د. شهاب المكاحله
إن رفع سعر الفائدة على الدولار الذي اتخذه البنك الفيدرالي الأميركي منذ أيام له ثلاثة أهداف، اقتصادي، وسياسي ومالي. فعندما ارتفع معدل التضخم إلى 8.5٪ فإن ذلك أدى إلى ضعف الاستهلاك وعمليات الشراء لتآكل القوة الشرائية. فصانع القرار الأميركي يريد أن يوازن بين المصالح الأميركية الحكومية ومصالح المواطنين الأميركيين على حساب الدول الأخرى.
فقرار رفع الفائدة على الدولار يعني خروج الأموال من الدول التي يسعى أصحاب رؤوس الأموال والصناديق السيادية فيها إلى إخراجها واستثمارها في الولايات المتحدة بسعر فائدة عالٍ تكون مخاطره قليلة وعوائده المالية مجدية.
ففي بداية هذا الشهر أقدم البنك الفيدرالي الأميركي على برفع سعر الفائدة على الدولار بنسبة 0.5%، وهي النسبة الأعلى منذ عام 2000، ليصبح نطاق سعر الفائدة على الدولار الأميركي 0.75 ـ 1٪. وهذه المرة الثانية التي يرفع الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة منذ العام 2018، للسيطرة على التضخم الذي ارتفع في الولايات المتحدة لأعلى مستوى له منذ 40 عاماً بسبب صعود تكاليف الطاقة، والمواد الغذائية، والإسكان، مع استعداد التضخم للارتفاع أكبر، جراء الحرب الروسية الأوكرانية.
إن قرار رفع سعر الفائدة يفيد البنوك كونها المقرض الرئيس للشركات والأفراد الحكومات. لذلك فإن عين الولايات المتحدة برفع سعر الفائدة يهدف إلى جذب الاستثمارات الخارجية من الدول الغنية نفطيا وتلك التي لها صناديق سيادية كبيرة بحيث تسعى إلى زيادة سريعة على المبلغ الأساس المستثمر جراء العوائد المرتفعة. وهنا يستخدم مصطلح الأموال الساخنة Hot Money إذ تنتقل الأموال بسرعة من دول تسعى للاستثمار السريع إلى الخارج وهنا الى الولايات المتحدة مدعومة برفعة سعر الفائدة بسبب الضغوط التضخمية سعياً وراء جني أرباح قصيرة الأجل جراء فروق أسعار الفائدة والتغيرات المرتقبة في أسعار صرف العملات المحلية في تلك الدول مقابل الدولار الأميركي.
يمكن أن تؤدي عمليات رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة إلى أضرار بعيدة المدى. أولاً، يمكن أن يتسبب بنمو بطيء في الاقتصاد الأميركي ويقلل من شهية المستهلكين الأميركيين للسلع الأجنبية. كما قد يؤثر على الاستثمار العالمي: فمع ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، تغدو سندات الحكومة والشركات الأميركية الأكثر أمانا على الساحة والأكثر جاذبية للمستثمرين العالميين. وهنا تبدأ عملية نقل الأموال من الدول النامية والدول الفقيرة والمتوسطة الدخل إلى الولايات المتحدة لاستثمار تلك الأموال. وتؤدي هذه التحولات إلى ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي وخفض العملات الأخرى باستثناء تلك المدعمة بالذهب والدولار ذاته. وهذا يعني نقل الأزمة المالية من جيوب المواطنين الأميركيين إلى جيوب الشعوب الأخرى – إن بقيت لديهم جيوب – حيث تهبط عملاتهم المحلية مقابل الدولار مما يتسبب فيما بعد بارتفاع حاد في معدلات البطالة في تلك الدول التي تعاني ويلات اقتصادية وديون تفوق قدرات الدول على سدادها في وقت أدت فيه اختناقات سلاسل التوريد والحرب في أوكرانيا إلى تعطيل شحنات الحبوب والأسمدة ودفعت أسعار الغذاء في جميع أنحاء العالم إلى مستويات مثيرة للقلق.
باختصار إن رفع سعر الفائدة على الدولار الأميركي يعني: الفقير يزداد فقرا والغني يزداد غنى في ظل فوضى اقتصادية وسياسية عالمية قد تتسبب في ثورات شعبية تطيح بحكومات كثيرة.