د. شهاب المكاحله
هناك صراعات سياسية وثقافية واقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) لم يتم حلها إلى اليوم قد تتسبب في المزيد من الاضطرابات والفوضى السياسية للعديد من الدول. وعلى المجتمع الدولي أن يضطلع بمهامه لحلها قبل فوات الأوان. ففي عام 2014 ، قال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إن الشرق الأوسط لن يتمتع بالأمن والاستقرار دون حلٍ مقبول وجدير بالقبول للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وفي عام 2018 ، ثبت أن ما قاله صحيح لبُعد نظره. فما زال الشرق الأوسط يمثل أكبر تهديد للسلم والأمن الدوليين.
كثيرة هي التساؤلات التي يطرحها مستشارو الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الآونة الأخيرة من أن “صفقة القرن” لا بُد من أن تتم بمراحل. فكانت المرحلة الأولى بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل. أما المرحلة الثانية فهي تبادل زيارات الوفود الإسرائيلية مع الدول العربية من غير المُوقعِين على اتفاق سلام. والمرحلة الثالثة هي تمييع القضية عن طريق تصفية وكالة الغوث بما يعني إخفاء معالم الجريمة السياسية التي تتمخض عن عدم الاعترف بحق العودة وإنكار وجود اللاجئين تمهيداً لتوطينهم في دولهم ومنها الأردن وسوريا ولبنان. ولعل التوطين يحمل أبعاداً سياسية وديمورغرافية مهمة. فتوطين اللاجئين في سوريا ولبنان والأردن يعني تغيير المعادلة الانتخابية وزيادة الثقل السياسي للاجئين على حكومات تلك الدول.
نجاح الصفقة يعني فرضها بالقوة أو الإبقاء على الوضع الراهن مع وجود بعض العرب ممن يعمل ضد حل الدولتين. فقانون يهودية الدولة جزء من مشروع تحويل المنطقة إلى دول دينية وعرقية ومذهبية. فمنذ عام 1978، روَج الأميركيون لخطة السلام بين العرب والإسرائيليين من خلال السلام بـ”القطعة”. وكانت المرحلة الأولى هي إخراج مصر من الجبهة العربية ضد إسرائيل من خلال تحييد الجيش المصري وفق معاهدة كامب ديفيد للسلام. وكانت المرحلة الثانية هي تحييد الأردن في عام 1994. وكانت المرحلة الثالثة في عام 1995 عندما وقَعت السلطة الوطنية الفلسطينية اتفاقية أوسلو للسلام مع إسرائيل والرابع هو إشراك الجيوش العربية القوية في حروب لإضعافها: سوريا والعراق من خلال الصراعات الداخلية.
يبدو أن مرحلة السلام بالقطعة قد انتهى العمل بها واليوم بتنا نواجه السلام دون مقابل أو ما يسمى بـ”السلام المجاني” والذي تكفل فيه إسرائيل حصولها على الأرض دون أن تقدم أية تنازلات.
بدأ الحديث عن مشروع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لحل الصراع العربي الإسرائيلي بينما كان البيت الأبيض يتجهز لاستقبال الرئيس الجديد في نوفمبر 2016 وسرعان ما أُطلق عليه مصطلح “صفقة القرن”. عندما تفتّق ذهن جاريد كوشنر عن أن أخطر العقبات التي تعترض طريق التسوية هي قضية القدس نظراً لحساسيتها الدينية، كان لا بد من إزاحة القدس من على طاولة المفاوضات وعدم التريُث حتى الوصول إلى حلٍ نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيلين. فكان ما كان قبل نحو عام بقرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس.
حين يخالف رئيسٌ العُرف السائد، يعني ذلك حُكماً أنه مع الاتفاق الذي يقضي بالتعايش العربي الإسرائيلي وفق ما هو سائد لا وفق ما يريده الطرف العربي لأن اليد الطولى اليوم لإسرائيل. وما خطة السلام العربية للعام 2002 إلا محاولة عربية للتمسك بالثوابت التي باتت اليوم على المحك.
ومع استمرار الأردن وحرصه على دعم السلام الدائم والعادل الذي يقبله الجميع ومنهم الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي لأن ذلك سينعكس عليهم إيجاباً في حالة من الاستقرار والأمن التي سينعم بها الطرفان ما يخلق المزيد من الفرص الاقتصادية، إلا أن الوضع العام اليوم مشحون إلى حد كبير بين الفلسطينيين لرفضهم لكل إملاءات خارجية عليهم.
ويعتقد الأردن أن السلام هو جهد متضافر للعديد من اللاعبين. وبالتالي، لا يمكن لأي بلد أن يفعل ذلك بمفرده لتحقيق السلام والازدهار لأن عالمنا يحتاج إلى بناء جسور من التعددية والقبول والتعايش. والسؤال المهم هنا: هل أخذت الإدارة الأميركية فعلاً بمخاوف الأردن وفلسطين تجاه ما اصطلح على تسميته بـ”صفقة القرن”؟