتخابات النصفيّة للكونغرس، في المُقابل أيضاً المملكة تتوعّد بييع سنداتها بالخزينة الأمريكيّة حال إقرار قانون “نوبك” لمُقاضاة “أوبك+”، والانضمام للبريكس، وبيع نفطها باليوان الصيني، ولا تزال أيضاً هذه جُملة تهديدات لم تُنفّذ أي منها على أرض الواقع.
مجلة “فوربس” الأمريكيّة قيّمت الغضب الأمريكي ورأت بأنه في حال وقف بيع السلاح الأمريكي للرياض فإن الجيش السعودي سيحتاج لعشر سنوات لتعويض الأسلحة الأمريكيّة، كما أن السلاح الجو السعودي سيتوقّف غدًا حال سحب الفنيين الأمريكيين، وهو ما سيدفعها للبدائل الروسيّة، والصينيّة، ومع هذا فإن الأمر بحسب خبراء المجلة المذكورة قد يحتاج لسنوات كي تتمكّن المملكة من التخلّص من السلاح الأمريكي، واستبداله.
ولكن مع هذا التقييم، تبدو العلاقات (السعوديّة- الأمريكيّة) في أسوأ حالاتها، وتحديدًا بعد تخفيض الرياض إنتاج النفط بمليوني برميل يوميّاً ضمن اتفاق “أوبك+” بالاشتراك مع روسيا، البعض يُشير إلى بعض التصريحات السعوديّة الأمريكيّة الإيجابيّة كقول مسؤول سعودي بأن الخلاف الأمريكي السعودي يجب حلّه، ولكن في المُقابل عبّر البيت الأبيض عن غضبه من تصريحات وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، بأن بلاده قرّرت التعامل بنُضج بعد الخلاف مع أمريكا حول قرار خفض إنتاج النفط، وقال البيت الأبيض بأن العلاقة مع السعوديّة “ليست قصّة رومانسيّة في مدرسة ثانويّة”، وهو التعبير الأكثر حدّة وسُخرية يصدر من واشنطن تُجاه الحُلفاء السعوديين.
مشهد الخلاف هذا مع الأمريكيين، قد تُعزّزه السعوديّة حال استقبالها الرئيس الصيني شي جينبيغ المُرتقب، وقيام الأخير بإعلان توقيت الزيارة رسميّاً، فقد تردّد سابقاً عن وجود زيارة لرئيس الصين للمملكة ولم تتم في الأشهر الماضية، فالرياض ستقوم بتحضير استقبال حافل ولافت للرئيس الصيني كما أعلنت سابقاً، وستكون قيادتها في استقبال الرئيس الصيني بالمطار، وستتعمّد لعلّها الترحيب به مُضاعفاً، وسيرقص رئيس الصين رقصة العرضة بالسيوف الشهيرة التي عادةً ما يرقصها الرؤساء الأمريكيين، وعلى عكس ما جرى من استقبال جاف للرئيس الأمريكي جو بايدن في زيارته الأخيرة إلى جدة، ولم يكن العاهل السعودي ولا ولي ولي عهده في استقباله بالمطار، والذي عاد بخُفّي حُنين، حين اعتقد أنه اتفق مع السعوديين على زيادة إنتاج النفط، ليتبيّن له العكس لاحقاً.
وزير الخارجيّة السعودي الأمير فيصل بن فرحان، لعلّه عاد ليستفز حلفاءه الأمريكيين الغاضبين من خفض الإنتاج النفطي، حين قال فعليّاً بأنه من المُتوقّع بأن يزور الرئيس الصيني الرياض، ولافت أن الرئيس الصيني يزور المملكة من موقع أكثر قُوّةً، بعد فوزه بولاية ثالثة في مُؤتمر الحزب الشيوعي، وقد رحّبت بلاده بانضمام السعوديّة لمجموعة “البريكس”، وهذا التحالف السعودي مع الصين لو اكتملت أركانه، سيكون مع أقوى رئيس صيني عزّز حُكمه لولاية ثالثة من خمسة أعوام لبلاده، ويُشابِه بذلك قُوّته قوّة مُؤسّس النظام الصيني ماو تسي تونغ.
وخلال الاجتماع الرابع للجنة الشؤون السياسيّة والخارجيّة المُنبثقة عن اللجنة الصينيّة- السعوديّة عبر الاتصال المرئي، التي ترأس فيها فيصل بن فرحان الجانب السعودي، فيما ترأس نظيره وزير خارجيّة الصين وانغ يي الجانب الصيني، تحدّث الأمير الوزير بن فرحان عن زيارة الرئيس الصيني المُرتقبة، مُؤكّدًا بأن اجتماعنا اليوم يأتي في توقيتٍ مُهم، حيث يسبق كما قال الزيارة المُرتقبة للرئيس الصيني للمملكة، وقبل انعقاد القمّة السعوديّة- الصينيّة، والقمّة الخليجيّة- الصينيّة- والقمّة العربيّة- الصينيّة.
