الرئيسية / أخبار / الدور الروسي والأميركي في المنطقة

الدور الروسي والأميركي في المنطقة

شهاب المكاحلة – نيويورك

بعد أن توارت عملية السلام وفى مقدمتها قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من سلم أولويات الدول العربية والقوى الدولية عقب ما اصطلح على تسميته بـ”الربيع العربي”، عادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة من جديد بعد تراجع النفوذ الأميركي في ظل سياسات الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. ولكن اليوم باتت الأمور مرتبطة إلى حد كبير بمدى حرص الولايات المتحدة على أن تلعب الدور الرئيس فى عملية السلام وفي حلحلة المعضلات والمشاكل التي تبعت “الربيع العربي”.
ولعل أبرز ما كان على هذا الصعيد هو تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول إيجاد حل للقضية الفلسطينية لتؤكد أن لا حل سوى حل الدولتين، واليوم ومع انشغال العالم بشأن الخلاف العربي-القطري، ومع تقدم إيران وتركيا على الساحة العربية من عدة عواصم عربية باتت المسائل معقدة أكثر للدول العربية في إحداث التأثير المطلوب بدءاً من القضية الفلسطينية إلى قضية الإرهاب في العراق وسورية وليبيا واليمن وغيرها من دول الشرق الأوسط. لكن ما هي توجهات الإدارة الأميركية خلال هذا العام خصوصاً فيما يتلعق بسورية والعراق وليبيا واليمن وفلسطين؟ وهل هناك تنسيق بين موسكو وواشنطن في تلك الملفات؟
لقد باتت الإدارة الأميركية اليوم بحاجة ماسة لاتخاذ قرار نهائي فيما يتعلق باستراتيجيتها لمحاربة الإرهاب والتطرف في سورية والعراق وعدد من دول الشرق الأوسط لإثبات الوجود من جديد والحصول على مصداقية لدى شعوب المنطقة قبل قياداتها.
فقد قال دينيس روس في مقال سابق نشره موقع “واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” إن الرئيس ترامب، كالعديد من أسلافه “يسعى إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط. ومن الواضح أن إحلال السلام في الأراضي المقدسة هو مسألة لطالما جذبت الرؤساء الأميركيين. كما أن الموازنة بين الأمن الإسرائيلي واحتياجات السيادة الفلسطينية سوف تتطلب على الأرجح نهجاً أميركياً جديداً، وبالتالي فمن الحكمة أن تصغي الإدارة الأميركية إلى بعض الدروس من إخفاقات الماضي”.
ومن ناحية ثانية، يبدو أن الدول العربية تنظر اليوم إلى واشنطن بمزيج من الأمل والتوجس، ما يعكس أملاً لخرق الجمود على مستويات عديدة. فمع تعاون أميركي روسي في ملفات المنطقة وتأكيد الرئيس الأميركي احترامه للاتفاق الموقع مع إيران لمراقبة انشطتها النووية بات الانفتاح الأميركي على شعوب الشرق الأوسط هو الحل للعقدة التي جعلت من تلك الشعوب تتخوف من أية إدارة أميركية نظراً لتجاهلها تحديات ومشاكل شعوب منطقة الشرق الأوسط الأساسية ومنها حل عادل للقضية الفلسطينية وفق خطة السلام العربية على أساس قمة بيروت.
إلا أن الإدارة الأميركية لا تتفهم اليوم في غمرة انشغالها بما يجري على الساحة الأميركية من أحداث بأن روسيا بات لها وزنها في الشرق الأوسط وأنها لاعب أساسي ولم تعد كما كانت قبيل 2000. أي أن روسيا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين باتت تعمل على توسيع دائرة نفوذها في الشرق الأوسط  لحماية مصالحها وأمنها القومي باعتبار أن من يحاربون في الشرق الأوسط ممن يحملون الجنسية الروسية هم خطر على أمنها القومي حال عودتهم.
وليس أدل على ذلك من أرضية التفاهم الأميركية الروسية التي تشكلت بشأن الأزمة السورية وإعلان واشنطن وقف تسليح المعارضة السورية تمهيداً للتخفيف من النفوذ الإيراني في سورية وعدم إعادة سيناريو العراق.
لكن السؤال المطروح الآن هو هل الولايات المتحدة قادرة على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء إلى ما قبل 2011؟ وهل ثمة تفاهم روسي أميركي جديد حول الأزمة السورية؟
يبدو للجميع أن أي تفاهمات حول الصراع  السوري لن تخرج عن عباءة روسيا وبإمضاء الولايات المتحدة نفسها على مستقبل سورية وقيادتها.
على الرغم من التدخل العسكري المباشر الكبير للجيش الأميركي في كل من سورية والعراق إضافة إلى الجهد والضغط الدبلوماسي على جميع أطراف الصراع في الميدان السوري والعراقي، إلا أن هناك مؤشرات توحى برغبة الإدارة الأميركية بالتعاون مع القيادة الروسية لتجنب الوقوع في المستنقع السوري والعراقي، ولكنها هذه المرة تريد أن تتدخل بتعاون روسي من أجل إبعاد النفوذ الإيراني عن ساحات سورية والعراق عبر تحجيم الدور الإيراني في المنطقة العربية وذلك من أجل إحياء عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية التي توقفت لأعوام عديدة بحجة أن إسرائيل باتت مهددة وتحت مرمى نيران حزب الله وإيران والميليشيات الموالية لها.
يرى السياسيون والمحللون الاستراتيجيون في كل من موسكو ونيويورك أن هناك اتفاقا روسياً أميركياً فيما يتعلق بحلحلة الصراعات في الشرق الأوسط بما يخدم في المقام الأول مصالحهما من أجل البدء بعملية تسوية نهائية للصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي بمشاركة أطراف عديدة لمناقشة استحقاقات السلام وتشمل تلك الاستحقاقات ضمانات أمنية ومساعدات مالية وتواجد قوات أمنية فى الضفة الغربية.
كما أن هناك اتفاقاً ضمنياً بين موسكو وواشنطن للتصدي للفصائل السلفية الجهادية في سورية والعراق وإرضاخها قولاً وفعلاً لإرادة كلتا الدولتي، خصوصاُ مع اضمحلال تنظيم “داعش” مع خشية كلتا الدولتين من تشكل تنظيم يحمل لواءه ولكن تحت مسمى آخر. لذلك تسعى كل من موسكو وواشنطن إلى تهميش المتطرفين العنيفين من خلال تسليط الضوء على الهوة التي تفصل بينهم وبين الغالبية من المسلمين.
ولعل المصالح المشتركة بين واشنطن وموسكو هي التي ستعمل على حل النزاعات في الشرق الأوسط قبل الانفجار الاقليمي الكبير الذي سيؤثر سلباً على كلتا الدولتين. لذلك بات من الالزام على كلتا العاصمتين احتواء الخلافات الاقليمية في ا

لشرق الأوسط خشية امتداد النيران إلى حدودهما وذلك بالبحث عن مخارج سياسية ودبلوماسية.
وفي الختام بات واضحاً أن الدبلوماسية الناعمة التي تنتهجها بعض الدول فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، خصوصاً قضايا الإرهاب باتت أقرب إلى الفكر الروسي منها إلى الفكر الأميركي نظراً لنفوذ الفدرالية الروسية السياسي والاستخباراتي والعسكري في الآونة الأخيرة في الدول العربية ونظراً لرفض الشعوب العربية عقب ثورات 2011 لما يسمى بمصطلحات “الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان” التي باتت للشعب العربي بمثابة “دعاية غربية” هدامة لا غير.