الحرب الأوكرانيّة ستظل دائمًا حرب المُفاجآت الإعلاميّة والعسكريّة والنفسيّة من قِبَل الأطراف المُتورّطة فيها، ونحن نتحدّث هُنا عن دُوَلٍ عُظمى تملك ترسانات عسكريّة ضخمة، مدعومةً بأجهزةٍ دعائيّةٍ إعلاميّةٍ مُتقدّمة جدًّا يقودها خُبراء في عُلوم الاتّصال الجماهيري.
بعد هُدوء غُبار الحملة الدعائيّة الأمريكيّة الضّخمة حول دُخول المُسيّرات الإيرانيّة المُتقدّمة “شاهد 136” المُتطوّرة وتغييرها لقواعِد الاشتِباك ووقف مُسلسل النّكسات التي مُنيت بها القوّات الروسيّة، واستِعادتها الكثير من المناطق التي خسرتها في جنوب وشرق أوكرانيا، بدأت القِيادة الروسيّة تتحسّب لرَدٍّ انتقاميٍّ أوكرانيّ مدعومٍ أمريكيًّا على هذه الانتِصارات، وقصف بُنى تحتيّة عسكريّة واستراتيجيّة في العاصمة كييف وخاصَّةً محطّات الكهرباء.
“القنبلة القذرة” مُصطَلحٌ جديد بات يحتلّ العناوين الرئيسيّة في الحرب الأوكرانيّة ويتصدّر المشهد فيها، حيث حذّر وزير الدّفاع الروسي الجِنرال سيرغي شويغو من أن نظام كييف يستعدّ لتفجير هذه القنبلة المُسبّبة لإشعاعاتٍ نوويّةٍ في الأراضي الأوكرانيّة، وإلصاقِ التّهمة بروسيا، وإدانتها باستِخدام أسلحة دمار شامل في هذه الحرب، وتحشيد الرّأي العام العالمي ضدّها.
الجِنرال شويغو اتّصل هاتفيًّا بنُظرائه في أمريكا وتركيا وبريطانيا وفرنسا وأعرب لَهُم عن مخاوفه العميقة المُتعلّقة بهذه الاستِفزازات من قِبَل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي قِيل إنّ مُساعديه اتّصلوا بدُول مِثل بريطانيا للحُصول على المُكوّنات النوويّة لتصنيع هذه القنبلة القذرة.
زيلينسكي بادر بالرّد على هذه الاتّهامات بالقول “إذا كانت روسيا تتّهم أوكرانيا بالتّحضير لأمْرٍ ما فهذا يعني أنها سبقت أن أعدّت كُل ذلك، أيّ “القنبلة القذرة”، وأعتقد أن العالم يجب أن يرد بأقصى قَدَرٍ مُمكن من العُقوبات”.
القنبلة القذرة هذه هي عبارةٌ عن مزيجٍ من المُتفجّرات مِثل الديناميت والرّصاص والمسحوق الإشعاعي النووي، ويُمكن أن تُؤدّي في حالِ تفجيرها إلى انتِشار الإشعاعات لتلويث مِنطقة بحجم بولندا، وهي لا تُشبِه القنابل النوويّة التي جرى إلقاؤها على هيروشيما وناغازاكي اليابانيّتين في نهاية الحرب العالميّة الثانية ولكنّها أكثر خُطورةً من الأسلحة التقليديّة، ويُفضّل الخُبراء في مجلس التّنظيم النووي الأمريكي استِخدام توصيف “سِلاح الاضْطّراب الشّامل” لهذه القنبلة.
ويقول الخبير العسكري قسطنطين سيكوف إن الهدف من القنبلة القذرة ليس تدمير المِنطقة المُستَهدفة وإنّما نشر الإشعاعات النوويّة، وبِما يُؤدّي إلى التسبّب بإصاباتٍ بأمراضٍ خَطِرَةٍ على الفور وتهديد حياة الآلاف، وخلق حالةٍ من الهلع والرّعب غير مسبوقة.
الجِنرال إيغور كيريلوف قائد قوّات الحِماية الإشعاعيّة والكيماويّة والبيولوجيّة في الجيش الروسي أكّد أن مِثل هذه القنبلة القذرة التي تستعدّ قوّات أوكرانيا لتفجيرها جرى استِخدام مثيلة لها، وإن بحَجمٍ أصغر، في سورية من قِبَل تنظيم “الخوذ البيضاء” المدعومة من قِبَل الولايات المتحدة، التي أصدرت أشرطة فيديو دعائيّة حول استِخدام القوّات السوريّة أسلحةً كيماويّة لتوفير الذّريعة لقصفٍ أمريكيّ صاروخيّ على قاعدة الشّعيرات الجويّة في شِمال سورية وكان مُضْحِكًا أن خُبراء هذه المنظّمة كانوا يفحصون آثار هذه القنابل في خان شيخون دُونَ ارتِداء الكِمامات الواقية.
التّحذيرات من استِخدام هذه القنابل القذرة، وبمِثل هذه الكثافة، ربّما يكون تمهيدًا للحرب النوويّة بطَريقةٍ أو بأُخرى، نظرًا لطُول أمَدِ الحرب الأوكرانيّة (8 أشهر) دُونَ حسم، خاصَّةً من قِبَل حلف النّاتو، بتَحريضٍ أمريكيّ للحيلولة دُونَ خسارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وحزبه الدّيمقراطي في الانتِخابات التشريعيّة النصفيّة أوائل الشّهر المُقبل مثلما يُحذّر الخُبراء الروس.
إقدام الجِنرال شويغو على مُهاتفة نُظرائه في أمريكا وفرنسا وبريطانيا وتركيا للتّحذير بقُوّةٍ من القنبلة القذرة الأوكرانيّة لا يُمكن أن يأتي من فَراغٍ، وبهدف التّضليل، حتّى لو لم تأخُذ الدّول المعنيّة هذه التّحذيرات على محمل الجد، لأنّها وبكُلّ بساطةٍ أعضاء في حلف النّاتو، وتقف في خندق أوكرانيا، ومن غير المُستَبعد أن هذه التّحذيرات الروسيّة تنطوي على جانبٍ من الصحّة.
استِخدام القنابل القذرة، من أيّ طَرفٍ في هذه الحرب، هو تطوّرٌ خطيرٌ جدًّا، سيُؤدّي إلى كارثةٍ وقد يقود إلى رَدٍّ نوويٍّ أكبَر بكثير، ممّا قد يفتح نار جهنّم على البشريّة بأسْرِهَا