رقصة العرضة هذه المرّة مع الرئيس الصيني، سيكون لها وقعها، وستُثير الكثير من الجدل في وسائل الإعلام العالميّة، ليس لأنها تجري للمرّة الأولى، فقد أدّاها الملك سلمان بن عبد العزيز مع الرئيس الصيني خلال زيارته العام 2016 في قصر المربع، ولكنها تكتسب أهميتها وفقاً لمُعلّقين، أوّلاً: كون الصين تعاظمت قوّتها عسكريّاً واقتصاديّاً مُنذ العام 2016 (ثاني قوّة اقتصاديّة في العالم وتشكيل جيش الأقوى بالعالم مع نجاح سياسة صفر- كوفيد)، وثانياً كون الرئيس الأمريكي الديمقراطي الحالي جو بايدن قد حُرم من الرقصة خلال زيارته الأخيرة لجدة وإهانته باستقبال جاف، وثالثاً كون الرياض تُريد إبطال مفعول فرضيّة الحماية مُقابل النفط (ثبت فشله بعد ضربات الحوثيين) مُستغلّةً حرب روسيا على أوكرانيا برفع مداخيلها من النفط، وها هي تُواصل تخفيض إنتاجها النفطي، لصالح حلفائها الجدد، روسيا، والصين، ولعلّها ستُقوّض الدولار الأمريكي حال حوّلت رغبتها الانضمام إلى تكتّل “البريكس” إلى واقع، وتجد ترحيباً من روسيا والصين بشأن ذلك الانضمام.
وتبدو تلك القمم الثلاثة المذكورة مع الصين ذات أهميّة بالغة، وستصدر عنها قرارات صادمة لعلّها ستُعاظِم الانزعاج الأمريكي من الحليف السعودي، المُتّهم أمريكيّاً بالانحياز للجانب الروسي في الحرب الأوكرانيّة بقراره خفض إنتاج النفط، وقد لا يقتصر التحالف الصيني على السعوديّة، فالوزير السعودي تحدّث عن قمّة خليجيّة- صينيّة- وعربيّة- صينيّة أيضاً، وإلى جانب السعوديّة- الصينيّة، وهي تُشبه إلى حد كبير القمم التي كانت تنظّمها السعوديّة على أراضيها، ويحضرها الرؤساء الأمريكيين، ويصدر عنها قرارات واتفاقات بالإيعاز الأمريكي، وحضور خليجي عربي من الزعماء والقادة والمسؤولين، ولكن هذه المرّة بوجود الرئيس الصيني، والتي تتحضّر بلاده لزعامة العالم، وأمريكا نفسها كما قالت تعد الصين الخطر الأكبر عليها وعلى زعامتها للعالم.
هذه القمم الثلاثة التي من المُفترض أن يحضرها الرئيس الصيني، قد تصدر عنها قرارات صادمة ومُؤثّرة للأمريكيين إذا اختارت الرياض الذهاب بعيدًا بخلافها مع واشنطن، مثل إعلان انضمام الرياض رسميّاً لتكتّل البريكس، وتأكيد بيع نفطها باليوان الصيني، والتخلّي عن السلاح الأمريكي حال حظر واشنطن بيعه للرياض رسميّاً، بكُل حال يبقى كل هذا مُجرّد تكهّنات، بانتظار التأكيد الصيني للزيارة، وهرولة الصّحافة لالتقاط صور الرئيس الزائر، وزيارته التاريخيّة للعربيّة السعوديّة.
وفيما يبدو أن التحالف الصيني السعودي بدا أكثر تحفّظاً منه بين الرياض وموسكو، مع صمت بكين المُثير للتساؤلات، والتي لم تُعلّق سفارتها في المملكة على الزيارة، ولا تملك خارجيّتها معلومات كي تُقدّمها بخُصوص زيارة الرئيس الصيني للسعوديّة كما قالت، مع غياب التأكيد الصيني لعقد القمم الثلاثيّة، لفت الوزير بن فرحان بذات التصريحات التي صرّح بها عن الزيارة الصينيّة المُرتقبة، إلى أن التجارة المُتبادلة بين بلدينا (الصين- السعوديّة) تسير بنسق تصاعدي، حيث احتلّت المملكة المركز الأوّل كوجهة للاستثمارات الصينيّة الخارجيّة في النصف الأوّل من عام 2022، وأصبحت الصين الشريك التجاري الأوّل للمملكة”.
ولعلّ الصين بنظر وجهة نظر البعض لا تزال تتفحّص مدى رغبة الرياض بالتخلّي عن التحالف مع واشنطن لصالحها، وتدرس توقيت زيارة رئيسها المُناسب وقد زار المملكة العام 2016، تدعم الرياض مواقف بكين السياسيّة بتأكيد الأمير الوزير فيصل بن فرحان على موقف بلاده الثابت من دعم موقف الصين الواحدة ورفضها التدخّل في الشؤون الداخليّة للدول وتسييس موضوعات حقوق الإنسان”.
ولعلّ الصين تُدرك أهميّة التفهّم السعودي لمسألة ما وصفه الوزير بن فرحان بتسييس موضوعات حقوق الإنسان، فالمملكة بمكانتها الإسلاميّة “أيّدت” سياسات الصين في إقليم شينغيانغ، ولم تقف إلى جانب الانتقادات الغربيّة بخصوص مُعاملة الصين للمُسلمين هُناك، وعليه هُنا، تبدو الرياض وبكين عازمتان على تعزيز علاقاتهما، فهذا ثالث لقاء بين مسؤولين بارزين بين البلدين.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من جهته يُواصل استغلال تراجع العلاقات الأمريكيّة- السعوديّة، ويُصرّح مُغازلاً بأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان جديرٌ بالاحترام، وأن روسيا ماضيةٌ في تعزيز علاقاتها مع المملكة، وتأتي إشادة بوتين هذه بالأمير بن سلمان، بعد أيّام على قرار السعوديّة خفض الإنتاج النفطي، فقرار الرياض هذا، يُساعد موسكو التي رحّبت هي الأخرى بانضمام السعوديّة للبريكس، يُساعدها على ضمان مداخيل بيع النفط، وهي التي لا تزال حربها مُستمرّةً في أوكرانيا.