الرئيسية / أخبار / هل الأردن وقيادته فعلا مستهدفين وكيف ذلك؟ وما الذي تخشاه القيادة الأردنية؟

هل الأردن وقيادته فعلا مستهدفين وكيف ذلك؟ وما الذي تخشاه القيادة الأردنية؟

د. شهاب المكاحله

انهالت علينا في الآونة الأخيرة كتابات ومقالات وتحليلات جُلها يحمل ذات العنوان: ما الذي يخشاه الملك أو ما الذي يخشاه الأردن فعلياً؟ هم بذلك يلمحون إلى صفقة القرن وما إلى ذلك من الغاز ومعاني. لا أنكر أن بعض تلك التحليلات فيها من الحقيقة بعض الشيء ولكن الحقيقة التي لم يتطرق لها الكتاب العرب والأجانب هي أن علاقة تل أبيب بواشنطن ليس كعلاقة الطفل بأمه بل هي علاقة تشاركية مبنية على المصلحة المشتركة للقيادتين.

ماك كان للرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يفوز في الانتخابات الأميركية إلا بعد أن أعلن في حملته أنه سينقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس وأنه سيعترف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل. لذلك قام الإسرائيليون واللوبي الصهيوني بدعمه بقوة. وبعد أن فاز في الانتخابات وفى ترامب بوعده بل وزاد على ذلك أنه غض الطرف عن ضم بعض أجزاء من الضفة الغربية إلى إسرائيل وسمح بالاستمرار ببناء المستوطنات في الأراضي التي نصت عليها اتفاقية أوسلو والتي تنص على وجوب عودة تلك الأراضي إلى السلطة الفلسطينية. وتمادى في الكرم حين وهب الجولان السوري المحتل إلى إسرائيل تحت ذريعة أن الجولان خزان ماء إسرائيل وهو أساس بقائها واستمراريتها.

وفي تلك الأثناء ظهرت مبادرة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعد أن كان صراعاً عربياً إسرائيلياً فيما اصطلح عليه بصفقة القرن. وهنا سأتحدث عما يخيف الأردن والقيادة الأردنية وليس ما ذكره الكثير من الكتاب والمحللين. صفقة القرن هي عملية إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على طريقة رجال الأعمال. فمن يكسب هو من يملك السيولة والقدرة على التحكم بالإعلام.  لذلك نرى ان جولات المسؤولين الأميركيين في المنطقة تتمحور حول قضية واحدة هي كيف ندير الصراع بشكل يضمن اللقاءات الثنائية والجماعية بمباركة عربية وبالتجاوز عن الدول التي تربطها معاهدة سلام مع إسرائيل. أي أن دور كل من مصر والأردن أصبح ثانوياً ولا أهمية له. وهذا التجاوز هو أول ما أخاف الأردن لأنه باختصار يعني التخلي عن مهامه كضابط اتصال بين العرب وإسرائيل. وهذا ما أضعف موقفه في السياسة الخارجية منذ مدة واحتلت مكانه دول ليس بينها وبين إسرائيل اتفاقية سلام.

أما المسألة الثانية التي تخيف الأردن أكثر فهي أن تلك الدول بنت سياستها مع إسرائيل والولايات المتحدة على حساب الأردن الذي ساهم في بناء جسر من التواصل بين عواصم تلك الدول من جهة وتل ابيب وواشنطن من جهة أخرى دون مقابل ولم يكن في حساباته يوماً ما أن يستغنى عن خدماته بتلك الطريقة (رغم التحفظ الكبير على المسمى الذي بتنا نراه اليوم من دول إقليمية) في كيفية التعامل الفوقي مع الأردن.

ولعل المسألة الثالثة المهمة أن مهمة تنفيذ بنود صفقة القرن لا يمكن تنفيذها بأيد أجنبية بل بأيادٍ (عربية) تبتدأ بمؤتمرات اقتصادية استثمارية وتنتهي بتطبيع ثقافي سياسي مباشر دون الحاجة لأخذ موافقة أصحاب الشأن: الأردن وفلسطين. وهنا لا حديث عن احتلال أراضٍ أو ما إلى ذلك. وهذا ما تعمل عليه بعض الدول العربية لإرضاء واشنطن وإسرائيل كون تلك الدول العربية تخشى من عملية عسكرية إيرانية تطالها وتذهب بمكتسباتها الاقتصادية التي ما كانت للتحقق في ظل عراق قوي وسوريا متعافية.

وهنا نأتي إلى النقطة الأصعب في موقف الأردن وهي أن علاقة الأردن بتركيا وإيران وباقي الدول العربية مبنية على الاحترام كما أن علاقته مع إسرائيل مبنية على بنود معاهدة السلام، وفي حال بقاء التعنت الإسرائيلي بالقيام بعمليات عسكرية في سوريا ولبنان والعراق أو حتى إيران فإن ذلك يعني المزيد من موجات اللجوء إلى الأردن الذي لا يحتمل نسيجة واقتصاده أية هزات تكتونية جديدة لأنها باختصار تعني انهيار الدولة إذ يذوب الأردنيون (الهنود الحمر) في نسيج جديد من دول الجوار الأردني ليصبح صوت الأردنيين باهتاً وضعيفاً، وهذا سينعكس على سياسة الدولة وعلى الجيش والأمن.

إن ما يخيف القيادة والأردنيين ليس الحرب مع إسرائيل إن كان هناك حرب بل الحرب غير المباشرة التي ستسفر عن خلخلة التركيبة السكانية لأول مرة في الأردن ما يجعله قبلة للجميع من دول الجوار ليصبح في الأردن شيعة، وسنة وغيرها لأول مرة في تاريخه وقد يحيله إلى لبنان جديد ولكن بحلة السبعينيات من القرن الماضي.

لن تقوَ إسرائيل ومن خلفها على تغيير معادلة القدس والوصاية الهاشمية بل تستطيع ان تغير النسيج الاجتماعي الأردني ليصبح الأردنيون كما ذكرت سابقاً هنوداً حمراً ويصبح في الأردن ولأول مرة مذاهب وطوائف.