د. سماء سليمان
زار القاهرة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني، يوم 25 مايوفي أول زيارة خارجية لهمنذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل الماضي.وهو الأمر الذي يدعو إلى التساؤل حول توقيت ودلالات الزيارة وأهمية البعد الإقليمي للثورة السودانية؟
تأتي هذه الزيارة قبل أيام من إضراب عامدعا إليه قادة حركة الاحتجاج في السودان الثلاثاء والأربعاء لمطالبة المجلس العسكري بتسليم السلطة للمدنيين كما طالبوا بتسمية رئيس المجلس السيادي غدا الأثنين.
وتأتي الزيارة أيضا بعد زيارة نائب رئيس المجلسالعسكري السوداني الفريق أول محمد حمدان دقلو، الشهير باسم “حميدتي”، إلى السعودية يومي الخميس والجمعة 23 و24 مايو، حيث التقى بولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
يمكن القول أن هذه الزيارات تعكس ما يكتنفه المشهد السوداني الراهن من تقاطعات كثيرة وأن السودان بحاجة إلى دعم الدول العربية وخاصة الكبرى منها.
البعد الإقليمي:
من الملاحظ أنه منذ بداية الثورة السودانية كان هناك سعيا حثيثا من قبل الدول الثلاثة للعمل على استقرار دولة السودان وعدم انجرافها إلى فوضى أو حرب أهلية مثلما حدث في الدول العربية الأخرى.
فضلا عن عدم ترك فراغ لدول عربية وإقليمية للتدخل في السودان بالشكل الذي يضر بها وبهذه الدول وبالأمن القومي العربي، وخاصة قطر وتركيا وإيران، حيث لدى كل منهم أهدافه ومصالحه التي سيحققها من جراء عدم استقرار السودان.
ولذا دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى عقد قمة تشاورية حول الأوضاع في السودان في 23 أبريل بحضور بعض الدول الأفريقية وقد أوضح أن “الحل سيكون من صنع السودانيين أنفسهم، عن طريق حوار شامل جامع، بين القوى السياسية المختلفة في السودان، يؤدي إلى التوصل إلى حل سياسي توافقي (…) ويضع تصورا واضحا لاستحقاقات هذه المرحلة، ويقود إلى انتخابات حرة ونزيهة”.
فمن ناحية تعتبر مصر أن السودان هو العمق الاستراتيجي لها جنوبا، وبالتالي فإن ما يجري في هذا البلد الذي يمر عبره نهر النيل يتخذ أهمية قصوى بالنسبة إلى السلطات المصرية، ولذا تدعم مصر أمن واستقرار السودان، وتساند الإرادة الحرة لخيارات الشعب السوداني في صياغة مستقبل بلاده، والحفاظ على مؤسسات الدولة، فضلا عن استعداد مصر لتقديم كافة سبل الدعم للسودان لتجاوز هذه المرحلة بما يتوافق مع تطلعات الشعب السوداني، بعيدا عن التدخلات الخارجية.
ولذا تحرص مصر على مواصلة التعاون مع السودان في كافة الملفات محل الاهتمام المتبادل، والدفع نحو سرعة تنفيذ المشروعات التنموية المشتركة، كالربط الكهربائي وخط السكك الحديدية، كما تم توقيع اتفاقية لضبط الحدود ومكافحة الإرهاب.
كما شهدت الأوضاع في السودان سعى الدول العربية وخاصة السعودية والإمارات لمساعدة السودان على تحقيق استحقاقات هذه المرحلة ومواجهة الأزمة الاقتصادية، لما فيه صالح الشعب السوداني، ولذا أودعت السعودية الأسبوع الماضي 250 مليون دولار في المصرف المركزي السوداني في إطار حزمة مساعدات تعهدت بها المملكة وحليفتها الإمارات. كما أعلنت الإمارات والسعودية في 21 أبريل تقديم دعم مالي قيمته 3 مليارات دولار.
موقف الداخل من التحركات الخارجية للمجلس العسكري:
تسعى جماعات الاحتجاج السودانية للحصول على ضمانات بأن يقود المدنيون العملية الانتقالية وتقليل مشاركة الجيش في السلطة ودعت إلى إضراب لمدة يومين هذا الأسبوع للحث على تنفيذ مطالبها وذلك لعدة اسباب:
1- رفض الشراكة في الحكم مع الجيش، ورغبة الثوار في تسليم الحكم للمدنيين.
2-مخاوف جماعات الاحتجاج من عدم تسليم المؤسسة الحكم بشكل كامل للمدنيين، بسبب عدم وجود ثقة من العسكريين تجاه المدنيين فضلا عن رغبة المؤسسة العسكرية التي تحكم منذ عشرات السنوات في البقاء أو المشاركة في الحكم.
3- مخاوف من انجراف الثورة السودانية إلى فوضى أو حرب أهلية كما حدث في ثورات بعض الدول العربية، بسبب اصرار المؤسسة العسكرية على البقاء في الحكم واستخدام العنف لفرض هذا الواقع أو وقوفها مع حاكم بعينه وفرضه على الثوار.
4- مخاوف من إطالة امد الثورة ومن ثم يعطى ذلك الفرصة للجماعات المتأسلمة بسرقة الثورة كما حدث في مصر وتونس، وبالتالي البعد عن الحكم المدني وعدم تطبيق الديمقراطية.
5-مخاوف من تدخلات إقليمية من شأنها قلب المعادلة ودخول السودان في حرب أهلية لا نهاية لها والتي من شأنها الدخول في المرحلة الثانية للتقسيم للسودان.
ومع مخاوف جماعات الاحتجاج ومخاوف المجلس العسكري من التدخلات الخارجية وانعكاساتها على الأوضاع في السودان كان من الطبيعي أن تصر المعارضة على أجندتها في تعاملها مع المجلس العسكري، وأيضا لجوء المجلس العسكري إلى الدول العربية التي تضمن وتدعم استقرار السودان وأمنها.
وأخيرا يمكن القول أن تطورات الأوضاع في السودان مرهونة بحكمة الطرفين المعارضة من ناحية والمجلس العسكري من ناحية أخرى وقدرة كلا الطرفين على إعلاء مصلحة الوطن واستقراره وأمنه على مطامع السلطة والحيلولة دون تدخل قوى عربية أو إقليمية من شأنها قلب الطاولة على الجميع لتحقيق أجندات خارجية ودخول السودان في المرحلة الثانية والثالثة من التقسيم.