الرئيسية / أخبار / ناشيونال إنترست| لا حرب لا سلم.. كيف أصبح التردد هو سمة مياه الخليج مؤخراً؟

ناشيونال إنترست| لا حرب لا سلم.. كيف أصبح التردد هو سمة مياه الخليج مؤخراً؟

في الأسبوع الماضي، وصلت حدة التوترات الأمريكية الإيرانية إلى مستوى لم تشهدها منذ فترة الرئيس ريجان، عندما تواجهت السفن والطائرات الأمريكية والإيرانية في الخليج العربي. ومن الواضح أن القوات الإيرانية غير النظامية قامت بتخريب أربع سفن قبالة ميناء الفجيرة الإماراتي، إما بقنابل مغناطيسية أو طائرات من دون طيار، ولكن الهجوم اللاحق بطائرة من دون طيار على خط أنابيب سعودي زاد من حدة التوتر ليصل إلى مستوى جديد.

حتى في أشد أيام واشنطن حزبية، كان هناك ما يكفي من المجادلات، وما يزيد المشكلة سوءًا هو أن قضية الأمن القومي بشكل عام (والسياسة الإيرانية بشكل خاص) باتت هي اللعبة السياسية المفضلة. فلم يضيع أحد فرصة سكب الزيت على النار في الخطابات العنترية، حيث هدد الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في تغريدة له عبر حسابه الرسمي بموقع “تويتر” قائلاً: “إذا أرادت إيران القتال، فستكون هذه هي النهاية الرسمية لها. لا تهدد الولايات المتحدة مرة أخرى!”.

ولكن لحسن الحظ، لا يوجد شيء في الموقف العسكري الأمريكي يجعل الأمر يبدو وكأن الحرب – أو حتى مشاركة محدودة فيها – قد أوشكت على الاندلاع، ناهيك عن احتمال حدوثها.

لننظر إلى موقف البحرية الأمريكية: فقد أفادت التقارير أن إدارة ترامب أرسلت حاملة طائرات إلى الخليج العربي، ولكن إذا كانت الحرب ضد إيران مطروحة بالفعل، فستكون هذه هي أسوأ خطوة ممكنة.

ففي النهاية، الخليج العربي ضيق وضحل. كما أن عملية إطلاق طائرة من فوق حاملة طائرات من طراز “نيميتز”، تحتاج إلى سرعة رياح تصل لنحو ستة وعشرين عقدة للإقلاع عبر سطح السفينة، حتى عند استخدام المقاليع التي تعمل بالبخار والتي تطلق طائرات “هورنيت إف 18″ و”هوك آي إي تو سي” من فوق الناقلة في حوالي مائة وسبعن ميلًا في الساعة. ويتطلب تحقيق السرعة اللازمة للرياح إما تسريع الرياح أو تحويلها إلى ريح، ليس من السهل القيام بها في منطقة الخليج العربي، لا سيما وأن هذا الجزء من الخليج مليء بالجزر المتناثرة مثل جزر أبو موسى، وطنب الكبرى وطنب الصغرى، وكيش، وغيرها من الجزر الأخرى.

وفي خضم هذه الحقيقة، ومنذ “عملية فرس النبي” التي شنتها الولايات المتحدة في عام 1988، أصبحت عقيدة إيران الأساسية تتمثل في الهجوم على السفن الأمريكية بقوارب صغيرة بدلاً من الانخراط المباشرة لمدمراتها أو فرقاطاتها، وهذا يعني أن أي نشر للناقلات والسفن الأمريكية الحربية في الخليج العربي لا ينصح به إذا كانت الحرب وشيكة.

وعلى العكس من ذلك، فإذا ما توقفت حاملات الطائرات على بعد مئات الأميال قبالة الساحل الإيراني في شمال المحيط الهندي، ستتمكن حينها الطائرات الأمريكية من استهداف إيران، وستكون السفن الأمريكية في مأمن من هجمات القوارب الصغيرة الإيرانية والصواريخ المضادة للسفن (أو على الأقل سيكون لديها الوقت الكافي للتصدي الفعّال لتلك التهديدات).

