ماذا يجري في لبنان؟
خِطاب الرئيس اللبنانيّ ميشال عون، الذي زادَ من غضَب الشّارع اللّبناني بدلًا من تهدئته، وكذلك تصريحات السيّد وليد جنبلاط، أحد رموز الإقطاع السياسيّ في لبنان، تَعكِسان الهُوّة السّحيقة بين الشّارع اللبنانيّ المَسحوق والنّخبة الحاكِمة، وإصرار هذه النّخبة على عدم فهم الرّسالة، والاعتِقاد الرّاسخ لديها بأنّها يُمكن أن تُمارس عمليّة “ترقيع” للأزَمة ببعض الخطوات التجميليّة، لإبقاء الوضع على ما هو.
الشّارع اللبنانيّ الغاضِب الثّائر، لا يُريد تعديل وِزاريّ شكليّ، وهو ما أشار إليه الرئيس عون في خطابه تلميحًا، وإنّما يُريد اجتِثاث النّخبة السياسيّة من جُذورها، وتقديم رموزها الذين نهَبوا ثرَوات البِلاد، وتضخّمت ثرواتهم وأرصدتهم من سرقة عرَق الفُقراء والمُعدَمين، وعلى رأس هؤلاء رئيس الحُكومة سعد الحريري، وكُل الإقطاعيين السّياسيين الآخَرين، من كُل الطّوائف، ودون أيّ استثناء.
الخطوات التي اتّخذها السيّد الحريري رئيس الوزراء كانت مُهينةً للانتفاضة اللبنانيّة، ودعوة الرئيس عون في خطابه للمُحتجّين لتشكيل وفد للتّفاوض معه، تُؤكّد أنّه مُضلّل من قِبَل مُستشاريه الذين يُقدّمون له صورة مَغلوطة عن هذا الحِراك، فالرئيس عون لا يحتاج إلى اجتماع مع رموزه، وكان يجب عليه أن يَنزِل إلى الشّارع بنفسه، باعتباره رأس الدّولة، وأب للجميع، ويستمع إلى هؤلاء مُباشرةً دون وسيط.
الشّعب اللبنانيّ قدّم انتفاضةً مُشرّفةً وسلميّةً ومشروعة، وبطريقةٍ حضاريّةٍ تستحق الاحترام، ونقول في هذه الصّحيفة، لكل الذين سَخِروا من بعض مُمارسات المُتظاهرين من الجنسين، مِثل الرّقص والدّبكة، والغِناء، نقول لهم عَيْب، أنتم لا تعرفون لبنان وتنوعّه الثّقافي والعِرقي، وتجربته الرائعة في التّعايش، على الأقل هذا الشّباب المُتعلّم الرّاقي التَقى على أرضيّة الوِحدة الوطنيّة، والاحتِجاج الجَماعي الرّافض لكُل أشكال الطائفيّة، ومن يسخَر من هذا الشّعب وكرنفاله الإبداعيّ الحضاريّ، عليه أن ينزل إلى الشّارع، وبالقُوّة نفسها، ويُواجه الفساد والقَمع في بلاده، وهو فساد يتواضع أمامه نظيره اللبنانيّ.
الشعب اللبنانيّ يُريد اجتِثاث النُّخبة الفاسِدة وشِعاره “كِلُّن يعني كِلُّن”، والشّعب هو صاحِب القرار، والمرجعيّة الدستوريّة والتشريعيّة الحقيقيّة، والبَرلمان الحاليّ لا يُمثّله، وإنّما يُمثّل الفساد بشقّيه الماليّ والسياسيّ.
بعد عِشرين عامًا من حُكومة الشريف الزّاهد والوطنيّ سليم الحص الذي تنازل عن راتبه كرئيسٍ للوزراء، وهو الفقير الذي لا يملُك مالًا ولا أرضًا، ويعيش في شقّةٍ مُتواضعةٍ جدًّا، يَخرُج علينا السيّد الحريري بقراراتٍ تُخَفِّض رواتب الوزراء والمَسؤولين الكِبار بنسبة 50 بالمِئة، ألم نَقُل لكُم أنّهم في وادٍ والشّعب اللبنانيّ الثّائر في وادٍ آخر، وأنّ هؤلاء لا يَعرِفون هذا الشّعب، لأنّهم يعيشون في فُقاعاتٍ بلّوريّة، وكُل همهم هو النّهب والسّرقة.
كانَ الله في عَون الشّعب اللبنانيّ على هذه النُّخبةِ المُتعفّنة، ونحنُ معه في هذه الصّحيفة حتى يتخلّص منها، وشُكرًا للسيّدة غادة عون، المدّعية العامّة في مُحافظة جبل لبنان، التي كانت أوّل من علّق الجرَس، وفتَحت مِلفّات أحد أضخم حيتان الفساد، وهو السيّد نجيب ميقاتي وأبنائه، ووضعت كُل ما لديها أمام القانون.
إنّها الخطوة العمليّة الأُولى وفي المَسار الصّحيح، ولذلك يجب أن تُقدّم القُدوة والبِداية لخطواتٍ مُماثلةٍ، أيّ الانتقال من مرحلةِ الشّعارات إلى مرحلة التّطبيق.
2019-10-25