د. شهاب المكاحله
واشنطن
قبل ايام التقيت زميلا عُمانيا في العاصمة واشنطن وجرى حديث بيني وبينه حول مستقبل الشرق الاوسط وسياسة عُمان. فما كان مني إلا ان التقطت بعض الاضاءات من ذلك الحديث الشيق فجرى قلمي بكتابة هذه المقالة. فبغض النظر عن التحديات الجيوسياسية في منطقة مضطربة، فإن سلطنة عُمان اكتسبت مصداقيتها كصانع سلام إقليمي. جذبت عُمان الانظار اليها في صيف عام 2015 لاحتضانها اللقاء التاريخي بين مسؤولين ايرانيين واميركيين ساهم فيما بعد بالتوصل الى اتفاق دولي مع ايران حول برنامجها النووي. كانت عُمان من أوائل الدول في الشرق الأوسط التي تدعم المحادثات المفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران. لطالما دعت السلطنة الى حل النزاعات الاقليمية بالطرق السلمية.
ومنذ ذلك الحين ، واصلت عُمان زخمها وأبدت استعدادها لاتخاذ زمام المبادرة في صنع السلام في الشرق الأوسط. ففي آب 2015، استقبلت مسقط وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، الذي زار السلطنة بعد أربع سنوات ونصف السنة من اندلاع الصراع في سوريا لمناقشة الخطوات الرئيسة لحل الأزمة السورية. وكانت عُمان واحدة من أوائل دول الخليج العربية التي وافقت على الدعوة لقمة بين إيران ودول مجلس التعاون على الرغم من معارضة العديد من مسؤولي دول المجلس.
وتعتبر السياسة الخارجية المستقلة لسلطنة عُمان في القرن الواحد والعشرين من محفزات صنع السلام في المنطقة. غذ سعت مسقط من خلال القوة الناعمة في سياستها الخارجية لأن تصبح وسيطا نزيها في المنطقة بل أطلق عليها بعض العرب والغرب “سويسرا العرب”.
ساهم نجاح “سويسرا العرب” في عدة قضايا اقليمية بقبول موافقة ولو صامتة من قبل عدد من الدول الاقليمية بل والطلب منها التوسط في عدد من الصراعات المجاورة وكادت تلك المحاولات ان تنجح لولا التدخلات الخارجية التي عرقلت الحلول التي تم التوصل اليها.
وتشكل سياسة عُمان الداخلية أيضا رغبة واضحة في الحفاظ على سياسة خارجية مستقلة. فكانت فترة الربيع العربي في العام 2011 أحد المؤشرات التي دفعت مسقط إلى السعي إلى تحقيق الأمن والازدهار الاقتصادي على المدى الطويل من خلال العلاقات الخارجية الإيجابية عبر إصلاحات سياسية واقتصادية ومحاربة الفساد.
من خلال سياسة حسن الجوار ، قامت مسقط بخلق توازن مصالح مع جيرانها الاقليميين اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا عبر توسيع علاقاتها مع الحلفاء الرئيسيين بغض النظر عن التحديات الجيوسياسية مع تبني مبدأ الانفتاح على الجميع ، حتى مع الدول التي لا تحظى بشعبية لدى بعض الدول العربية.
في ضوء سياستها الأمنية ، تحتفظ مسقط بالحد الأدنى من الوضع الدفاعي العسكري. فسلطنة عُمان لديها قوات مسلحة صغيرة مقارنة بدول أخرى مجاورة واقليمية لكنها تسعى من خلال الدبوماسية الى تجنيب العسكرة في المنطقة ونزع فتيل التوتر بين الدول العربية وجيرانها: تركيا وايران.
إذا ما تتبعنا سلسلة وأصول الارهابيين المقاتلين في كل الدول نجد أن لا وجود لعُماني فيما بينهم ما يعني أن لا وجود لحاضنة للإرهاب في السلطنة. وهذا مهم جدا من الناحية الامنية والعسكرية والسياسية والدينية. فقد تعهدت عُمان بمنع تدفق المقاتلين الأجانب. كما أن العامل الآخر المهم هو أن الصراع الطائفي بين الطائفتين السنية والشيعية ليس قضية رئيسة في عُمان إذ تتعايش الطوائف السنية والشيعية بشكل سلمي، وهو ما يعكس أيضا سببا لتقاربها مع الجميع أو لبقائها على مسافة واحدة من الجميع.
على الرغم من دورها العسكري المحدود في العراق وسوريا واليمن ، إلا أن عُمان تفضل أن تساهم بقوتها الدبلوماسية. سياسة مسقط تحقق مكاسب كبيرة لها في أكثر المعضلات الإقليمية تعقيدا. ونتيجة لذلك ، أصبحت سياسة عُمان المستقلة هدفا للعديد من الدول التي تسعى لإشراك عُمان من وراء الستار لحل القضايا الاقليمية بشكل براغماتي ودبلوماسي.
منذ فترة طويلة، تبنت سلطنة عمان دبلوماسية هادئة. وتشير وزارة الخارجية العُمانية الى مبادئ السياسة الخارجية للسلطنة ومنها: تطويرعلاقات جيدة مع جميع جيران عُمان والحفاط على تلك العلاقات ، وهذا ما يفسر النهج الذي تتبناه الحكومة حاليا رغم كل الضغوطات الاقليمية والدولية عليها لتغيير نهجها.
فهل تنجح سياسة الدبوماسية الناعمة وحسن الجوار على المدى البعيد؟ كل المؤشرات توحي بأن السلطنة مستقرة الى ابعد الحدود رغم حالة من التوتر على الحدود مع اليمن بسبب الصراع اليمني. ومن المؤكد أن السلطنة لا تؤمن بسياسة التدخل في شؤون الدول الاخرى مثلما تؤمن بأن على الدول الاخرى احترام المواثيف والعهود الدولية المعنية في عدم التدخل في شؤون غيرها مهما كانت الاسباب والذرائع.