الرئيسية / أخبار / ما بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا: مفاجات.. وتغييرخرائط التحالفات في الاقليم

ما بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا: مفاجات.. وتغييرخرائط التحالفات في الاقليم

عمر الردّاد

تركز التحليلات في الإعلام العربي والأجنبي على محاولات تفسير أسباب القرار”المفاجئ” للرئيس الأمريكي بالانسحاب العسكري من سوريا، ولعل من اغرب التفسيرات،وخاصة التي تتردد في أوساط عربية ،أن أمريكا استشعرت فشل مشروعها الشرق الأوسطي،وإنها تنسحب مهزومة ومدحورة من الشرق الأوسط،في حين أن الحقائق لا تدعم هذه الفرضية، إذ أن الانسحاب جاء في سياقين ،الأول: انه معلن من قبل الرئيس ترامب قبل وصوله إلى البيت الأبيض، وكرره غير مرة خلال العام الماضي،،في إطار حسابات “الكلف المالية عند ترامب والثاني: انه سياق مستقر في الاستراتيجيات الأمريكية ومراكز صنع القرار ،منذ الإدارة الأمريكية السابقة “الديمقراطيين” ،حيث أعلن سلف ترامب “اوباما”، أن أمريكا ستغادر الشرق الأوسط إلى شرق أسيا ،حيث الفرص الحقيقية للاستثمار والتفاعل مع العالم.

مؤكد أن الانسحاب الأمريكي الحالي من سوريا،لم يكن اعتباطيا ولا عشوائيا، وإنما جاء في إطار خطة محكمة، تستجيب لمصالح أمريكا الإستراتيجية وتطلعاتها في المنطقة،وفي إطار حسابات “دقيقة” أخذت بعين الاعتبار علاقات أمريكا بالملف السوري،واستراتيجياتها تجاه الأطراف الفاعلة ليس فقط بالملف السوري ،وإنما بكافة ملفات المنطقة ،بما فيها روسيا وتركيا وإيران من جهة ، وإسرائيل والسعودية ومصر من جهة أخرى، ووفق العنوان العريض الذي طرحه ترامب” أمريكا ليست شرطي المنطقة” وهي ذات الجملة التي رددها سلفه اوباما، وهو ما يعني أن القوى الفاعلة في المنطقة عليها أن تواجه مصيرها بنفسها، إما بالحروب أو بالسلام.

ولعل السؤال الكبير الذي يحتاج لإجابة، ليس لماذا انسحبت أمريكا من سوريا؟ هذا الانسحاب المتوقع أن يستمر من ساحات أفغانستان والعراق ،وغيرها من الساحات في المنطقة، بل إن السؤال، هو: كيف سيكون شكل المنطقة وتحولات الصراعات فيها بعد هذا الانسحاب؟.

واضح أن المنطقة والقوى الرئيسة الفاعلة تقف بعد الانسحاب الأمريكي أمام العديد من السيناريوهات المعقدة والمتداخلة، فكافة القوى في المنطقة تتفق مع قوى أخرى في ملفات وتتقاطع معها،وتختلف معها في ملفات أخرى، وتتصارع حولها، فالقواسم المشتركة بين إيران وتركيا تتجسد بمواجهة الضغوطات الأمريكية والغربية، وتتفقان على وحدة الأراضي السورية ،والحيلولة دون قيام كيان كردي،إلا أنهما تختلفان حول مذهبية إيران، في ظل مشروع اردوغان المعروف ب”استئناف العثمانية” بثوبها الجديد، إضافة لخلافات حول مستقبل سوريا.

واضح أن كافة القوى متضررة من الانسحاب الأمريكي من سوريا، وليس غريبا القول أن الرئيس بشار الأسد، الذي تجاوز مسالة القبول من عدمها في الحكم، أول المتضررين، حيث سيفتقد ورقة مهمة ،كان يلوح بها،لمواجهة ضغوطات روسيا وإيران عليه، أما الرئيس اردوغان،فقد أصبح في حالة انكشاف، بعد إعلانه الحرب على الأكراد في سوريا، فعدم القيام بهذه الحرب سيرسل رسالة بضعف تركيا، وشن تلك الحرب سيعني أن الرئيس اردوغان يعمل لمصلحة الرئيس بشار الأسد وإيران،والى حد ما حليفهما الروسي، وهو ما يعني فتح الطريق أمام مصر والسعودية للقيام بدورهما القومي العربي في سوريا ضد “الاحتلال” التركي للأراضي السورية، ويبدو أن إدراك الرئيس اردوغان لتلك الحقائق” المخاوف” هي ما دفعت به لإعلان تأخير شن العملية ضد الأكراد في الشمال السوري لأشهر.

لا شك أن الأكراد وإسرائيل أكثر طرفين متضررين من الانسحاب الأمريكي من سوريا، ويبدو أن ذهاب إسرائيل إلى مجلس الأمن لتقديم شكوى على لبنان ،على خلفية أنفاق حزب الله، تعكس حجم التغيرات القادمة في المنطقة، وقبلها محاولة استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد صواريخ حماس،فيما لم يكن الاتفاق بين الفرقاء اليمنيين، وقرب الإعلان عن تشكيل الحكومة اللبنانية، وبدون الثلث المعطل، إلا شواهد على أن تغيرا عميقا ،يجري على قدم وساق وبهدوء بين السعودية وإيران، وربما شكل انخفاض حدة الحملات الإعلامية بين الجانبين ،خلال الأسابيع القليلة الماضية،بالتزامن مع تصعيد تركي ضد السعودية على خلفية قضية”خاشقجي”مؤشرات على تلك التحولات القادمة.

إن التحول الرئيس القادم في المنطقة،يكمن فيما بات يعرف ب”صفقة القرن” والأطراف الإقليمية التي ستقبل التعاطي معها، والأسئلة المطروحة على هامشها ،وأبرزها :هل ستكون تركيا طرفا فاعلا فيها، باتجاه تسويغها،وهل ستكون هضبة الجولان السورية ،جزءا من الصفقة، أم جوهرها؟وهل سينعكس الدفء السعودي والإماراتي مع دمشق، بانجاز في الجولان، في إطار ما يتردد حول تفسير الزيارة المفاجئة للرئيس السوداني “عمر البشير” إلى دمشق ونقله رسالة سعودية للرئيس الأسد حول ضمانات بخصوص الجولان؟ مؤكد أن الأشهر القليلة القادمة ستتكفل بالإجابة على كافة التساؤلات المعلقة، ودون أن يغيب عن بالنا حجم المفاجئات والتحولات، والتي من المؤكد أن ليس بينها الإقرار بان أمريكا خرجت من سوريا، بسبب فشل مشاريعها.

خبير امن استراتيجي / مدير عام مركز ابن خلدون

عمان – الأردن