د. شهاب المكاحله
إذا ما راقبنا حركة الصهيونية العالمية نرى أن إسرائيل تريد تغيير الديموغرافيا في الاردن وفي فلسطين وهذا ما فعلته تل أبيب مع الجزء المحتل من فلسطين في العام 1948 واليوم انقلبت الديموغرافيا في الضفة الغربية عن طريق الترانسفير إلى الأردن منذ ذلك العام وعلى مراحل وهذا هو لب “صفقة القرن” التي تعتزم عدد من الدول الانتهاء منها قُبيل نهاية ربيع العام 2019.
عملوا على تجفيف منابع الأنروا وتمويلها لقتل حق العودة: فلا عودة للفلسطينيين والدول التي استقبلتهم عليها توطينهم وفق الرؤية الإسرائيلية وضمن بنود “صفقة القرن”. إذ هناك 2.3 مليون لاجئ فلسطيني في الأردن، هؤلاء هم مواطنون فلسطينيون. كما أن هناك فلسطينيون في الضفة الغربية وعددهم قرابة 2 مليون تعمل إسرائيل على ترحيلهم وتهجيرهم عن طريق تسويق للكونفدرالية بحق إدارة الضفة الغربية ديموغرافياً وإداريا ولكن السيادة على الأرض إسرائيلية. وهذا الأمر مرفوض كلياً من قبل القيادة الهاشمية والشعب الأردني.
الأردن تحت ضغوط عربية ودولية وأممية للقبول بما لا يمكن قبوله. نحن ضد جميع الحلول التي تُطرح لتصفية القضية الفلسطينية ومنها صفقة القرن ولكن الأردن وحده لا يستطيع أن يدافع عن الفلسطينيين وعن القضية. كما أن حل القضية الفلسطينية لا يمكن أن يتم دون موافقة الأردن للترابط الكبير بين الشعبين الفلسطيني والأردني.
الأردن منهك اقتصادياً لتحمله أعباء درء الإرهاب العابر للحدود عن عدد من الأشقاء وتحمَل ما لا تقوَ عليه دول عظمى طوال سنوات خلت من عمر الربيع العربي. كما أن نسبة عالية من السكان من أصل فلسطيني وهذا يزيد معضلة فرض الإرادة الخارجية على الشعب الأردني لأن الأردنيين لن يوافقوا على الحل القسرى كونهم لن يؤيدوا حل الصراع الإسرائيلي في ملف فلسطين والقدس ما لم يكن في مصلحة الأردن أولاً مع رفضهم للحلول المفروضة عليه من الخارج. يعلم الأردنيون أنهم المستهدفون من كل تلك الضغوطات السياسية والاقتصادية وأن كل ذلك كان بمثابة الضغط على القيادة الأردنية للرضوخ لرغبات دول إقليمية ودولية ومنها إسرائيل لإنهاك الأردن للقبول بالشروط الإسرائيلية.
القيادة الأردنية لا يمكنها أن تقبل بالوطن البديل ولا حتى بحلٍ لا يرضي الأردنيين لأن القيادة الهاشمية تعلم من خلال التاريخ ومن تجربة الثورة العربية الكبرى وتآمر عدد من الدول على الأردنيين بأن الحل للقضايا المصيرية لا يمكن أن يكون إلا من أبناء الشعب وبما يخدم الشعبين الأردني والفلسطيني معاً مع الحفاظ على المكتسبات لكلا الشعبين وعدم الرضوخ للضغوطات الإقليمية والدولية لأنه لا يمكن للأردن أن يخسر اليوم وغداً اكثر مما خسر عبر عقود.
يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتبنى حرفياً “بوتوكولات حكماء صهيون” منذ مؤتمر “بازل” إلى اليوم وحتى مشروع ضم القدس الذي تم التطرق إليه في كتبه وفي نصوص البروتوكولات من ضم للقدس، وإشهارها عاصمة لإسرائيل والسيطرة الكلية على الجبال والأودية المحاذية للأردن وتوطين اللاجئين الفلسطينيين خارج فلسطين وإقامة حكم ذاتي في وطن بديل لهم في الأردن وما جاورها مع تصفية للقضية الفلسطينية وشطب حق عودة اللآجئين سواء من هم في الأردن ولبنان وسوريا وغيرها من الدول تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية.
وما قانون القومية اليهودية والمشاريع الإسرائيلية الاقتصادية الكبرى خارج حدودها ومنها مشروع سكك الحديد مع الدول العربية التي تربط تل أبيب بعدد من الدول عبر شمال الأردن (سكك حديد + طرق سريعة) إلا في هذا الإطار تمهيداً لتأسيس مشروع شرق أوسط جديد وتحالف أمني وعسكري وإن كان على حساب الأردن وفلسطين ضد دول إقليمية محورية منها تركيا وإيران.
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا أدخلنا أنفسنا في عين العاصفة؟ ولماذا سمحنا للآخرين بالتلاعب باقتصادنا وبمجتمعنا وفق مخططاتهم وأهوائهم لإملاء إرادتهم علينا؟
نحن اليوم في نوفمبر 2018، والتاريخ ليس منا ببعيد. ففي 11 من نوفمبر 1918، صدَق الأردنيون وعوداً وخطابات وسرعان ما طُعنوا في الظهر عبر سايك – بيكو. في ذلك التاريخ، فرضت إسرائيل إرادتها على بريطانيا وعلى فرنسا. واليوم تفرض علينا اتفاقية أو صفقة سلام تخدم مشروع إسرائيل الكبرى الاقتصادي لا السياسي فحسب عبر تسويق للبنود واحداً تلو الآخر بزيارات لمستشاري الرئيس الاميركي دونالد ترامب ممن يُسوقُون للصفقة ويُهللون لها كل يوم تمهيداً لفرضها على الأردنيين والفلسطينيين فيما بعد وبإمضاء إقليمي.
لست ضد اتفاق سلام ولست مع الحرب والقتل ولكن لا ينبغي أن يُلوى ذراع الأردنيين والفلسطينيين لتمرير صفقة تدفع بالأردن إلى حافة الهاوية حيث لا ملاذ ولا مفر. وأخيراً، على الشعبين الوقوف مع القيادة الأردنية والفلسطينية ضد أية مخططات للترانسفير والتهجير وتهميش القضية الفلسطينية.