د. ميساء المصري
على مدى العصور أعتبر مضيق الدردنيل المائي بين بحر إيجه وبحر مرمرة غربي تركيا، من أهم الممرات الإستراتيجية على الضفة الشرقية للبحرالأبيض المتوسط. والذي نشبت بسببه نزاعات دولية وتصارعت الأمم عبر التاريخ للعبور منه لتحقيق مصالحها، ومن بواباته أيضا عبرت “قوارب الموت”حاملة اللاجئين والمهاجرين العرب نحو أوروبا.
قديما ايضا اعتبرالمضيق لدى الفرس والعثمانيين ممرا ذهبيا , لكنهم كانوا يرون في الممر المائي ثغرة يجب ألا تمر منها الأساطيل الغربية . نظرا لإمكانية إحتلال اسطنبول من خلاله لذلك وقعت الدولة العثمانية إتفاقية مع كل من إنجلترا وروسيا وبروسيا والنمسا تنص على إغلاق المضيق في وجه كل الدول . وقد قتل على بوابات مضيق الدردنيل أكثر من مئة ألف مقاتل، أكثر من نصفهم من الجيش التركي الذي كان يضم إلى جانب الأتراك مقاتلين عربا من سوريا وفلسطين ودول البلقان .
وعلى بعد 3 الاف كيلومترا من الدردنيل يقع مضيق هرمز وهو توأمه في الأهمية الجيوسياسية اذ يمرعبره 40% من إمدادات العالم من النفط ولا تخفي العديد من الدول رغبتها بإغلاقه وبأنه ثغرة سياسية تهدد أمن ايران والخليج وشرق آسيا واوروبا .
تفجيرات الناقلات النفطية الأخيرة حملت معها ردود فعل صاخبة بالتهديدات والتشكيك وجمع المعلومات، و التي كان آخرها التهديد بمواجهة عسكرية في المنطقة .وهو بحد ذاته مواجهة نفسية قبل ان تكون فعلية .وحملت معها كذلك عمق هشاشة الأمن البحري الإقليمي وإمكانية إختراقه بسهولة سواء عبرعبوات لاصقة او هجوم او قذائف او غواصات ومتفجرات , سواء كان عملا إستخبارتيا او دوليا مدروسا فهو يشكل خطورة امنية لا يحمد عقباها .
وفي معركة الربح والخسارة، نبحث عن المستفيد ومن الرابح والخاسر ؟ وفقا لهذه الفسيفساء من عملية ضغط قصوى في المنطقة , اذا طرحنا الربح فإن ايران لن تخشى المواجهة المباشرة وغير المباشرة من خلال وكلائها وعملائها في الشرق الأوسط وربما هي مستعدة بمقاومتها في دول عدة على الدخول في حرب كبرى تقوم فيها بتسخير محاورها في المنطقة للإنخراط في هذه الحرب في ميادينها المختلفة، بدءاً بحزب الله اللبناني، فالحشد الشعبي العراقي، فالحوثيين في اليمن، و تفعيل حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين . ناهيك عن خلايا جاهزة لأي تحرك نضالي .
في هذه الحالة المتوقعة للربح يجدر إستجابة المعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة لمطالب إيران بدون شروط مسبقة، لأسباب كثيرة من أهمها الحفاظ على مصالح الكارتيلات الجديدة والقديمة على حد سواء في أمريكا وأوروبا، ولحاجة إدارة ترامب للفوز بالإنتخابات القادمة لولاية ثانية، وهو لا يحتاج الى خسارة بمواجهة إيران بمعية حلفائها في المنطقة إذا ما اندلعت الحرب الكبرى على كل تلك المحاور.
ومن مبدأ الخسارة اذا فرضنا ان ما يجري هو مكيدة ضد إيران بهدف إخضاعها للقبول بشروط ال 12 للإدارة الأمريكية فالمؤكد وليس المرجح فقط هو إشتعال المنطقة برمتها بحيث لن يخرج أحد منها سالماً , فقد تقوم أمريكا بقصف القواعد الإيرانية في سوريا واللعب على الأرض السورية خاصة مع الموقف الروسي الأخير وهو الإحتمال الأكثر ترجيحا بدءاً بإيران، مروراً بدول الخليج الخاسر الأكبر رغم انها قد تستفيد حاليا من تمرير صفقة بيع الأسلحة الأمريكية رغم أنف الديمقراطيين لكنها صفقة مسمومة بلا فائدة ، وانتهاءاً بإسرائيل التي قد تكون أكبر المتضررين من هذه الحرب.فهل تحدث ؟؟
فهل نشهد هذا السيناريو مع إدارة ترامب؟ إن الحكمة السائدة هي أن الإيرانيين يريدون انتظارانتهاء فترة رئاسة ترامب والتعامل مع خلفه. وهذا ما يفضله خامنئي بشكل شبه مؤكد،لكن العامل الزمني ليس في صالح ايران كما يبدو .
الواضح ان الإيرانيين يتعرضون لأقصى قدر من الضغط و لن يتجهوا الى المفاوضات حاليا ولن يقدموا التنازلات مجاناً، إذ سيسعون إلى رفع كافة العقوبات، النووية منها وغير النووية. لكن هل يستغل ترامب وخبثه السياسي خفض احتمالات اندلاع حرب إقليمية ويعتبره إنجازا مهما بحد ذاته. لا اظن لان المفارقة الكبرى هي الايدي الخفية المحيطة التي قد تدفع طهران وواشنطن وقيادتهما نحو نزاع أكبر.
كاتبة من الاردن