ربى يوسف شاهين
سنوات الحرب على سوريا تجاوزت الثمان سنوات، وخلال مجريات الاحداث على الصعيدين السياسي والعسكري، كُنا نشهد تعاظماً للحراكين السياسي والعسكري، حتى تم الانتصار السوري في مناطق هامة كـ حلب ومحيط دمشق وحمص وحماه ودرعا، لتبدأ التهدئة العسكرية مع انعقاد اتفاق سوتشي ومنصة استانا، وذلك لاتجاه الدول الضامنة تركيا وروسيا وإيران، لاختيار الحل السياسي، لان ما كُشف خلال الحرب على سوريا وانقشاع المخططات التركية والامريكية والاسرائيلية، بات جلياً للقيادة السورية وحلفاؤها عبر وثائق وإثباتات عينية، تمثلت بأفراد تابعين لدول غربية وعربية زُج بهم لإرهاب الدولة السورية.
الحنكة السياسية للحلفاء الثلاث السوري والروسي والإيراني، في قراءة استباقية للتدخل التركي في سوريا، أُحيل امر الملف التركي لروسيا، وطبعا هنا يجب التوقف قليلاً، ولنسال السؤال التالي:
كيف استطاعت تركيا ان تكون طرفاً في الحل السياسي حيال الحرب على سوريا؟.
خطةٌ دُفع عليها المليارات، ليتمكن مهندسو الحرب الكونية من التغلغل الى الداخل السوري، وبفعل وجود الثغرات الامنية التي شُكلت عبر من غُرر بهم او ارتضوا تقديم وطنهم للغريب، المدخل لاتساع رقعة الخسارة في بداية الحرب على سوريا، ومع وجود تركيا كبلد جار لسوريا والحدود اصبحت مفتوحة لها عبر الفوضى التي خلقتها واشنطن وحلفاؤها في مناطق متفرقة من سوريا، وهنا برز الدور التركي وتبلورت النوايا باحتلال عفرين وجرابلس والباب.
للتذكير؛ بعد انتصار الجيش العربي السوري ووصوله إلى اتفاق أستانا المتضمن اقامة مناطق خفض التصعيد، وفي مرحلة لاحقة اتفاق سوتشي المُتضمن المنطقة منزوعة السلاح، و التعامل مع الفصائل الارهابية المنضوية تحت إمرة تركيا، ومنذ سريان تطبيق بنود اتفاق سوتشي، لم تنفذ تركيا بنود الاتفاق وعمدت كل من واشنطن وانقرة على استخدام ادواتها كـ وكلاء عنهم، خاصة أن ترامب وجد ضالته في ميليشيات قسد وأردوغان في المجموعات الإرهابية والمعارضة المسلحة، فاجتمعوا على انه لابد من وقف تقدم الجيش العربي السوري والحليفين الروسي والإيراني، لتبدأ المحادثات السياسية تتشكل بين واشنطن والكرد، ومن جهة أخرى بين تركيا والفصائل الإرهابية على اختلاف مسمياتها، في مشهدية ترمي إلى إظهار الشمال والشرق السوري في حالة انفصال عن الدولة السورية.
سيناريوهات كثيرة صنعتها الادارة الامريكية لتأخير الانتصار السوري، عبر ادعائها بمحاربة داعش، وتركيا بادعائها أن امنها القومي مُهدد، لتُخلق في ليلة وضحاها خلافات ونزاعات بين واشنطن وانقرة.
نُقاط للمراقبة انشأتها أمريكا في الشمال الشرقي من سورية بحجة مساندة ميليشيات قسد ضد هجمات القوات التركية، وإيهامهم بأن واشنطن لن تتخلى عنهم، وفي المقابل تركيا تُنشأ نُقاط مراقبة لها في الشمال الغربي بحجج الامن القومي، والآن ومع انعقاد منصة استانا 13 والإقرار بوجوب تنفيذ تركيا بتعهداتها تجاه بنود سوتشي، بدأت مسالة المنطقة الآمنة التي ترغب تركيا بإنشائها تعلو في الطرح السياسي، وقد كان ان صرح عنها الرئيس أردوغان منذ بداية الحرب على سوريا.
وعلى الرغم من ان روسيا طرحت اتفاقية اضنة كرد على السياسة التركية، الا ان أردوغان وترامب يُصران على إثارة فكرة انشاء المنطقة الآمنة والنزاعات الحاصلة، والتي هي حكماً نزاعات مزيفة، الا ان مضمونها يُخفي تعزيز فكرة التواجد التركي في الشمال السوري عبر اقامة هذه المنطقة الآمنة بعمق 30 كم داخل الاراضي السورية، والتي سيتم نقل اللاجئين السوريين في تركيا اليها ليكونوا الحد الفاصل الذي يُشكل الأمان للأمن القومي التركي، والذي يُضمر في خباياه عملية احتلال ممنهجة ومدروسة، وتم العمل عليها مع بنود الحرب على سوريا.
في المحصلة واشنطن غازية للشرق السوري عبر وكلاءها الكرد، وتركيا غازية للشمال السوري عبر ادواتها الإرهابية وتواجدها العسكري، ومحاولتها التغيير الديموغرافي للمناطق التي احتلتها، بيد أن اتفاقية اضنا وُقعت بين بلدين تفصلهما الحدود المعترف بها، وتركيا تنتهك الأراضي السورية، لذلك كل ما يصدر من محتل فهو باطل، والكلمة الفصل ستكون للجيش العربي السوري، اذا ما بقي التعثر السياسي في الواجهة، فلابد من الانتقال الى الحل العسكري.
كاتبة سورية