إذًا ما هي أسباب زيادة التوتر بهذا الحجم والسرعة؟
عندما يفكر الأمريكيون في إيران، فهم غالبًا لا يعرفون سوى ثلاثة أو أربعة من كبار الشخصيات، مثل القائد الأعلى “علي خامنئي” أو الرئيس “حسن روحاني”، وربما سمعوا عن “قاسم سليماني”، قائد فيلق القدس. ولكن، على مدار العام الماضي أو نحو ذلك، كان هناك عملية تغيير في القيادات العليا للجيش الإيراني. ففي 21 أبريل 2019، تولى “حسين سلامي” منصب قائد الحرس الثوري الإسلامي، وربما كان سلفه “محمد علي جعفري” فظيعًا ، لكنه كان أيضًا شخصية معروفة. صحيح أن معظم المحللين الإيرانيين في إيران على دراية بسلامي منذ أن كان نائبًا لجعفري، بيد أن الشهر الماضي شهد أول القرارات التي اتخذها سلامي دون توجيه من رؤسائه.

في تقسيم المسئولية بين بحرية جمهورية إيران الإسلامية والقوة البحرية للحرس الثوري الإسلامي، حيث تعمل الأولى بشكل أساسي خارج الخليج العربي، بينما تتمتع الثانية بالهيمنة على الخليج نفسه، بالإضافة إلى ذلك، يشترك كل منهما في المسئولية عن مضيق هرمز.

وبشكل عام، تحتفظ البحرية الأمريكية بعلاقة احترافية مع البحرية الإيرانية، ولكن القوة البحرية للحرس الثوري الإسلامي أكثر استفزازية وأيديولوجية. وقد أجرت كلتا القوتين مؤخرًا تغييرات في القيادة. وعندما تولى حسين خانزادي قيادة البحرية الإيرانية في نوفمبر 2017 خلفًا لـ “حبيب الله سياري”، أقسم أن البحرية الإيرانية “ستلوِّح بعلم إيران على أعتاب الولايات المتحدة”. ربما يكون هذا تفكيرًا مفرطًا أو أمنيةً، غير أنه ليس من الواضح أن خانزادي يفهم ذلك، ورغم أن سياري قد أمضى اثني عشر عامًا في القيادة وأدرك ما كان ممكنًا وما لم يكن، حيث عمل على نشر أسطول بحريٍّ في المحيط الأطلنطي، فقد انتهى به المطاف في جنوب إفريقيا لإجراء إصلاحات طارئة.

أما علي فدوي، قائد الحرس الثوري، فهو بالمثل ترأس قواته لمدة ثماني سنوات. وربما كان مستفزًا، لكن مع مرور الوقت، فمهمته القوات الأمريكية ودول الخليج العربي. ونفس الشيء لا ينطبق على “علي رضا تنكسيري” الذي حل مكان فدوي قبل تسعة أشهر فقط.

ولكن يبقى التساؤل: إلامَ يهدف هذا كله؟
لقد مر أكثر من جيلَين عسكريين منذ أن علم قادة الحرس الثوري الإيراني بما سيحدث إذا واجهوا الولايات المتحدة مباشرة أو هاجموا مياه حلفاء الولايات المتحدة من العرب. من الممكن تمامًا أن يسعى سلامي وخانزادي وتنكسيري (منفردين أو مجتمعين) إلى تمييز أنفسهم عن أسلافهم على حساب الولايات المتحدة أو دول مجلس التعاون الخليجي.

في ظل هذه الظروف، يمكن أن يكون قرار واشنطن بوضع خطوط حمراء حازمة بدلاً من التزام الصمت، هو أفضل طريقة لمنع الحرب والصراع. وفي النهاية، ليس النفط أو الماء هو الذي سيسبّب الحرب في الشرق الأوسط، بل الثقة المفرطة. وبغض النظر عما يفكر فيه ترامب وفريقه للأمن القومي، فمن الواضح أنه في السنوات الأخيرة كان هناك قلق مفرط من الثقة الإيرانية ونقص الخبرة لدى كبار قادة القوات البحرية الإيرانية وقوات الحرس الثوري الإيراني؛ ما أدى إلى عاصفة مثالية، والتي نأمل الآن في أن يتم تجنُّبها.