شهاب المكاحله – – نيويورك
مع التوصل إلى إتفاق ثلاثي بين روسيا و الولايات المتحدة الأميركية والأردن على وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا والذي دخل حيز التنفيذ يوم الأحد 9 يوليو 2017 عقب التوقيع على الاتفاق في عمَان يوم الجمعة 7 يوليو 2017 بعد مداولات حثيثة من أجل التوصل إلى صيغة تفاهم لوقف إطلاق النار، بدأنا نلمس معالم استراتيجية أميركية جديدة تظهر في سوريا بعد شهور من عزوف الإدارة الأميركية عن التعامل مع التطورات على الساحة السورية وتعقيداتها.
لعل المتتبع لتصريحات الرئيس الروسي في قمة العشرين بهامبورج والتي وصف فيها الموقق الأميركي حول سوريا بأنه “أكثر براغماتية مما سبق” يدل على غزل سياسي رفيع المستوى ما كان ليكون لولا التوصل إلى معادلة ترضي طموح كلا الدولتين العظميين في سوريا كمرحلة أولى. كما أن الاتفاق يعني إبعاد إيران وحزب الله عن مناطق جنوب وغرب سوريا المحاذية للأردن وإسرائيل.
إن المتتبع للاتفاق يرى أنه يدعم عملية سلام ضمن المبادئ الدولية وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، والقرار رقم 2118،. وهذا ما أكدته مجلة الـ”تايم” الأميركية بتعليقها على الاتفاق بالقول: “إن الاتفاق الأميركي الروسي الأردني يمثل مستوى جديداً من مشاركة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العمل على تسوية الأزمة السورية.” وأشارت المجلة إلى أنه على الرغم من عدم معرفتها بالتفاصيل الدقيقة للاتفاق وكيفية تطبيقه على أرض الواقع، إلا أنها قالت إن كلاً من الأردن وإسرائيل ساهما في تشكيل هذه الاتفاق لأنهما يتقاسمان حدوداً مع الجزء الجنوبي الغربي من سوريا إذ أبدت الأردن قلقها من امتداد نيران المعارك إلى حدودها وتدفق اللاجئبين إليها وسقوط القذائف على مدنها الشمالية المحاذية لمناطقة التوتر.
من المهم في هذا السياق أن اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب الغربي من سوريا في مناطق درعا والسويداء والقنيطرة ليس محدداً بمدة زمنية.
وعلقت صحيفة الـ”واشنطن بوست” على الاتفاق بأنه كان جزءاً من مناقشات أميركية موسعة مع الجانب الروسي بدأت مع زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيليرسون إلى موسكو في مايو 2017 واجتماعه مع المسؤولين الروس لإيجاد حل للصراع السوري الذي دخل عامه السابع.
واعتبرت مجلة “نيويوركر” أن الاتفاق هو أكبر إنجاز دبلوماسي لواشنطن وموسكو في السنوات الأخيرة وخصوصاً في عهد ترامب الذي تحاول إدارته التخفيف من حدة توتر العلاقات مع روسيا من خلال تحديد عدد محدود من القضايا التي يمكن للبلدين إحراز تقدم بها، وبالتالى بناء جسور من الثقة من أجل إصلاح أوسع للعلاقات. ونشر موقع “ذا ديلي بيست” الأميركي تقريراً يظهر تغيراً في مواقف كل من روسيا والولايات المتحدة تجاه الصراع السوري إذ اعتبر الموقع أن الاتفاق هو هدية أميركية لروسيا من خلال تصريحات تيليرسون قبل أيام أن واشنطن مستعدة للعمل مع موسكو من أجل وضع آليات مشتركة في سوريا مثل مناطق حظر جوي. ولعل تأكيد وزير الخارجية الأميركية على أن روسيا تتحمل مسؤولية خاصة في التسوية السورية وأن من شأن نجاح التعاون بين البلدين في فرض الاستقرار على الأرض أن يمهد للمزيد من التعاون لتسوية مستقبل سوريا السياسي هو ما تبلور عنه الإعلان الكبير عن الاتفاق عقب لقاء الرئيسين بوتين وترامب في هامبورغ.
واضاف موقع “ذا ديلي بيست” أن الخطوط العريضة لهذه الاستراتيجية تشمل الموافقة على بقاء ]الرئيس السوري[ بشار الأسد في السلطة إلى حين بدء المرحلة الانتقالية مع إنشاء مناطق تخفيف التصعيد في أربع مناطق في سوريا، ونشر قوات للشرطة العسكرية الروسية في مناطق سورية خاضعة لسيطرة الحكومة السورية.
ووفقاً للبيت الأبيض فإن واشنطن قدمت تلك التنازلات من أجل منع عودة داعش إلى المناطق التي يتم تحريرها أي القيام بضربة استباقية لإلحاق هزيمة نهائية بتنظيم داعش والتعامل مع الفوضى المحتملة بعدها لتجنب الفراغ الذي قد تستغله القوى المتطرفة والإرهابية من قبيل القيام بتهديد جيرانها مثل الأردن وإسرائيل.
وبالمقابل فإن واشنطن سوف توكل مهمة حفظ الأمن في المناطق الأخرى من سوريا إلى حلفاء الولايات المتحدة مثل ” قوات سوريا الديمقراطية”. وهذا الاتفاق يقودنا إلى السؤال عن مستقبل المناطق الثلاثة الأخرى. ويبدو أن الجواب عليه أن المصير في الشمال السورىي مشابه لما سيجري في الجنوب الغربي لسوريا وسيكون تفعيل منطقة تخفيف التصعيد هناك بالتعاون مع تركيا أما مناطق شرق سوريا والتي تضم الرقة فستشهد عملية معقدة تتقاسمها القوات الكردية والجيش السوري مع تخفيف للتواجد الإيراني في سوريا وذلك بطلب أردني لأن عمان لا تريد أن يكون على حدودها أية قوات ميليشوية أو طائفية من أجل الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.